السكري عند الأطفال - دليل شامل للأعراض والأسباب والعلاج الفعال

مرض السكري عند الأطفال بالرغم من كونه تحدياً يعترض سبيل العديد من الأسر إلا أن استيعابه بعمق ودقة يُعد المدخل الأساسي نحو إدارة فعالة لحالة الطفل وتأمين حياة ملؤها الصحة له. ويسجل عالمنا اليوم تزايدًا في نسب وقوع السكري بين الصغار، الأمر الذي يفرض علينا إيلاء هذا الموضوع الجوهري عناية خاصة وتسليط الأضواء عليه.

السكري عند الأطفال - دليل شامل للأعراض والأسباب والعلاج الفعال

نسعى في سطور هذا المقال إلى إرساء فهم شامل وموثوق لداء السكري لدى الأطفال مع الوقوف على آخر المستجدات العلمية في ميادين التشخيص وأساليب العلاج، وتقديم توجيهات تطبيقية للأسر تعينهم على مساندة أطفالهم في التكيف الإيجابي مع هذا الظرف الصحي. سنتعمق في استجلاء دقائق هذا الداء وتبيان أنواعه وعلاماته الظاهرة وسبل إدارته بمنهجية تجمع بين الإحكام العلمي والبيان العربي اليسير والناصع.

ما هو مرض السكري عند الأطفال؟ فهم أساسيات المرض

مرض السكري هو بالأساس اعتلال صحي مزمن يتصف بتجاوز مستويات الجلوكوز (سكر الدم) حدودها المعتادة في الجسم. ويوفر الجلوكوز الطاقة الأولية لخلايا البدن وهو يُستخلص من الأغذية التي نتناولها. أما الأنسولين فذلك هرمون يتولى البنكرياس إفرازه، ويقوم بدور المفتاح الذي يتيح للجلوكوز النفاذ إلى داخل الخلايا لتستعمله وقوداً.

حين يصاب الطفل بالسكري فإن الأمر يرجع إما إلى عجز بنكرياسه عن إنتاج قدر كافٍ من الأنسولين، أو إلى عدم تجاوب خلايا جسمه مع الأنسولين المفرز على النحو المنشود (وهو ما يُعرف بمقاومة الأنسولين)، أو قد يجتمع السببان. يترتب على ذلك تكدس الجلوكوز في مجرى الدم عوضاً عن ولوجه إلى الخلايا وهو ما يفضي إلى مضاعفات صحية متنوعة على الأمد البعيد إن لم يُضبط المرض ويُسيطر عليه بإحكام.

وهذا التفريق بين مسارات نشوء المرض له أهمية جوهرية، إذ يستلزم النوع الأول حتماً سد النقص الحاصل في الأنسولين، في حين أن النوع الثاني قد يبدي تجاوباً في أطواره الباكرة مع تعديلات نمط العيش أو مع الأدوية التي تعزز فعالية الأنسولين المتوافر.

كيف يعمل الأنسولين والجلوكوز في الجسم السليم؟

تتحول المواد الكربوهيدراتية في الوضع السوي للجسم وعقب تناول الوجبات إلى جلوكوز تمتصه الأوعية الدموية لينساب مع الدم. وعندئذٍ يتحسس البنكرياس هذا العلو في منسوب الجلوكوز فيبادر إلى إفراز المقدار الملائم من هرمون الأنسولين. ثم يسري الأنسولين في مجرى الدم ليتحد بمستقبلات نوعية على أغشية الخلايا، شبيهًا بمفتاح يستقر في قفله إيذانًا بالفتح.

تتحول الكربوهيدرات إلى جلوكوز يمتصه الدم في الأحوال الطبيعية وعقب تناول الوجبات. وبمجرد استشعار البنكرياس لارتفاع منسوب الجلوكوز الدموي يبادر إلى إفراز المقدار المناسب من الأنسولين. ينتقل هذا الأنسولين عبر مجرى الدم كي يرتبط بمستقبلات خاصة تستقر على أسطح الخلايا تماماً كالمفتاح الذي يُشرع الأبواب.

وما إن يتم هذا الارتباط بين الأنسولين ومستقبلاته حتى تتمكن الخلايا من اجتذاب الجلوكوز من الدم واستغلاله لإنتاج الطاقة الضرورية لمزاولة مختلف الأنشطة الحيوية. يسهم الأنسولين أيضاً في تخزين الفائض من الجلوكوز بالكبد والعضلات في صورة جليكوجين ليُستهلك لاحقاً عند الحاجة، محافظاً بذلك على بقاء سكر الدم ضمن مجاله الطبيعي والصحي.

