إن الشعر ليعد تاجا للجمال وزينة تزدان بها هيئة الإنسان، وفقدانه ليغدو مصدر قلق يستبد بالكثير ولا يميز في ذلك بين رجل أو امرأة. وما مسألة تساقط الشعر هذه - أو ما درج الأطباء على تسميتها بالثعلبة - بمحض شأن يختص بالمظهر أو يمس ناحية تجميلية، بل هي في حقيقتها حالة طبية ذات تشعب قد تومئ خفاياها إلى دلالات صحية أعمق، وتترك بصمتها الواضحة على صفاء النفس واعتداد المرء بذاته.
ثم إن أسباب هذا التساقط وأنواعه لَتتباينُ تبايناً كبيراً، ما يجعل الوقوف على حقيقتها واستجلاء أمرها فهماً دقيقاً هو المدخل الأول إلى التعامل القويم والنهج الفعال معها.
إن آفة تساقط الشعر لَتنال من جموع غفيرة من الناس في شتى بقاع الأرض، وتتكاثر في الأذهان الاستفهامات حول أسبابه المكنونة وأصنافه المتعددة وما استجد من طرق لتشخيصه ومداواته. ونصبو في هذا المقال أن يكون لك خير دليل شامل ومصدر وثيق، إذ سنتناول فيه أبعاد هذه المشكلة بعمق كاشفين عن أسبابها من منظور العلم الدقيق ومفصلين ضروبها المختلفة، وموضحين أحدث الوسائل المتبعة في تبيانها ومداواتها.
هذا فضلاً عن تقديم إرشادات عملية لوقاية الشعر والعناية الفائقة به مع إضاءة الجانب النفسي وكيفية التعامل معه بحكمة. والأمل يحدونا أن تجد في طيات هذه السطور إجابات تثلج الصدر ومعلومات ذات قيمة، تعينك على فهم أعمق لمشكلة تساقط الشعر، وتخولك اتخاذ القرارات الرشيدة لصحة شعرك وزينته.
فهم دورة نمو الشعر الطبيعية وأسباب اضطرابها
وحتى يتجلى لنا استيعاب ظاهرة تساقط الشعر، لا بد لنا بادئ الأمر من أن نتأمل تلك الآلية الفطرية التي ينمو الشعر بمقتضاها. فالشعر يجتاز في مسيرة عمره دورة حياة ذات نظام دقيق وتركيب معقد، تتوالى فيها مراحل عدة، وأي شائبة تعتري هذا النظام أو اختلال يصيب تلك الدورة، قد يفضي إلى ضروب من مشكلات تساقط الشعر. وإن الفهم الدقيق لهذه المراحل وكيفية تفاعلها مع ما يحيط بها من عوامل باطنة أو مؤثرات خارجية، ليعد بحق الركيزة الأساس في تشخيص علة تساقط الشعر وابتغاء العلاج الفعال لها.
مراحل دورة نمو الشعر
تمر دورة حياة الشعرة بثلاث مراحل رئيسية، وهي عملية ديناميكية مستمرة ومتجددة، تحدث على مستوى كل بصيلة من بصيلات الشعر. هذا التعاقب الدوري للمراحل يكفل التجدد الطبيعي للشعر والمحافظة على كثافته، وهذه المراحل هي كالتالي:
- مرحلة التنامي (Anagen)
- مرحلة التراجع (Catagen)
- مرحلة الانتهاء (Telogen)
أما مرحلة التنامي فتتميز بنمو الشعرة الفعال، وهي فترة قد تمتد لسنوات عدة ويتحدد خلالها الطول الأقصى الذي يمكن للشعرة بلوغه. تعقبها مرحلة التراجع، وهي طور انتقالي موجز يتوقف خلاله نمو الشعرة، وتشرع في الانفصال التدريجي عن البصيلة. ثم تلي ذلك مرحلة الانتهاء، أو ما يعرف بمرحلة الراحة، وفيها تستقر الشعرة داخل البصيلة دون أي نشاط نمو لعدة أشهر إلى أن يحين أوان سقوطها طبيعيا، مفسحة المجال لبدء دورة نمو جديدة لشعرة أخرى تنشأ من البصيلة ذاتها.
كيف يحدث الخلل المؤدي إلى تساقط الشعر؟
إن تساقط الشعر بصورته الملحوظة ينشأ في جوهره عن اختلال يصيب دورته الحيوية المنظمة، أو نتيجة ضرر مباشر يلحق ببصيلات الشعر في بنيتها الأساسية. وتتجلى مسببات هذا الخلل إما في قِصَرِ مدة مرحلة النمو (التنامي)، أو في انتقال أعداد كبيرة من البصيلات بشكل مبكر ومتزامن إلى مرحلة الراحة (الانتهاء) وما يتبعه من تساقط، أو قد يكون ناجماً عن تلف مباشر يصيب البصيلات، مما يجعلها عاجزة عن إنتاج شعر سليم وقوي، أو يؤدي إلى إنتاجها لشعر ضعيف وهش سهل التكسر.
تتشعب الأسباب الكامنة وراء هذا الاضطراب لتشمل طيفاً واسعاً من المؤثرات، في طليعتها الاستعداد الوراثي والتقلبات الهرمونية، مروراً ببعض الاعتلالات الصحية وأوجه القصور الغذائي، وانتهاءً بالضغوط النفسية وبعض الأساليب الخاطئة المتبعة في العناية بالشعر. وكل عامل من هذه العوامل بمقدوره أن يلقي بظلاله، سواء بصورة مباشرة أو مداورة، على سلامة البصيلات واستقامة دورة نمو الشعر لديها، ليفضِيَ الأمر في نهاية المطاف إلى تلك الظاهرة المؤرقة المتمثلة في تساقط الشعر، التي يصبو الكثيرون إلى إدراك أبعادها وتلمس أنجع السبل لدرء مخاطرها أو التخفيف من وطأتها.
والحق أن الإحاطة بهذه الآليات المتشابكة من شأنها أن تُمكّن الأطباء من استجلاء المسبب الجوهري لتساقط الشعر لدى كل حالة على حدة، ومن ثم توجيه الخطة العلاجية بمزيد من الإحكام والنجاعة، سواء استهدف ذلك استعادة الانتظام لدورة نمو الشعر أو وقاية البصيلات من تفاقم الأذى الذي قد يلحق بها.
أنواع تساقط الشعر الرئيسية
يتجلى تساقط الشعر في صورٍ شتى وأنماطٍ مختلفة، ويمكن تصنيفه إجمالاً ضمن فئتين أساسيتين استناداً إلى وضع بصيلات الشعر وحالتها: أولاهما تساقط الشعر اللا ندبي، وفيه تبقى بصيلات الشعر سليمة من حيث المبدأ ومحتفظة بقدرتها على تجديد الشعر وإنباته؛ وثانيهما تساقط الشعر الندبي، والذي يتصف بتلف يستحكم في البصيلات ويفضي إلى اندثارها، لتحل محلها أنسجة ليفية ندبية، الأمر الذي يجعل فقدان الشعر هنا نهائياً لا رجعة فيه. ولهذا للتفريق الأولي بين النوعين أهمية محورية، إذ إنه يرسم إلى حد بعيد معالم المسار التشخيصي ويوجه الخيارات العلاجية المتاحة.
وسنتناول في هذا الجزء من المقال استعراضا لأبرز أنواع تساقط الشعر التي تندرج تحت كلتا الفئتين مع إلقاء الضوء على السمات المميزة لكل نمط والعوامل المحتملة الكامنة وراء حدوثه، مما يتيح للقارئ تكوين فهم أعمق وأشمل لهذه المشكلة الصحية المتشعبة والمتعددة الأوجه.
تساقط الشعر اللا نَدَبي (Non-Scarring Alopecia)
يمتاز تساقط الشعر اللا نَدَبي بكون بصيلات الشعر فيه تبقى حية، ومحتفظة نظرياً بقدرتها على معاودة إنتاج الشعر، وإن كانت قد تمر بمرحلة سكون مؤقت أو يقتصر إنتاجها على شعر يفتقر إلى القوة. ويُفهم من ذلك أن تراجع كثافة الشعر في مثل هذه الأحوال يكون في غالب الأحيان أمراً قابلاً للإصلاح والتدارك، سواء بصورة تلقائية أو بتطبيق علاجات ملائمة تستهدف جذور المشكلة. ويُصنف هذا النوع من التساقط بأنه النمط الأكثر انتشاراً ومشاهدةً بين سائر حالات فقدان الشعر.
وإن استيعاب الفروقات بين الأنواع المتعددة المندرجة تحت هذه الفئة لهو أمر بالغ الأهمية في سبيل تحديد المسلك العلاجي الأنسب، إذ إن لكل نوع مسبباته وآلياته الخاصة التي تميزه عن غيره، وهو ما يستدعي بالضرورة تبايناً في استراتيجيات التدخل والمواجهة.
1. الصلع الوراثي (Androgenetic Alopecia - AGA)
الصلع الوراثي - والذي يُشار إليه كذلك بمسميات الصلع الذكوري النمطي أو الصلع الأنثوي النمطي - هو الصورة الأكثر شيوعاً واستفحالاً لتساقط الشعر وهو يصيب كلا الجنسين، الرجال والنساء، وإن كان يتخذ في كل منهما مساراً وهيئة متمايزة.
وتنشأ هذه الظاهرة نتيجة تضافر معقد لعوامل الاستعداد الوراثي مع مؤثرات هرمونية معينة، لا سيما هرمون الديهدروتستوستيرون (DHT) الذي يُحدث ضموراً تدريجياً في بصيلات الشعر ذات الحساسية تجاهه.
ويتخذ هذا النوع من الصلع مظاهر جلية تميزه بين الذكور والإناث، نوجزها على النحو التالي:
- النمط الذكوري: انحسار في خط الشعر الأمامي مع ترقق في منطقة تاج الرأس.
- النمط الأنثوي: ترقق عام وشامل في كثافة الشعر مع بقاء خط الشعر الأمامي غالباً دون تأثر ملحوظ.
غالباً ما تبدأ أولى علامات التساقط في النمط الذكوري بانحسار تدريجي لخط الشعر في مقدمة الرأس، آخذًا شكلًا يقارب حرف "M" بالإنجليزية، ثم يتبع ذلك وهنٌ وترققٌ متدرجٌ يصيب شعر منطقة قمة الرأس (التاج)، وقد تستفحل الحالة لتفضي إلى فقدان كامل للشعر في تلك المواضع.
أما في النمط الأنثوي فيأخذ الترقق طابعاً أكثر شمولية وانتشارا، ويتركز بصورة أخص في المنطقة العلوية من فروة الرأس، مع ملاحظة ميل عام لبقاء خط الشعر الأمامي سليماً إلى حد كبير، وقلما يفضي الأمر لديهن إلى حالة صلع شامل كما هو معهود لدى الرجال.
2. الثعلبة البقعية (Alopecia Areata - AA)
تُعرَّف الثعلبة البقعية بأنها إحدى حالات الاعتلال المناعي الذاتي، إذ يهاجم فيه الجهاز المناعي للجسم بصيلات الشعر على نحو خاطئ، مُحدثا بذلك تساقطا مفاجئا للشعر يتخذ شكل بقع ملساء، دائرية أو بيضوية الهيئة. وقد تستهدف هذه البقع فروة الرأس أو منطقة اللحية، أو الحاجبين، أو أي موضع آخر من الجسم يكسوه الشعر.
وللثعلبة البقعية مظاهر وأنماط متعددة، نذكر منها:
- الثعلبة البقعية المحدودة (Patchy Alopecia Areata): وهي النمط الأكثر وقوعا، وتتجلى في ظهور بقعة صلعاء واحدة أو بضع بقع متفرقة.
- ثعلبة الرأس الشاملة (Alopecia Totalis): وفيها يُفقد شعر فروة الرأس بأكمله.
- الثعلبة الشاملة للجسم (Alopecia Universalis): وهي من الحالات قليلة الحدوث، وتتميز بفقدان تام لشعر الجسم كافة.
- ثعلبة منطقة اللحية (Alopecia Barbae): ويتركز تأثيرها حصراً على منطقة شعر اللحية.
ورغم ما قد تسببه الثعلبة البقعية من إزعاج وتأثيرات نفسية لا يُستهان بها فإن بصيلات الشعر المتأثرة تبقى حية، مما يفتح الباب أمام إمكانية تجدد نمو الشعر، سواء أكان ذلك بصورة عفوية أم بمساعدة التدخلات العلاجية. غير أن مسار هذا الاعتلال يظل غير قابل للتنبؤ على وجه الدقة، وقد تتخلله نوبات انتكاس متوالية.
3. تساقط الشعر الكربي (Telogen Effluvium - TE)
يُقصد بتساقط الشعر الكربي ذلك النمط من التساقط الذي يتسم بالانتشار والحدوث المفاجئ، وينجم عن انتقال أعداد كبيرة من بصيلات الشعر على نحو متزامن وقبل الأوان إلى مرحلة السكون (أو طور الراحة Telogen)، لتبدأ هذه الشعرات بالسقوط بعد انقضاء مدة تتراوح في العادة بين شهرين وأربعة أشهر من لحظة التعرض للعامل المثير أو المُعجِّل. وفي المعتاد لا يُفضي هذا النوع من التساقط إلى صلع شامل، وإنما يتجلى في صورة ترقق عام يطال كثافة الشعر الإجمالية.
وتتنوع العوامل التي قد تكون بمثابة الشرارة المحفزة لحدوث تساقط الشعر الكربي، ومن أبرز هذه العوامل نذكر:
- الاجهاد البدني أو العاطفي.
- مرحلة ما بعد الولادة، أو الخضوع لعمليات جراحية كبرى.
- الإصابة بأمراض شديدة الوطأة، أو المعاناة من ارتفاع في درجة حرارة الجسم يدوم لفترات ممتدة.
- التقلبات الهرمونية المفاجئة، وكذلك سوء التغذية وحالات عوز (نقص) بعض العناصر الغذائية الضرورية.
وفي أغلب الأحيان يكون تساقط الشعر الكربي ظاهرة عارضة ومؤقتة، إذ يستأنف الشعر نموه الطبيعي فور تلاشي المؤثر المُحفِّز أو معالجة الوضع الصحي الأساسي المسبب. وهنا تكون طمأنة المصاب وتزويده بفهم واضح لطبيعة هذه الحالة ركناً أساسياً في استراتيجية التعامل معها.
4. تساقط الشعر التنامي (Anagen Effluvium - AE)
ينشأ تساقط الشعر التنامي عن كبح مفاجئ وشديد لعملية انقسام الخلايا الحيوية داخل بصيلات الشعر، وذلك إبان مرحلة النمو الفعال (طور التنامي Anagen). ويُسفر هذا الكبح عن تهشم سيقان الشعر وتساقطها بوتيرة متسارعة وعلى نطاق واسع، وذلك في الغالب في ظرف أيام معدودات أو أسابيع قلائل تلي التعرض للعامل المباشر المسبب.
وتُعتبر العلاجات الكيميائية وكذلك جلسات العلاج الإشعاعي التي تستهدف منطقة الرأس من بين أبرز العوامل المفضية إلى هذا النوع من تساقط الشعر. ورغم غزارة التساقط التي قد يتسم بها فإنه في العادة يكون ذا طبيعة مؤقتة، إذ يعاود الشعر نموه مجدداً بعد انقضاء التأثير المباشر للعامل المسبب، حيث إن بصيلات الشعر ذاتها في غالبية الأحوال لا يصيبها التلف على نحو دائم.
5. ثعلبة الشد (Traction Alopecia)
تنشأ ثعلبة الشد جراء إجهاد بصيلات الشعر بفعل الشد أو الجذب المتواصل والمزمن، وهو ما ينتج في الغالب عن اعتماد بعض تصفيفات الشعر التي تفرض عليها ضغطاً مفرطاً، كعقصة ذيل الحصان المحكمة، أو الضفائر ذات الطابع الأفريقي، أو الجدائل المبرومة بإحكام، أو حتى تركيب خصلات الشعر الاصطناعية ذات الوزن الثقيل. ويتركز تأثير هذا النمط من التساقط بصفة خاصة على تخوم فروة الرأس والمناطق التي يتركز عليها القدر الأكبر من ذلك الضغط.
يمكن تدارك هذا التساقط الناجم عن الشد والحد من تفاقمه في بداية الأمر، شريطة الكف عن الممارسات التي تولد ذلك الإجهاد على الشعر. أما إذا استدام هذا الشد لأزمان ممتدة فقد يفضي إلى نشوء التهاب مزمن وتلف لا يُرجى شفاؤه في بصيلات الشعر، مما يحوّل الحالة إلى نمط من الثعلبة الندبية الدائمة التي لا سبيل إلى عكسها. وعليه، فإن المبادرة بالتدخل العلاجي في وقت مبكر مقروناً بتعديل جذري لعادات تصفيف الشعر، يمثلان إجراءً ذا أهمية قصوى لتوقي الفقدان النهائي للشعر.
6. هوس نتف الشعر (Trichotillomania)
يُصنَّف هوس نتف الشعر ضمن الاضطرابات السلوكية والنفسية ويتسم باندفاع قهري جامح نحو نزع الشعر، سواء من فروة الرأس أو الحاجبين أو الأهداب، أو أي منطقة أخرى من مناطق الجسد، مما يُسفر عن ظهور مناطق صلعاء متفرقة وغير منتظمة الشكل، وفقدان بيّن للشعر. وغالباً ما يقترن هذا الاضطراب بحالات من الضغط النفسي، أو القلق، أو حتى الشعور بالضجر، وقد يجد المصاب به ضرباً من الارتياح أو الإشباع العابر عقب إقدامه على نتف الشعر.
ويتمايز هوس نتف الشعر عن سائر أنماط تساقط الشعر الأخرى في كون المسبب الجوهري له ليس آفة عضوية تصيب البصيلة ذاتها، وإنما هو دافع سلوكي قهري. ويُستدل على هذا النمط من التساقط عادةً بوجود شعيرات متقصفة ذات أطوال متفاوتة في المواضع المتأثرة. ويستلزم التعامل العلاجي مع هذه الحالة تبني مقاربة علاجية متكاملة تشمل تخصصات عدة، تتضمن العلاج السلوكي المعرفي، وتقديم المساندة النفسية اللازمة، فضلاً عن معالجة أي أضرار جلدية قد تنجم عن هذا السلوك.
تساقط الشعر الندبي (Scarring/Cicatricial Alopecia)
يشكّل تساقط الشعر الندبي طيفاً من الاعتلالات غير الشائعة، والتي تُفضي إلى تلف دائم يستهدف بصيلات الشعر، حيث تحلّ الأنسجة الندبية محلها. ويترتب على ذلك استحالة معاودة نمو الشعر في المناطق المصابة. ويكتسب التشخيص الفوري والمبادرة العلاجية العاجلة في سياق الثعلبة الندبية أهمية قصوى، سعياً لكبح جماح النشاط الالتهابي والحفاظ على ما أمكن من البصيلات التي لم يطلها التلف.
ويمكن تصنيف الثعلبة الندبية إلى ضربين رئيسيين: أنواع أولية يكون فيها الهجوم الالتهابي مُسلطاً مباشرة على بصيلات الشعر ذاتها، وأنواع ثانوية تتلف فيها البصيلات كعاقبة أو تبعة لحالات مرضية أو إصابات أخرى، كالحروق البالغة، أو حالات العدوى الحادة، أو الكدمات والإصابات الرضية. وسينصب تركيزنا في هذا المقام على استعراض أبرز الأنواع الأولية وأكثرها مشاهدة.
1. الحزاز المسطح الشعري (Lichen Planopilaris - LPP)
يُعرّف الحزاز المسطح الشعري بأنه اعتلال التهابي مزمن يستهدف بصيلات الشعر، ويُعد مظهراً من مظاهر الحزاز المسطح العام الذي قد يشمل الجلد والأغشية المخاطية أيضا. ويُسفر هذا الالتهاب عن تخريب متدرج ودائم لبنية البصيلات، الأمر الذي يؤدي إلى ظهور مناطق صلعاء ناعمة الملمس وبراقة المنظر على سطح فروة الرأس، وكثيراً ما تترافق هذه الحالة مع أعراض كالحكة، أو الإحساس بالألم، أو الشعور بالحرقة.