إحصاءات حول انتشار السكري بين الأطفال عالميا وعربيا

تشير التقارير الدولية إلى تصاعد يبعث على القلق في أعداد الأطفال والمراهقين المصابين بالسكري بنوعيه الأول والثاني. فبحسب بيانات منظمة الصحة العالمية يندرج مرض السكري ضمن الأمراض المزمنة ذات الانتشار الواسع ويؤثر في حياة الملايين من الأشخاص عبر أنحاء العالم، وتقطن نسبة كبيرة منهم في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط. هذا العبء المتنامي يستوجب تبني استراتيجيات وقائية وعلاجية متوائمة مع مختلف السياقات.

وقد كشفت دراسات حديثة عن ارتفاع معدلات الإصابة بسكري الأطفال ارتفاعاً لافتاً خلال العقود المنصرمة. ففي عام 2021 جرى توثيق ما يقارب 222,310 حالة جديدة من سكري الأطفال على الصعيد العالمي. وتُظهر البيانات تبايناً جغرافياً جلياً إذ تسجل الدول الاسكندنافية أعلى معدلات إصابة سنوية (30-60 حالة لكل 100,000 طفل)، بينما تنخفض هذه المعدلات كثيراً في أقاليم كشرق آسيا وأمريكا اللاتينية (1-3 حالات لكل 100,000 طفل). هذا التفاوت قد يكون مرآة لتأثير عوامل جينية وبيئية متباينة فضلاً عن الاختلافات في أنظمة الرصد والمتابعة الصحية.

وفيما يخص المنطقة العربية فرغم ندرة البيانات الشاملة والمستجدة في بعض أجزائها إلا أن الدلائل تقول بزيادة في حالات سكري الأطفال وبخاصة النوع الثاني وثيق الصلة بتنامي معدلات السمنة وتحولات الأنماط المعيشية. هذا النقص في البيانات يفرض تحدياً كبيراً إذ يعرقل القدرة على تصميم تدخلات صحية هادفة وناجعة ويجعل من العسير على راسمي السياسات تخصيص الموارد بالوجه الأمثل وتقويم أثر البرامج المعمول بها.

إن الإلمام بهذه المعطيات الأساسية يساند الأهل في استيعاب ماهية المرض والتحديات المقترنة به ويمهد السبيل نحو إدارة أفضل ورعاية أشمل لأطفالهم الذين يعانون من السكري.

أنواع مرض السكري التي تصيب الأطفال

أنواع مرض السكري التي تصيب الأطفال

يظهر مرض السكري لدى الأطفال بأشكال متعددة لكل منها أسبابع وآلياته التي تميزه. والفهم الدقيق لهذه الأنواع ضروري لوضع الخطة العلاجية الملائمة وتوفير الرعاية الفضلى للطفل.

النوعان البارزان اللذان يصيبان الأطفال هما سكري النوع الأول وسكري النوع الثاني. ورغم أن سكري النوع الأول كان هو الأكثر تواتراً في هذه الشريحة العمرية على مر التاريخ إلا أن معدلات الإصابة بالنوع الثاني آخذة في التصاعد بشكل يسترعي الانتباه.

سكري الأطفال من النوع الأول

يُعرّف سكري الأطفال من النوع الأول الذي كان يُدعى سابقاً "سكري اليافعين" أو "السكري المعتمد على الأنسولين" بأنه اعتلال مناعي ذاتي مزمن. في هذا النوع يبادر الجهاز المناعي للجسم بمهاجمة خلايا "بيتا" المستقرة في البنكرياس وتدميرها، وهي الخلايا المنوط بها إنتاج هرمون الأنسولين. ويعني هذا أن أصل المشكلة ليس في نمط حياة الطفل وإنما هو اضطراب في جهازه المناعي.

نتيجة لهذا التدمير يغدو البنكرياس قاصراً عن إنتاج الأنسولين أو لا ينتج سوى كميات زهيدة للغاية منه. وبغياب الأنسولين يعجز سكر الجلوكوز الموجود في الدم عن النفاذ إلى خلايا الجسم ليُستخدم وقوداً مما يفضي إلى تكدسه في مجرى الدم ومن ثم إلى مضاعفات وخيمة إن لم يُعالج بحقن الأنسولين يومياً. وفي الغالب تظهر علامات هذا النوع على نحو مفاجئ ومتسارع لدى الأطفال.

ومن أبرز الأسباب وعوامل الخطورة المتصلة بسكري الأطفال من النوع الأول ما يلي:

  • وجود إصابات سابقة بالمرض في العائلة.
  • الاستعداد الجيني ووجود مورثات معينة.
  • بعض أنواع العدوى الفيروسية كعامل مستثير.
  • عوامل بيئية وعرقية محددة.
  • العمر (تزداد فرص التشخيص بين سن 4-7 سنوات وسن 10-14 سنة).