وقد تُلاحظ على مشارف المناطق المصابة بالصلع دلائل التهابية، كاحمرار وتقشر يحيطان بفتحات البصيلات الشعرية التي لا تزال قائمة. وبإمكان الحزاز المسطح الشعري أن يطال أي جزء من فروة الرأس، كما قد يمتد تأثيره ليشمل شعر الحاجبين أو مناطق أخرى متفرقة من الجسم. ويتطلب تأكيد التشخيص على نحو دقيق في معظم الحالات إجراء خزعة جلدية من فروة الرأس، بينما ترتكز الأهداف العلاجية على احتواء العملية الالتهابية وتأخير تقدم الحالة.
2. الثعلبة الليفية الأمامية (Frontal Fibrosing Alopecia - FFA)
تُصنف الثعلبة الليفية الأمامية ضمن الثعلبات الندبية ذات الارتشاح الليمفاوي، وكثيرًا ما ينظر إليها كهيئة خاصة من الحزاز المسطح الشعري. وتتسم هذه الحالة بنمط متفرد من التساقط الندبي للشعر يتركز تأثيره بصورة أساسية على خط الشعر في المنطقة الأمامية والصدغية من الجبهة، مما يسفر عن انحسار متدرج لهذا الخط على نحو يوحي باتساع ظاهر في مساحة الجبهة.
وتعد إصابة النساء بالثعلبة الليفية الأمامية أكثر شيوعا وبخاصة في مرحلة ما بعد انقطاع الطمث، وإن كان ظهورها محتملاً أيضًا لدى النساء في مراحل عمرية أبكر، وكذلك لدى الرجال. ومن العلامات المألوفة المصاحبة لهذه الحالة تساقط شعر الحاجبين، وهي ظاهرة قد تتقدم على بدء انحسار خط الشعر في فروة الرأس. وقد تترافق الحالة مع شعور بالحكة أو الألم في المواضع المصابة. وترمي التدابير العلاجية إلى وقف انتشار المرض نظرًا لكون الشعر المتساقط في هذه الحالة لا يعاود النمو.
3. الثعلبة الندبية المركزية النابذة (Central Centrifugal Cicatricial Alopecia - CCCA)
تُمثل الثعلبة الندبية المركزية النابذة نمطًا من أنماط التساقط الندبي للشعر يستهل ظهوره عادةً في منطقة تاج الرأس (القمة)، ثم يأخذ في الاتساع التدريجي نحو الخارج بصورة دائرية أو متباعدة عن المركز. ويُلاحظ أن هذه الحالة تصيب بصورة تفضيلية النساء ذوات الأصول الأفريقية، وكثيراً ما يُسجل وجود تاريخ مرضي عائلي، الأمر الذي ينم عن قابلية وراثية للإصابة.
ومن الأعراض التي قد تصاحبها الشعور بالحكة، أو الألم، أو الإحساس بنخزات في فروة الرأس. ومع تطور الحالة تغدو المناطق المتأثرة ملساء المظهر وبراقة السطح نتيجةً لتشكل التليفات واندثار المسامات البصيلية. ويبقى التشخيص المتقدم والتدخل العلاجي الفوري عاملين حاسمين في محاولة تقييد اتساع رقعة التساقط الشعري الدائم.
أنواع ندبية أخرى هامة
علاوة على الأنماط التي سلف ذكرها توجد صور أخرى من الثعلبة الندبية جديرة بالاهتمام، منها الذئبة الحمامية القرصية (Discoid Lupus Erythematosus - DLE)، وهي من أمراض المناعة الذاتية التي قد تستهدف فروة الرأس مؤديةً إلى ظهور لويحات متقشرة ذات لون أحمر قرمزي (حمامية)، تنتهي بتشكل ندبات وفقدان شعري دائم.
ويُضاف إليها التهاب الجريبات المتقرن النازع للشعر (Folliculitis Decalvans)، وهو اعتلال التهابي غير شائع يتسم بظهور بثور قيحية تحيط بالبصيلات الشعرية وتكوّن ما يُعرف بـ خصل الشعر المتكتلة (Tufted Hairs)، ويؤول أمره في نهاية المطاف إلى تندب وفقدان شعري.
تستلزم جميع هذه الاعتلالات فحصاً وتقييماً متعمقاً يُجريه طبيب متخصص في الأمراض الجلدية، وكثيراً ما تستدعي الحاجة أخذ خزعة من جلدة الرأس لتوكيد التشخيص ورسم معالم الخطة العلاجية الأنسب، والتي تتوخى في المقام الأول إخماد النشاط الالتهابي والحيلولة دون تفاقم تضرر البصيلات الشعرية.
إن القدرة على التفريق بين هذه الأنماط المتنوعة لتساقط الشعر - سواء كانت ندبية أو لا ندبية - هي حجر الزاوية نحو الإدراك السليم لطبيعة المشكلة، ومن ثم ارتياد سبل العلاج الملائمة. إذ أن لكل ضرب منها مسبباته المميزة وآلياته المرضية التي ينفرد بها، وهو ما يفرض بالتبعية اختلافاً في المقاربات العلاجية وأساليب التدبير الطبي.
الأسباب الشائعة لتساقط الشعر
تكمن وراء ظاهرة تساقط الشعر طائفة متنوعة من العوامل، والتي كثيرًا ما تتسم بالتداخل والتشابك في تأثيراتها. فليس من الممكن عزو كل حالة من حالات تساقط الشعر إلى مسبب منفرد، بل إن الإحاطة بطبيعة التفاعلات القائمة بين هذه العوامل المتعددة هي ما يمهد السبيل نحو تشخيص دقيق، ومن ثم وضع استراتيجية علاجية ناجعة.
وتشمل هذه المسببات طيفًا واسعًا يبدأ من الاستعدادات الوراثية التي لا سلطان للمرء عليها، ويمتد ليشمل التقلبات الهرمونية، سواء أكانت في سياقها الطبيعي أم نتيجة اعتلالات مرضية، ولا يتوقف عند هذا الحد بل يمر عبر مختلف الحالات الصحية وتأثيرات المستحضرات الدوائية ليطال في نهاية المطاف أنماط العيش والممارسات اليومية.
وفي السياق التالي من هذا المقال سنقوم بتسليط الضوء على أبرز العوامل الشائعة التي تسهم في تفاقم مشكلة تساقط الشعر، مع بيان الكيفية التي يؤثر بها كل عامل من هذه العوامل على سلامة بصيلات الشعر وعلى انتظام دورة نموها الفطرية.
العوامل الوراثية ودورها المحوري
تحتل العوامل الوراثية موقع الصدارة في تحديد مدى استعداد الشخص للإصابة بضروب معينة من تساقط الشعر، ويأتي في مقدمتها الصلع الوراثي (Androgenetic Alopecia). فوجود تاريخ مرضي للصلع ضمن نطاق الأسرة سواء أكان ذلك موروثًا عن جهة الأب أم الأم يرفع بصورة جلية من احتمالية مواجهة الأجيال اللاحقة لهذه المشكلة. ولا يعود الأمر إلى تأثير جين مفرد، بل إلى منظومة جينية معقدة تتضافر فيما بينها لتجعل بصيلات الشعر أشد تأثرًا بالهرمونات الذكرية (الأندروجينات)، الأمر الذي يفضي إلى ضمورها المتدرج وإنتاجها لشعر يفتقر إلى القوة والمتانة.
بل إن هذا الاستعداد الوراثي يمتد ليشمل - كما هو معتقد - بعضَ أنواع الثعلبة الأخرى كالثعلبة البقعية (Alopecia Areata)، حيث يُفترض أنه يجعل بعض الأفراد أشد عرضة للإصابة بها عند التعرض لعوامل تحفيزية معينة. وإن إدراك هذا الأساس الجيني ليسهم في تقدير درجة المخاطر وتوجيه الإرشاد المناسب للمرضى، وذلك على الرغم من استحالة تغيير المورثات الجينية للفرد.
التغيرات الهرمونية وتأثيرها المباشر
تمثل الهرمونات إحدى الركائز الأساسية المنظمة للفعاليات الحيوية في الجسم، والتي تشمل بطبيعة الحال دورة نمو الشعر. وأي اضطراب أو تبدل جوهري يطرأ على مستوياتها قد يفضي إلى تساقط الشعر، سواء كان ذلك التساقط ذا طبيعة عارضة أم ذات صفة مستديمة. وتلقي هذه التقلبات الهرمونية بظلالها مباشرة على بصيلات الشعر، وهو ما قد يسفر عن تقصير في أمد طور النمو، أو قد يدفع بأعداد كبيرة من الشعيرات إلى الدخول المبكر في طور الراحة ومن ثم التساقط.
ومن الأمثلة البارزة على التغيرات الهرمونية التي قد تكون سبباً في تساقط الشعر نذكر ما يأتي:
- التقلبات الهرمونية المصاحبة لمرحلتي الحمل والولادة.
- مرحلة انقطاع الطمث (سن اليأس) وما يتبعها من انخفاض في مستويات هرمون الإستروجين لدى السيدات.
- الاضطرابات الوظيفية للغدة الدرقية، سواء تمثلت في فرط إفرازها أو قصور نشاطها.
- ارتفاع مستويات الهرمونات الأندروجينية، كما هو الحال في متلازمة المبيض المتعدد الكيسات.
وتستلزم مثل هذه الحالات في أغلب الأحيان معالجة الخلل الهرموني الجذري بهدف استعادة التوازن الفسيولوجي، ومن ثم العمل على تحفيز دورة نمو الشعر من جديد، أو اللجوء إلى علاجات متخصصة تهدف إلى تعديل وطأة تأثير الهرمونات على بصيلات الشعر.
الحالات الطبية الكامنة وعلاقتها بتساقط الشعر
قد يظهر تساقط الشعر كأحد الأعراض المرافقة لطيف واسع من الاعتلالات الصحية المتنوعة، سواء تلك التي تلقي بتأثيرها على الجسم بصورة شاملة، أو تلك التي تركز أثرها على فروة الرأس وبصيلات الشعر على وجه التحديد. وفي بعض الحالات قد يكون تساقط الشعر هو المؤشر الأولي الذي يستدعي الانتباه الطبي، ويفضي إلى الكشف عن وجود علة صحية دفينة.
ومن بين الاعتلالات الصحية التي يشيع ارتباطها بظاهرة تساقط الشعر، نورد الأمثلة التالية:
- الثعلبة البقعية (Alopecia Areata)، وهي حالة مرضية ذات منشأ مناعي ذاتي توجه فيها مناعة الجسم هجومها نحو بصيلات الشعر.
- الإصابة بعدوى تطال فروة الرأس، ومن أشهرها مرض السعفة (القوباء الحلقية)، وهي عدوى ذات طبيعة فطرية.
- أمراض الجهاز المناعي الذاتية ذات التأثير الشامل، كالذئبة الحمامية الجهازية أو داء السكري.
- حالات فقر الدم المترتبة على عوز الحديد، والتي تنعكس سلباً على إمداد بصيلات الشعر بالمغذيات الضرورية.
ويعتمد نجاح التعامل مع تساقط الشعر في مثل هذه الظروف اعتمادًا كبيراً على دقة تشخيص العلة الصحية الأولية وعلى فعالية استراتيجيات علاجها. فبمجرد إحكام السيطرة على المرض الأساس، غالباً ما يطرأ تحسن ملموس على نمو الشعر، أو قد يستعيد عافيته بالكامل.
الأدوية والمكملات الغذائية كعامل مساهم
قد يندرج تساقط الشعر ضمن الآثار الجانبية المصاحبة لاستعمال بعض العقاقير الطبية الموصوفة لعلاج طيف من الحالات الصحية. فهذه الأدوية قد تتداخل مع المسار الطبيعي لدورة نمو الشعر، إما عبر كبح عملية انقسام خلايا البصيلة خلال طور النمو الفعال (وهو ما يشاهد مثلاً مع العلاجات الكيميائية)، أو من خلال دفع أعداد كبيرة من الشعيرات بشكل متسارع نحو طور الراحة ومن ثم السقوط (كما قد يحدث مع بعض أدوية التحكم في ضغط الدم المرتفع أو مضادات الاكتئاب).
لذلك تكتسب مراجعة السجل الدوائي للمريض أهمية بالغة عند محاولة استقصاء أسباب تساقط الشعر. وفي العديد من السيناريوهات يكون هذا النوع من التساقط ذا طبيعة مؤقتة ويمكن تداركه فور إيقاف العقار المسبب للمشكلة أو استبداله بخيار علاجي آخر، وذلك حصراً تحت التوجيه والإشراف الطبي. ويجدر التنويه إلى أن بعض المكملات الغذائية ذاتها عند تناولها بجرعات تتجاوز الحد الموصى به (كالإفراط في فيتامين أ على سبيل المثال) قد تسهم بدورها في تحفيز تساقط الشعر.
الإجهاد والتوتر وتأثيرهما على صحة الشعر
يُصنف الإجهاد - سواء أكان جسدياً مرهقاً أم نفسياً عميقاً - ضمن العوامل ذات التأثير المثبت في التسبب بتساقط الشعر، والذي غالباً ما يتخذ مسار ما يُعرف بتساقط الشعر الكربي (Telogen Effluvium). فعندما يقع الجسم تحت وطأة ضغط شديد، سواء نجم ذلك عن مرض عضال، أو تدخل جراحي، أو وقع صدمة عاطفية، أو حتى تحولات جذرية في مسار الحياة، فإن هذا كله كفيل بأن يحدث اضطراباً في الدورة الطبيعية لنمو الشعر.
إذ يدفع الإجهاد نسبة كبيرة من بصيلات الشعر إلى هجران طور النمو النشط والانتقال بصورة مفاجئة ومبكرة إلى طور السكون. وعقب انقضاء مدة زمنية تقدر بشهرين إلى أربعة أشهر تالية للحدث المسبب للإجهاد تبدأ هذه الشعيرات بالتهاوي بصورة لافتة للنظر وعلى نطاق واسع. إلا أن هذا النمط من تساقط الشعر غالباً ما يكون مؤقتاً بطبيعته، حيث يستأنف الشعر نموه المعتاد بمجرد تلاشي العامل المجهد أو تكيف الجسم مع تداعياته.
نقص التغذية وأهمية النظام الغذائي المتوازن
يرتكز نمو الشعر السليم على توافر تشكيلة متكاملة من المغذيات الأساسية. وأي عوز في هذه المكونات الحيوية سواء كان حادًا أم ممتد الأمد من شأنه أن يلقي بظلال سلبية على سلامة بصيلات الشعر، ويفضي إما إلى تساقطه أو إلى وهناً في وتيرة نموه. وتُعتبر الأنماط الغذائية المختلة أو أنظمة الحمية الصارمة من بين المسببات المتكررة لتساقط الشعر الناجم عن سوء التغذية.
ومن أبرز العناصر الغذائية التي يقترن عوزها بتساقط الشعر:
- معدن الحديد،
- ومركبات البروتين،
- وعنصر الزنك،
- وفيتامين البيوتين،
- بالإضافة إلى طائفة من فيتامينات المجموعة (ب).
فقر الدم المترتب على نقص الحديد - على سبيل المثال لا الحصر - يُعتبر من الأسباب الذائعة لترقق بنية الشعر وتساقطه. وبالمثل، يشكل البروتين اللبنة الأساسية في تكوين الشعر، ويؤدي النقص فيه إلى ضعف الشعرة وسهولة تقصفها. وغالباً ما تستدعي الحاجة إجراء فحوصات دموية لتحديد أي نقص في المغذيات، ومن ثم تصحيح هذا الخلل عبر تعديل المائدة الغذائية أو اللجوء إلى المكملات، شريطة أن يكون ذلك تحت إشراف ومتابعة طبية.
تسريحات الشعر والعلاجات القاسية وتأثيرها الضار
إن بعض العادات المتبعة في تصفيف الشعر والعناية به قد تُلحق أذىً بالغًا ببصيلات الشعر وتفضي إلى تساقطه. وتُصطلح على تسمية هذه الحالة بثعلبة الشد (Traction Alopecia) حينما يكون مبعثها الإجهاد الميكانيكي المتواصل الناجم عن الشد، أو يشار إليها بالتلف الكيميائي والحراري عندما تعزى إلى وطأة المعالجات التجميلية القاسية.
فالتسريحات التي تبالغ في شد الشعر، كربطة ذيل الحصان المحكمة، أو تسريحة الكعكة الموثوقة، أو الجدائل المبرومة بإحكام، فضلاً عن استعمال وصلات الشعر ذات الوزن الثقيل، كل ذلك من شأنه أن يفرض إجهادًا يفوق التحمل على جذور الشعر، مؤديًا إلى التهاب يستهدف البصيلات، ومن ثم تساقط تدريجي للشعر، وبخاصة عند حدود الجبهة وجانبي الرأس.
وبالمثل فإن الاستخدام المفرط لأدوات التصفيف الحرارية (كمكواة التمليس أو التجعيد) والتعريض المتكرر للمواد الكيميائية ذات التأثير الحاد (كأصباغ الشعر، أو مستحضرات التجعيد المستديم، أو كريمات إزالة تجعد الشعر) كفيل بإضعاف بنية الشعرة وإلحاق الضرر بالبصيلات، وهو ما ينتهي إلى تكسر الشعر وتناثره.
ولا شك أن التبصر بمخاطر هذه الممارسات المؤذية والعمل على تجنبها أو الحد منها قدر المستطاع يمثل ركيزة وقائية أساسية لصون سلامة الشعر والحيلولة دون تساقطه.
تشخيص تساقط الشعر
يشكل التشخيص المتقن حجر الزاوية والركيزة الأولى في مسيرة التعامل مع تحديات تساقط الشعر. فبدون تحديد دقيق للسبب الجذري للمشكلة وتوصيف نوع الثعلبة التي يعاني منها الشخص قد تغدو المساعي العلاجية ضرباً من العبث، أو ربما تحمل في طياتها ما يضر أكثر مما ينفع.
ويعتمد التشخيص السليم على منهجية متكاملة تبدأ بالإصغاء الواعي لتاريخ الحالة المرضية، يليه فحص متأنٍ لفروة الرأس وخصال الشعر، وقد تقتضي الضرورة اللجوء إلى بعض الاختبارات المخبرية أو التصويرية لتوكيد التشخيص أو لنفي أسباب أخرى محتملة.
وسنخصص هذا القسم لاستعراض العلامات والمؤشرات التي تستوجب استشارة الطبيب المختص، وبيان كيفية إجراء الفحص السريري وأخذ السيرة المرضية، مع إلقاء الضوء على أبرز الاختبارات التشخيصية التي يمكن الاستعانة بها.
متى يجب عليك زيارة الطبيب؟
لا يُعد كل تساقط للشعر مدعاة للقلق أو سبباً موجباً لزيارة الطبيب، إذ من المألوف أن يفقد المرء ما يتراوح بين خمسين ومئة شعرة يومياً كجزء طبيعي من دورة حياة الشعر المتجددة. غير أن ثمة علامات معينة - إن هي ظهرت - يُنصح عندها بالتوجه دون إبطاء لاستشارة طبيب عام أو طبيب متخصص في الأمراض الجلدية وأمراض الشعر. فالكشف المبكر عن المشكلة من شأنه أن يُحدث فارقاً جوهرياً في مدى استجابة الحالة للعلاج وفي النتائج المرجوة.
من بين هذه العلامات التحذيرية: حدوث تساقط مفاجئ للشعر أو تساقطه بغزارة غير معهودة، أو ظهور رقع خالية من الشعر بشكل واضح في فروة الرأس أو في مناطق أخرى من الجسم. وكذلك إذا ترافق تساقط الشعر مع أعراض موضعية أخرى في فروة الرأس كالحكة المستمرة، أو الشعور بالألم، أو احمرار الجلد، أو ظهور القشور، أو تكون البثور. فضلاً عن ذلك إذا كان تساقط الشعر يسبب لك كرباً نفسياً بالغاً ويؤثر سلباً على جودة حياتك اليومية فإن طلب المشورة الطبية يصبح أمراً ضرورياً.
الفحص السريري وأخذ التاريخ المرضي الشامل
عند التوجه إلى الطبيب سيبدأ مسار التقييم بأخذ سيرة مرضية وافية وإجراء فحص سريري متعمق. وتهدف السيرة المرضية إلى استجماع معلومات دقيقة حول طبيعة تساقط الشعر (وقت بدئه، كيفية تطوره، هل هو منتشر في كامل الرأس أم يتركز في مواضع محددة)، وأية أعراض أخرى متزامنة، فضلاً عن تاريخك الصحي العام والأدوية أو المستحضرات الغذائية التي تستخدمها، ونمط تغذيتك، ومستوى الضغوط النفسية التي تمر بها، بالإضافة إلى أي تاريخ عائلي مرتبط بأمراض الشعر.
أما الفحص السريري فيتضمن معاينة فروة الرأس بدقة لتقدير كثافة الشعر ونمط توزيعه، والتحري عن أية دلائل تشير إلى التهاب، أو تندب، أو تقشر، أو أي تغيرات في طبيعة الجلد. كما يشمل الفحص تفحص الشعيرات ذاتها لتقييم سماكتها ومتانتها. وغالباً ما تزود هذه الخطوات الأولية الطبيب بمؤشرات هامة ترشده نحو تحديد نوع تساقط الشعر وسببه المرجح.
الاختبارات التشخيصية المساعدة
قد يرتئي الطبيب في بعض الأحوال ضرورة إجراء بعض الاختبارات الإضافية لقطع الشك باليقين في التشخيص، أو لاستبعاد أسباب معينة قد تكون وراء تساقط الشعر. وتتوقف الحاجة إلى هذه الاختبارات على النتائج الأولية التي يخلص إليها الطبيب من خلال السيرة المرضية والفحص السريري.
ومن بين الاختبارات التشخيصية المألوفة المستخدمة في تقييم حالات تساقط الشعر:
- اختبار شد الشعر (Pull Test).
- التحاليل الدموية (لتقصي مستويات الحديد، وظائف الغدة الدرقية، وبعض الفيتامينات الأساسية).
- تنظير الشعر (Trichoscopy/Dermoscopy).
- خزعة فروة الرأس (Scalp Biopsy).
اختبار شد الشعر هو إجراء مبسط يُستخدم لتقدير مدى نشاط عملية تساقط الشعر. أما التحاليل الدموية فتسهم في الكشف عن أية اختلالات صحية قد تكون كامنة كنقص الحديد (فقر الدم) أو اضطرابات وظائف الغدة الدرقية. ويمثل تنظير الشعر فحصاً غير باضع (غير جراحي) يُستخدم فيه جهاز تكبير خاص لمعاينة فروة الرأس وبصيلات الشعر بصورة مفصلة ودقيقة.
وفي الحالات التي يشوبها التعقيد أو عند الاشتباه بوجود ثعلبة ندبية قد يستدعي الأمر أخذ خزعة من فروة الرأس وهي عينة ضئيلة من جلد فروة الرأس تُفحص مجهرياً للوصول إلى تشخيص قاطع.
إن تضافر هذه الوسائل التشخيصية المتنوعة يمكّن الطبيب من تكوين رؤية شاملة ومتكاملة لحالة المريض ومن ثم وضع استراتيجية علاجية صائبة وموجهة بدقة.
علاج تساقط الشعر
عقب الوقوف بدقة على مسببات تساقط الشعر وتحديد نمطه يشرع الطبيب في رسم معالم خطة علاجية تتلاءم مع الحالة. وتتباين الخيارات المتاحة لمعالجة هذه المشكلة تبايناً واسعاً، ويتوقف اختيار الأنسب منها على أسس جوهرية أبرزها دقة التشخيص المعمق ودرجة تفاقم الحالة وما يبديه المريض من تفضيلات، فضلاً عن مدى تجاوبه مع المقاربات العلاجية المتنوعة.
ويجدر التشديد هنا على حقيقة مفادها أنه لا يوجد علاج وحيد يصلح لجميع الحالات دون استثناء كما أن بعض التدابير العلاجية قد تستلزم صبراً وأمداً ليس بالقصير حتى تؤتي ثمارها المرجوة، وقد تقتضي الضرورة المواظبة على العلاج صوناً لتلك النتائج واستدامتها.
وسنخصص هذا الجزء لاستعراض طائفة من أبرز البدائل العلاجية المتوفرة، منطلِقين من المستحضرات الدوائية ذات التأثير الموضعي أو الشامل عروجاً على التدخلات الجراحية، وانتهاءً ببعض النهج العلاجية الأخرى التي تبشر بالخير أو تسهم بدور مساند.
العلاجات الدوائية الموضعية والجهازية
تمثل المستحضرات الدوائية بمثابة الخيار الأوليّ أو ما يُعرف بخط الدفاع الأول في سياق معالجة طيف واسع من أنماط تساقط الشعر، ولاسيما تلك الناجمة عن الصلع الوراثي أو داء الثعلبة أو بعض الحالات الالتهابية. وتعمل هذه الأدوية وفق آليات متعددة؛ فمنها ما يسعى إلى تنشيط نمو الشعر وتحفيزه ومنها ما يعمل على الحد من وطأة التأثيرات الهرمونية السلبية على بصيلات الشعر في حين يستهدف بعضها الآخر كبح جماح الاستجابة المناعية أو ردود الفعل الالتهابية.
وتتاح هذه العقاقير في هيئات صيدلانية متنوعة، فمنها ما هو مُعد للاستعمال الموضعي يُطبق مباشرةً على سطح فروة الرأس، ومنها ما يُعطى جهازياً عن طريق الفم. ويستند انتقاء الدواء الأنسب وصيغته الصيدلانية إلى نمط التساقط ودرجة حدته فضلاً عن تقييم الوضع الصحي العام للشخص المعني.
ومن أبرز هذه الأدوية نذكر:
1. المينوكسيديل (Minoxidil)
يُعتبر المينوكسيديل (Minoxidil) علاجاً موضعياً شائع الاستخدام وذا انتشار واسع في معالجة حالات الصلع الوراثي التي تصيب كلا الجنسين، ويمكن كذلك الاستعانة به كعامل مساعد في علاج بعض صور داء الثعلبة. ويتوافر هذا الدواء عادةً في صورة مستحضر سائل أو رغوي بتراكيز متفاوتة (2% أو 5%)، ويتم تطبيقه مباشرة على فروة الرأس بمعدل مرة أو مرتين في اليوم.
ورغم أن الكيفية التي يعمل بها المينوكسيديل لم تُعلم أسرارها بالكامل بعد إلا أنه يُرجح أن تأثيره يكمن في توسيع الأوعية الدموية بفروة الرأس، الأمر الذي يعزز من انسياب الدم وتغذية بصيلات الشعر، كما يُظن أنه يسهم في إطالة أمد طور النمو (Anagen) ضمن دورة حياة الشعرة.
ويتطلب العلاج بالمينوكسيديل مواظبة على الاستخدام لعدة أشهر قبل أن تبدأ نتائجه بالتبلور مع ضرورة الاستمرار عليه حفاظاً على ما تحقق من نمو شعري، إذ إن الانقطاع عنه عادةً ما يفضي إلى تجدد التساقط.
2. الفيناسترايد (Finasteride)
أما الفيناسترايد (Finasteride) فهو عقار يُتناول عبر الفم، وقد حاز على الاعتماد بصفة رئيسية لمعالجة الصلع الوراثي لدى الذكور حصراً. وتتمثل آلية عمله في كبح نشاط إنزيم 5-ألفا ريدوكتيز، وهو الإنزيم الذي يضطلع بدور محوري في تحويل هرمون التستوستيرون إلى صيغته الفعالة، أي الديهدروتستوستيرون (DHT)، والذي يُعتبر المحرك الأساسي لعملية ضمور بصيلات الشعر المشاهدة في حالات الصلع الوراثي.
يسهم الفيناسترايد في إبطاء وتيرة تساقط الشعر، بل وقد يشجع على ظهور نمو شعري جديد لدى شريحة واسعة من الرجال. وشأنه شأن المينوكسيديل تقتضي المحافظة على مكتسبات العلاج الاستمرار في تعاطي الفيناسترايد.
ومن الأهمية بمكان التنويه بشدة إلى أن هذا الدواء محظور استخدامه قطعاً على النساء، وبصفة أخص الحوامل أو من لديهن نية للحمل وذلك تفادياً لأية مخاطر محتملة قد تلحق بتطور الجنين الذكر.
3. الكورتيكوستيرويدات (Corticosteroids)
تُصنف الكورتيكوستيرويدات (Corticosteroids) ضمن الأدوية ذات الفعالية العالية كمضادات للالتهاب ومُعدِّلات للاستجابة المناعية، ويُلجأ إليها في معالجة أنماط تساقط الشعر الناشئة عن اختلالات في الجهاز المناعي الذاتي أو تلك ذات الطبيعة الالتهابية ومن أبرزها داء الثعلبة وبعض ضروب الثعلبة الندبية كالحزاز المسطح الذي يصيب الشعر. وتكمن آلية تأثير هذه الأدوية في قدرتها على تخفيف شدة الالتهاب وكبح الهجمات المناعية الموجهة ضد بصيلات الشعر.
وتتاح الكورتيكوستيرويدات في صور صيدلانية متنوعة تشمل المستحضرات الموضعية (كالكريمات والمراهم والمحاليل التي تُدهن بها المناطق المتأثرة)، أو عبر الحقن المباشر داخل بؤر الإصابة في فروة الرأس، أو عن طريق التناول الفموي في الأحوال التي تتسم بشدة أكبر أو انتشار أوسع. ويتوقف انتقاء الهيئة العلاجية الملائمة على درجة حدة الحالة وموضع تأثرها. ومن الجدير بالذكر أن هذه المقاربات العلاجية قد تتطلب أمداً زمنياً ممتداً قبل أن تتجلى فعاليتها، كما أنها قد لا تخلو من بعض التبعات الجانبية التي تستوجب التباحث بشأنها مع الطبيب المعالج.
4. مضادات الفطريات (Antifungals)
يُستعان بمضادات الفطريات (Antifungals) في معالجة حالات تساقط الشعر التي تعزى إلى الإصابات الفطرية التي تطال فروة الرأس، ومن أشهر هذه الحالات ما يُعرف بسعفة الرأس (Tinea Capitis). وبالنظر إلى قدرة الفطريات على التوغل عميقاً في جذع الشعرة وبصيلتها فإن المستحضرات الموضعية بمفردها غالباً ما تكون غير كافية لتحقيق الشفاء التام. وعليه، فإن علاج سعفة الرأس يستلزم في العادة اللجوء إلى عقاقير مضادة للفطريات تُعطى عن طريق الفم لفترة تمتد لعدة أسابيع.
ومن بين الأدوية شائعة الاستخدام في هذا الصدد يبرز الغريزيوفولفين (Griseofulvin) والتيربينافين (Terbinafine). وقد يوصي الطبيب المعالج أيضاً باستعمال شامبو طبي ذي خصائص مضادة للفطريات كإجراء علاجي مُعين، بهدف الحد من تكاثر الأبواغ الفطرية والحيلولة دون انتقال العدوى إلى أشخاص آخرين، مع التأكيد على أن هذا الإجراء لا يغني بأي حال عن ضرورة العلاج الجهازي عبر الفم.
5. العلاج المناعي (Immunotherapy)
يجد العلاج المناعي (Immunotherapy) تطبيقاً خاصاً في مواجهة حالات داء الثعلبة الشديدة أو تلك ذات الانتشار الواسع التي أبدت مقاومة أو عدم استجابة للمقاربات العلاجية الأخرى. ويصبو هذا النمط العلاجي إلى إحداث تعديل في مسار الاستجابة المناعية الذاتية الموجهة ضد بصيلات الشعر، أو يمكن القول إنه يعمل على "تحويل انتباهها".
ومن أبرز صور العلاج المناعي المتبعة يبرز العلاج المناعي الموضعي بالتحسيس التماسي، وفيه يُعمد إلى تطبيق مادة كيميائية ذات قدرة على إثارة الحساسية (مثل ديفينسيبرون DPCP) على فروة الرأس، بهدف إحداث رد فعل التهابي جلدي تحسسي معتدل الشدة، وهو ما يُعتقد بأنه يسهم في صرف تركيز الجهاز المناعي عن مهاجمة بصيلات الشعر. وهناك أيضاً مثبطات جانوس كيناز (JAK inhibitors) وهي فئة دوائية أحدث تُعطى عن طريق الفم وتعمل على تسكين حدة المسارات المناعية التي تتسم بفرط النشاط، وقد أسفرت عن نتائج مبشرة فيما يتعلق بإعادة إنبات الشعر لدى المصابين بالحالات الوخيمة من داء الثعلبة.
الإجراءات الجراحية كحلول متقدمة
في بعض حالات فقدان الشعر ذات الطابع الدائم ولاسيما عند استفحال الصلع الوراثي أو استقرار بعض أنماط الثعلبة الندبية يمكن أن تطرح الحلول الجراحية كخيارات متقدمة تهدف إلى استعادة المظهر الطبيعي للشعر. وتستلزم هذه التدخلات إجراء تقييم شامل ودقيق من قِبل جراح متمرس لتحديد مدى أهلية المريض للخضوع للجراحة، ولبناء تصور واقعي للنتائج المأمولة.
لقد شهدت الأساليب الجراحية تطوراً ملحوظاً في الحقبة الأخيرة مما مكنها من تحقيق نتائج تتسم بقدر أكبر من الطبيعية والاستدامة. بَيدَ أن هذه العمليات لا تزال تنطوي على تكاليف مادية باهضة وقد تستدعي فترة تعافٍ واستشفاء طويلة لا يُستهان بها، ومن أبرزها:
1. زراعة الشعر (Hair Transplant)
تُعتبر عملية زراعة الشعر (Hair Transplant) التدخل الجراحي الأوسع انتشاراً والأكثر نجاحاً في معالجة حالات الصلع الوراثي. وتقوم فكرتها الجوهرية على اقتطاف بصيلات شعر تتمتع بالسلامة والمناعة ضد عوامل الصلع من منطقة مانحة (يُغلب أن تكون القسم الخلفي أو الجوانب من فروة الرأس) ليُعاد غرسها في المواضع التي استشرى فيها الصلع أو أصابها الترقق (وعادةً ما تكون هذه هي مقدمة الرأس أو منطقة التاج).
وتوجد طريقتان أساسيتان لتنفيذ عمليات زراعة الشعر: الأولى هي زراعة الشعر عبر وحدة البصيلة (FUT) وفيها يتم استئصال شريط جلدي حامل للشعر من المنطقة المعطاءة، ليُجزّأ لاحقًا إلى وحدات بصيلية دقيقة تُعد للغرس.
أما الطريقة الثانية فهي استخلاص وحدة البصيلة (FUE)، وتعتمد على انتقاء واقتطاف الوحدات البصيلية بصورة فردية ومباشرة من المنطقة المانحة. ولكل من هاتين التقنيتين مزاياها وعيوبها ويتوقف المفاضلة بينهما على تقييم حالة المريض وما يرتئيه الجراح المختص. ومن الجدير بالذكر أن الشعر الذي يتم زرعه يتسم عادةً بالديمومة ويواصل نموه بصورة طبيعية.
2. جراحة تصغير فروة الرأس (Scalp Reduction)
تُعد جراحة تصغير فروة الرأس (Scalp Reduction) من التدخلات الجراحية التي تعود إلى حقبة أقدم وقد تضاءل الإقبال عليها في الحقبة الراهنة، وكانت تستهدف تقليص رقعة الجلد الخالية من الشعر في فروة الرأس وبخاصة في منطقة تاج الرأس أو قمته. ويشتمل هذا الإجراء على بتر جزء من المنطقة الصلعاء من فروة الرأس، ومن ثم يُسحب الجلد المجاور الذي يحمل الشعر ليغطي المساحة التي تم استئصالها.
ورغم ما قد يحققه هذا الإجراء من تقليص ملموس لمساحة الصلع إلا أنه لا يخلو من احتمالية ترك ندبة طولية ظاهرة، فضلاً عن إمكانية حدوث تبعات أخرى. ومع بزوغ نجم التقنيات المتطورة في مجال زراعة الشعر والتي أضحت توفر نتائج أقرب إلى الطبيعة وبأساليب أقل تدخلاً جراحياً، شهدت جراحة تصغير فروة الرأس انحساراً كبيراً في شعبيتها.
3. زراعة الشعر الاصطناعي (مخاطر وجدل)
تنطوي عملية زراعة الشعر الاصطناعي على غرس ألياف مُصنّعة (تفتقر إلى الحيوية البيولوجية) ضمن فروة الرأس في محاولة لمحاكاة المظهر الذي يبدو عليه الشعر الطبيعي. ويظل هذا الإجراء محط جدل واسع النطاق ولم يحظَ بقبول يُذكر في الأوساط الطبية نظراً لسجله الحافل بالتعقيدات والمحاذير الصحية.
وتشتمل قائمة المخاطر المترتبة على زراعة الشعر الاصطناعي على احتمالات عدة منها: تكرار حدوث الالتهابات، ورفض الجسم لتلك الألياف الغريبة، وتساقط الألياف بصورة دورية مما يستدعي إعادة زرعها، فضلاً عن نشوء تفاعلات تحسسية حادة، وتشكل ندبات مستديمة (قد تفضي إلى ثعلبة ندبية)، وظهور تكيسات، ناهيك عن المخاوف المتعلقة بإمكانية تسببها في اعتلالات صحية أخرى على المدى البعيد. وبناءً على ذلك يتحتم على الأشخاص الراغبين في مثل هذا الإجراء توخي أقصى درجات الحيطة والبحث عن خيارات علاجية أخرى تتسم بقدر أكبر من الأمان والنجاعة.
علاجات أخرى واعدة ومساعدة
توجد طائفة من المقاربات العلاجية الأخرى - علاوة على المستحضرات الدوائية والتدخلات الجراحية المعهودة - التي حملت بشائر نتائج إيجابية في بعض حالات تساقط الشعر أو التي يمكن توظيفها كعلاجات مُعاضِدة لتدعيم كفاءة العلاجات الرئيسية. ولا يزال بعض هذه الخيارات العلاجية بحاجة إلى مزيد من البحث العلمي المعمق لتوحيد معايير تطبيقها والتثبت من جدواها على الأمد البعيد.
ومن بين هذه الخيارات العلاجية يبرز ما يلي:
- العلاج بالبلازما الغنية بالصفائح الدموية (PRP).
- العلاج بالليزر منخفض الطاقة (LLLT).
- المكملات الغذائية (مع التشديد على ضرورة استعمالها بحذر وتحت إشراف طبي متخصص).
يعتمد أسلوب العلاج بالبلازما الغنية بالصفائح الدموية على حقن فروة الرأس بمستخلص بلازمي من دم الشخص ذاته يكون مُفعماً بتركيزات عالية من الصفائح الدموية وعوامل النمو التي يُرتأى أنها تنشط بصيلات الشعر. أما العلاج بالليزر منخفض الطاقة فيوظف أجهزة تُصدر أشعة ضوئية ذات أطوال موجية محددة بهدف تحفيز ديناميكية البصيلات وتعزيز التروية الدموية لفروة الرأس. وفيما يخص المكملات الغذائية فإن نفعها يقتصر على الحالات التي يثبت فيها وجود عوز حقيقي في عناصر غذائية معينة مع وجوب التحذير من مغبة الإفراط في تعاطيها.
وفي آخر المطاف يبقى التأكيد على أن انتقاء المسار العلاجي الأمثل هو قرار يستدعي تقييماً متكاملاً وشاملاً يُجريه طبيب مختص، آخذاً في الحسبان نمط تساقط الشعر، ومسبباته الجذرية، ودرجة حدته، بالإضافة إلى الوضع الصحي الكلي للمريض وتطلعاته من العلاج.
الوقاية من تساقط الشعر والعناية الذاتية
مع أن بعض أنماط تساقط الشعر وفي مقدمتها الصلع الوراثي قد تستعصي على المنع التام بحكم تكوينها الجيني فإن ثمة تدابير عدة يمكن الأخذ بها للوقاية من أنماط أخرى، أو على أقل تقدير لإبطاء مسيرة ظهورها وصون صحة الشعر وحيويته لأمد أطول. وتقوم هذه التدابير في جوهرها على انتهاج عادات حياتية سليمة وتطبيق أساليب عناية رشيدة بالشعر.
سنسلط الضوء هنا على مجموعة من الإرشادات العملية الكفيلة بالمساهمة في صون صحة الشعر والحد من احتمالات تساقطه انطلاقاً من أصول التعامل الرقيق مع الشعر، مرورا بأهمية التغذية المتوازنة وحسن تدبير الضغوط النفسية، وانتهاءً بأسس العناية اليومية المثلى.
إرشادات لتفادي أنماط تساقط الشعر القابلة للوقاية
إن إدخال بعض التغييرات المدروسة على نهج العناية بالشعر ونمط المعيشة اليومي من شأنه أن يُحدث أثراً إيجابياً ملموساً في تعزيز صحة الشعر وتقليل احتمالية تساقطه، لاسيما تلك الأنماط التي تعزى إلى مؤثرات خارجية أو تنجم عن سلوكيات غير سليمة.
وفيما يلي جملة من التوصيات الجوهرية:
- توخي الرفق في التعامل مع الشعر واجتناب شده بعنف أو تعريضه لسحب قاسٍ.
- التشاور مع الطبيب المعالج بشأن الأدوية والمستحضرات الغذائية التكميلية قيد الاستخدام.
- وقاية الشعر من وطأة التعرض المديد والمكثف لأشعة الشمس الضارة.
- الاقلاع عن التدخين قطعياً، نظراً لتداعياته السلبية المثبتة على سلامة الدورة الدموية وحيوية بصيلات الشعر.
كما يُشدَّد على أهمية الابتعاد عن تسريحات الشعر التي تفرط في شد الخصلات لأزمان ممتدة والحد قدر الإمكان من اللجوء إلى المعالجات الكيميائية ذات التأثير الحاد وتفادي الإفراط في استخدام أدوات التصفيف الحرارية التي قد تعصف بسلامة بنية الشعرة وتهدد بصيلاتها.
النظام الغذائي المتوازن وأثره الجوهري في صحة الشعر
يضطلع النظام الغذائي بمهمة حيوية في الحفاظ على صحة الشعر ورونقه، ذلك أن التغذية المتكاملة هي التي تمد بصيلات الشعر بالركائز البنائية والمكونات الضرورية لإنماء شعر يتمتع بالقوة والصحة. وفي المقابل فإن الافتقار إلى بعض المغذيات الأساسية قد يفضي إلى وهن الشعر، أو سهولة تقصفه، أو حتى إلى معاناته من التساقط.
لذات السبب فإنه يُوصى بانتهاج نظام غذائي متزن تزخر قائمة طعامه بالبروتينات (كمصادرها في اللحوم والأسماك والبيض والبقوليات)، وعنصر الحديد (المتوفر في اللحوم الحمراء والسبانخ والعدس)، ومعدن الزنك (الذي نجده في المأكولات البحرية والمكسرات والبذور)، بالإضافة إلى فيتامينات المجموعة "ب" (وبالأخص البيوتين وحمض الفوليك المتواجدين في الخضراوات الورقية والحبوب الكاملة)، وفيتامين "د"، والمركبات المضادة للأكسدة.
وإذا ما راودك شك بوجود عوز غذائي ما فالأجدر بك اللجوء إلى مشورة الطبيب أو اختصاصي التغذية لإجراء التقييمات والفحوصات الضرورية، ومن ثم تلقي الإرشاد السليم فيما يتعلق بتكييف نظامك الغذائي أو الاستعانة بالمكملات الغذائية عند الاقتضاء.
فن إدارة الضغوط النفسية والحد من وطأتها السلبية
تُعتبر الضغوط النفسية المستمرة أو الأزمات النفسية العنيفة من بين العوامل ذات الإسهام الملحوظ في تفاقم مشكلة تساقط الشعر، وكثيراً ما يتجلى هذا التأثير في صورة ما يُعرف بتساقط الشعر الكَرْبي. فالإجهاد قادر على إحداث خلل في التوازن الهرموني الجسدي ومن شأنه أن يربك المسار الطبيعي لدورة نمو الشعر.
وعليه فإن اكتساب المهارات والأساليب الناجحة في التعامل مع الضغوط النفسية يشكل ركناً أساسياً في منظومة العناية بصحة الشعر وسلامة الجسد بعامة. ومن هذه الأساليب: المواظبة على التمارين البدنية، أو تطبيق تقنيات الاسترخاء الذهني والجسدي كالتأمل واليوجا، أو ممارسة تمارين التنفس العميق، أو إيجاد متسع من الوقت للاستمتاع بالهوايات المحببة، أو الحرص على نيل قسط وافٍ من الراحة والنوم. وفي ظروف معينة قد تستدعي الحاجة التماس العون من اختصاصي نفسي مؤهل، للمساعدة في تجاوز مسببات التوتر الحاد وتبعاته.
أسس العناية اليومية السليمة بالشعر
إن اعتماد نهج يومي للعناية بالشعر يتسم بالرفق والصحة لهو خير معين على صون متانته وحيويته وتقليص احتمالات تعرضه للتلف أو التساقط. ويشمل هذا النهج انتقاء المستحضرات التي تلائم طبيعة الشعر وتفادي السلوكيات التي من شأنها إضعافه أو إلحاق الأذى بفروة الرأس.
ومن الإرشادات الجوهرية في هذا السياق: استعمال أنواع رقيقة من الشامبو والبلسم تتوافق مع طبيعة شعرك، والتحفظ في وتيرة غسله تجنباً لتجريده من طبقة الزيوت الطبيعية التي تحميه. ويُستحسن تسريح الشعر برفق وأناة باستخدام مشط ذي أسنان متباعدة وخصوصاً حين يكون ندياً (مبللاً)، إذ تزداد حينها قابليته للانقصاف.
كذلك يُنصح بالتقليل ما أمكن من الاعتماد على أدوات التصفيف التي تعمل بالحرارة، وإن دعت الحاجة لاستعمالها فلا مناص من تطبيق مستحضر واقٍ من تأثيرها الحراري.
إن الالتزام بهذه التوجيهات - على بساطتها - كفيل بأن يسهم إسهاماً فعالاً في صون صحة شعرك والحفاظ على تألقه ورونقه على امتداد الزمن.
التأثير النفسي لتساقط الشعر واستراتيجيات التأقلم الفعالة
لا تقف تداعيات تساقط الشعر عند حدود المظهر الخارجي بل تتجاوزها لتطال أبعادًا نفسية ووجدانية ذات غور عميق. إذ قد يفضي فقدان الشعر إلى الإحساس بضياع جانب من الهوية الشخصية أو تضاؤل منسوب الثقة بالذات أو خشية نظرات المحيطين وتقييماتهم، بل وقد يستفحل الأمر في بعض الأحيان ليبلغ حد الإصابة بالاكتئاب أو الانكفاء على الذات والانعزال عن المجتمع. ولا شك أن استيعاب هذه الآثار النفسية والتعاطي معها بمنهجية سليمة يمثل ركيزة أساسية في مسيرة التعايش مع واقع تساقط الشعر أو السعي نحو علاجه.
وهنا سنلقي في هذا الجزء الضوء على مختلف الأبعاد النفسية المترتبة على مشكلة تساقط الشعر، مع تقديم جملة من الاستراتيجيات العملية التي من شأنها أن تعين الأفراد على التكيف مع هذه التحديات وصون توازنهم النفسي.
فهم الأثر العاطفي والنفسي لفقدان الشعر
من شأن تساقط الشعر أن يستثير طيفاً واسعاً من الانفعالات والمشاعر ذات الطابع السلبي. فقد يعاني المصاب وطأة الحرج، أو الشعور بالخجل، أو عدم القبول بمظهره الجديد، الأمر الذي يلقي بظلاله على تفاعلاته المجتمعية وصلاته الشخصية. فالشعر لدى شريحة عريضة من الناس يمثل دلالة على الجاذبية وريعان الشباب، ومن ثم فإن غيابه قد يورث إحساساً بتضاؤل الجاذبية أو التقدم في العمر على غير الحقيقة.
وهذه الأحاسيس بدورها قد تدفع المرء إلى التحاشي عن الملتقيات الاجتماعية، أو النكوص عن مزاولة أنشطة كانت فيما مضى مصدر بهجته، أو الوقوع أسير قلق دائم حيال هيئته الخارجية. وفي الأحوال التي يشتد فيها وقعه قد يسهم تساقط الشعر في نشوء اضطرابات نفسية كاضطراب القلق العام أو حالات الاكتئاب. ومن الضروري التسليم بأن هذه الانفعالات هي ردود فعل طبيعية ومفهومة، وأن التماس المساندة لا يعبر عن وهن، بل يشكل خطوة واعية صوب استعادة العافية النفسية.
استراتيجيات التأقلم الفعالة والدعم المتاح
ولحسن الحظ تتوافر جملة من الاستراتيجيات الناجعة التي يمكن أن تسهم بفعالية في التخفيف من وطأة الآثار النفسية لتساقط الشعر والارتقاء بمستوى جودة الحياة. ويبقى انتقاء الاستراتيجية الأنسب رهناً بالسمات الشخصية لكل فرد والظروف المحيطة به.
ونذكر من بين هذه الاستراتيجيات ما يأتي:
- التماس الدعم العاطفي والاجتماعي من دائرة الأصدقاء المقربين وأفراد الأسرة، أو الانخراط في مجموعات الدعم المختصة.
- إعادة هيكلة الأفكار السلبية واستبدالها بمنظور أكثر تفاؤلاً وإيجابية، بالاستعانة بتقنيات العلاج المعرفي السلوكي.
- مزاولة أساليب التحكم في الضغوط النفسية، كتمارين التأمل أو اليوجا أو الأنشطة البدنية المنتظمة.
- تركيز الاهتمام على مناحي الحياة التي تقع ضمن دائرة التحكم الشخصي، كالتقيد الصارم بخطة العلاج المقررة من قبل المختصين.
- تقصي البدائل التجميلية المتوفرة للتخفيف من مظهر التساقط، كالشعر الاصطناعي أو أغطية الرأس الأنيقة أو مستحضرات التجميل الخاصة.
- اللجوء إلى خبرة معالج نفسي أو مستشار متخصص للحصول على المساندة اللازمة وتنمية آليات تكيف سليمة وفعالة.
ومما لا شك فيه أن استحضار حقيقة أن قيمة المرء الحقيقية لا تنحصر في هيئته الخارجية وحدها، مع توجيه التركيز نحو مكامن القوة والجوانب المشرقة الأخرى في شخصيته وحياته، يسهم بقدر كبير في تخطي العقبات النفسية الناجمة عن تجربة تساقط الشعر.
إن مسيرة التعامل مع تساقط الشعر تستلزم قدراً من الصبر وسعة الأفق في الفهم، سواء تم ذلك عبر المسارات العلاجية الطبية أو من خلال تبني استراتيجيات التكيف النفسي. وتبقى المساندة الفعالة من البيئة المحيطة مقرونة بالاهتمام الشامل بالصحة العامة جسداً ونفساً بمثابة حجر الزاوية لتجاوز هذه التجربة والخروج منها بسلام.
الخاتمة
يشكل تساقط الشعر بتعدد صوره وتنوع مسبباته معضلة حقيقية تطرح تحديا أمام شريحة واسعة من الأفراد، ولا تقف تداعياته عند حدود المظهر الخارجي، بل تتجاوزها لتلقي بظلالها على الجوانب النفسية والاجتماعية للشخص. وقد سعينا في ثنايا هذا المقال إلى الإحاطة بجوانب شتى لهذه الظاهرة، مستهلين ذلك بفهم معمق لدورة حياة الشعر الفطرية، ثم عرّجنا على تفصيل الأنماط المتعددة للثعلبة ودراسة مسبباتها المتباينة، وانتهاءً باستعراض أحدث ما توصل إليه العلم من أساليب تشخيصية وسبل علاجية متاحة، ولم نغفل الإشارة إلى محورية دور الوقاية، وأسس العناية الشخصية، وضرورة الدعم النفسي والمعنوي.
فالتسلح بالمعرفة الواعية والفهم العميق يمثلان حجر الزاوية في مسيرة التعامل الناجع مع تحديات تساقط الشعر، ولا يفوتنا التأكيد على أن اللجوء إلى الطبيب المتخصص يبقى السبيل الأقوم والأسلم للوصول إلى تشخيص دقيق، ومن ثم وضع الخطة العلاجية المصممة خصيصًا لتلبية احتياجات كل حالة على حدة، مما يفتح نافذة أمل نحو استعادة الشعر عافيته، ويعزز الثقة بالنفس لدى الشخص.
إخلاء المسؤولية الطبية: إن المحتوى المعرفي المطروح في هذا المقال على موقع كبسولة يُقدَّم حصراً لأهداف التثقيف وزيادة الوعي، وهو لا يمثل - تحت أي ظرف - بديلاً عن ضرورة اللجوء إلى مشورة طبيب متخصص أو طلب الرعاية من مقدم خدمة صحية معتمد ومؤهل.
وعليه، لا ينبغي إطلاقًا اتخاذ هذه المعلومات مرجعاً أو أساساً بديلاً عن الاستشارة الطبية المتخصصة، أو الاستناد إليها في أغراض التشخيص أو تحديد مسارات العلاج. وفي حال وجود أية استفسارات أو مخاوف تتعلق بوضعكم الصحي أو بمسألة تساقط الشعر، يُرجى التوجه دائماً ودون تردد لطلب النصح والإرشاد من طبيبكم المعالج.
الأسئلة الشائعة عن تساقط الشعر
كثيراً ما يطرح موضوع تساقط الشعر تساؤلات واستفسارات جمة في أذهان الجمهور. وفي هذا الجزء نسعى لتقديم إجابات وافية عن طائفة من هذه الأسئلة المتداولة، بأسلوب يجمع بين التبسيط والوضوح، حرصاً على تزويدكم بمعلومات قيمة ومفيدة:
هل من الطبيعي أن يتساقط الشعر يوميا؟
أجل، يدخل في نطاق المألوف أن يفقد المرء ما يتراوح بين خمسين ومئة شعرة كل يوم. فهذا يُشكل جزءاً لا يتجزأ من الدورة الحيوية الطبيعية للشعر، إذ تحل شعيرات فتية محل تلك التي أنهت دورة حياتها وسقطت. غير أن الأمر يصبح مدعاة للاهتمام حين يُلحظ تزايد ملحوظ ومطرَد في حجم الشعر المتساقط، أو ظهور خفة واضحة في كثافته، أو نشوء مساحات خالية من الشعر تماماً.
ما هي أبرز أسباب تساقط الشعر المفاجئ؟
إن تساقط الشعر بصورة مفاجئة وكثيفة يُعزى في معظم الأحيان إلى حالة مرضية تُدعى "تساقط الشعر الكربي" (Telogen Effluvium). وقد تظهر هذه الحالة إثر التعرض لإجهادات بدنية أو نفسانية قوية، كالإصابة بأمراض شديدة، أو الخضوع لعمليات جراحية، أو عقب مرحلة الولادة، أو نتيجة لانخفاض الوزن بصورة متسارعة، أو المرور بأزمات عاطفية حادة. وفي العادة يتسم هذا النمط من تساقط الشعر بكونه مرحلة عابرة لا تدوم.
هل يمكن للوراثة وحدها أن تسبب الصلع؟
للوراثة شأن محوري في نشأة الصلع الوراثي (Androgenetic Alopecia)، والذي يمثل المسبب الأبرز للصلع عند كل من الرجال والنساء. فوجود سوابق للصلع في التاريخ الأسري للفرد يرفع من درجة احتمالية معاناته من هذه الحالة. إذ تتضافر المورثات الجينية مع العوامل الهرمونية (وبالأخص هرمون الديهدروتستوستيرون DHT) لتُحدث ضموراً متدرجاً في بصيلات الشعر، وهو ما يُفضي في نهاية المطاف إلى تساقطه.
هل يؤثر النظام الغذائي على تساقط الشعر؟
أجل، لا شك أن للنظام الغذائي المتبع بصمة واضحة على صحة الشعر وحيويته. فالافتقار إلى مكونات غذائية جوهرية كالحديد والزنك والبروتين والبيوتين وبعض الفيتامينات قد يُضعف بنية الشعر ويفضي إلى تساقطه. ومن هنا فإن اعتماد نظام غذائي متزن يزخر بالفواكه والخضراوات والبروتينات والحبوب المتكاملة يعد ركيزة أساسية لصحة الشعر ومتانته.
متى يجب أن أقلق بشأن تساقط الشعر وأزور الطبيب؟
تُستحسن مراجعة الطبيب المختص عند ملاحظة تساقط شعري كثيف وذي وتيرة مستمرة، أو عند ظهور مناطق صلع واضحة، أو في حال حدوث ترقق لافت في قوام الشعر، أو إذا ترافق هذا التساقط مع عوارض أخرى تطرأ على فروة الرأس، كالتهيّج المصحوب بحكة، أو الشعور بالألم، أو احمرار الجلد. وأيضاً إذا كان هذا الوضع يؤثر سلباً على حالتك النفسية ويسبب لك إزعاجاً وقلقاً، فإن التماس الاستشارة الطبية يصبح أمراً ضرورياً.
هل جميع أنواع تساقط الشعر دائمة؟
كلا، فليس كل نمط من أنماط تساقط الشعر يتسم بالديمومة. إذ توجد حالات متعددة، كتساقط الشعر الكربي (Telogen Effluvium)، أو ذلك الناجم عن سوء التغذية أو تناول أدوية معينة، تكون ذات طبيعة عابرة ويمكن للشعر معاودة النمو طبيعياً فور تلافي المسبب الأساسي. بينما في حالات أخرى كالصلع الوراثي وبعض أنواع الثعلبة الندبية فإن فقدان الشعر يميل إلى أن يكون دائماً؛ ومع ذلك فإن التدخلات العلاجية المتاحة قد تسهم في كبح جماح تطور الحالة أو حفز بعض النمو الشعري.
هل يمكن للعلاجات المنزلية أن توقف تساقط الشعر؟
إن جدوى العلاجات المنزلية المقترحة تتوقف بشكل أساسي على المسبب الكامن وراء تساقط الشعر. فبعض التدابير التقليدية كتدليك فروة الرأس أو استعمال أنواع معينة من الزيوت الطبيعية، قد تساهم في تنشيط الدورة الدموية وتعزيز صحة الفروة بوجه عام، إلا أنها في معظم الأحيان لا ترقى إلى مستوى العلاج الكافي لحالات التساقط التي تتراوح بين المتوسطة والحادة، أو تلك المترتبة على عوامل مرضية معينة. وعليه، يبقى الخيار الأمثل هو استشارة الطبيب المعالج قبل الشروع في تجربة أي من هذه العلاجات المنزلية كبديل عن التدخل الطبي الموصى به.
قائمة المراجع:
Hair loss types: Alopecia areata overview, accessed May 17, 2025, https://www.aad.org/public/diseases/hair-loss/types/alopecia
Hair loss - Symptoms and causes - Mayo Clinic, accessed May 17, 2025, https://www.mayoclinic.org/diseases-conditions/hair-loss/symptoms-causes/syc-20372926
Mayo Clinic Health Library - Hair loss | Swiss Medical Network, accessed May 17, 2025, https://www.swissmedical.net/en/healtcare-library/con-20372908
Alopecia Areata: Symptoms, Causes, Treatment & Regrowth, accessed May 17, 2025, https://my.clevelandclinic.org/health/diseases/12423-alopecia-areata
Frontal fibrosing alopecia - DermNet, accessed May 17, 2025, https://dermnetnz.org/topics/frontal-fibrosing-alopecia
Lichen Planopilaris — DermNet, accessed May 17, 2025, https://dermnetnz.org/topics/lichen-planopilaris
Hair Loss: Types of Alopecia and Causes of Thinning Hair - WebMD, accessed May 17, 2025, https://www.webmd.com/skin-problems-and-treatments/hair-loss/understanding-hair-loss-basics
Hidden Causes of Hair Loss - WebMD, accessed May 17, 2025, https://www.webmd.com/skin-problems-and-treatments/hair-loss/features/hair-loss-hidden-causes
Types of Hair Loss | NYU Langone Health, accessed May 17, 2025, https://nyulangone.org/conditions/hair-loss/types
Alopecia - StatPearls - NCBI Bookshelf, accessed May 17, 2025, https://www.ncbi.nlm.nih.gov/books/NBK538178/
An Overview of Alopecias - PMC - PubMed Central, accessed May 17, 2025, https://pmc.ncbi.nlm.nih.gov/articles/PMC3935391/