وتجدر الإشارة إلى أن نمط الحياة أو النظام الغذائي ليسا من مسببات السكري من النوع الأول. صحيح أن للعوامل الجينية دورها، إذ إن وجود تاريخ عائلي للمرض يرفع من احتمالية وقوعه، بيد أن الاستعداد الجيني وحده لا يعني حتمية الإصابة، الأمر الذي يوجه الأنظار نحو دور العوامل البيئية، كالإصابات الفيروسية، بوصفها مثيرات محتملة لجهاز المناعة.

إن التشخيص المبكر والمبادرة الفورية بالعلاج عن طريق الأنسولين أمران حيويان لإنقاذ حياة الطفل المصاب بالنوع الأول، ولتمكينه من أن يحيا حياة طبيعية مفعمة بالنشاط في ظل الإدارة السليمة للمرض. كما أن استيعاب الطبيعة المناعية الذاتية لهذا الداء يساعد في تجنب توجيه اللوم إلى الطفل أو أسرته ويؤكد حقيقة أن العلاج بالأنسولين ضرورة لا مناص منها، وليس دليلاً على أي تقصير.

سكري الأطفال من النوع الثاني

سكري الأطفال من النوع الثاني هو اضطراب أيضي مزمن ينشأ حين يبدي الجسم مقاومة تجاه تأثيرات الأنسولين أو حين يعجز البنكرياس عن إفراز كميات كافية من الأنسولين للوفاء باحتياجات الجسم المتنامية. ولإن كان هذا النمط أكثر وقوعاً فيما مضى بين البالغين فإن العقود المنصرمة قد شهدت تصاعداً ملحوظاً في معدلات الإصابة به بين الأطفال والمراهقين، ويرجع هذا التصاعد في جانب كبير منه إلى تفاقم معدلات السمنة وتراجع مستويات النشاط البدني. وهذا التصاعد بمثابة ناقوس خطر يتردد صداه ليعكس الآثار المترتبة على أنماط الحياة العصرية في صحة أجيالنا الناشئة.

في المراحل الأولى من تطور السكري من النوع الثاني يسعى البنكرياس جاهداً للتعويض عن حالة مقاومة الأنسولين من خلال زيادة إفرازه. ولكن مع توالي الأيام واستمرار الوضع يبلغ البنكرياس مرحلة الإعياء فلا يتمكن من مواكبة هذا الطلب المتزايد على الأنسولين، فتبدأ مستويات السكر في الدم بالارتفاع التدريجي.

ومن الجدير بالذكر أن أعراض هذا النوع قد تظهر بصورة متدرجة وقد تكون أقل جلاءً ووضوحاً مقارنةً بأعراض النوع الأول. وتتضمن قائمة أبرز الأسباب وعوامل الاختطار التي تزيد من احتمالية حدوث السكري من النوع الثاني لدى الأطفال ما يأتي:

  • زيادة الوزن وبلوغ حد السمنة لدى الطفل.
  • قلة النشاط البدني وانخفاض مستوى الحركة.
  • اتباع نظام غذائي غير متوازن (يغلب عليه استهلاك السكريات والدهون المعالجة).
  • وجود تاريخ مرضي عائلي للإصابة بالسكري من النوع الثاني.
  • الانتماء إلى بعض المجموعات العرقية (مثل ذوي الأصول الأفريقية أو الهسبانية أو الأمريكية الأصلية أو الآسيوية).
  • إصابة الأم بسكري الحمل خلال فترة حملها بالطفل.
  • نقص وزن الطفل عند الولادة أو حدوث الولادة قبل الأوان.
  • عامل العمر والجنس (حيث يلاحظ ارتفاع في الإصابة عند بداية مرحلة المراهقة مع ميل لزيادة طفيفة لدى الفتيات مقارنة بالفتيان).

للسمنة دور محوري في هذا السياق إذ أن تراكم الأنسجة الدهنية وبخاصة في منطقة البطن يسهم في تعزيز مقاومة خلايا الجسم لتأثير الأنسولين. كما أن للعوامل الوراثية والتاريخ العائلي وزنهما في زيادة قابلية الإصابة ولكن يظل نمط الحياة اليومي عاملاً حاسماً يمكن التأثير فيه وتعديله سواء بهدف الوقاية أو على الأقل لتأخير ظهور المرض.

وإن ارتباط إصابة الأم بسكري الحمل بزيادة مخاطر تطور السكري من النوع الثاني لدى طفلها لاحقاً ليشير إلى أن البيئة الرحمية ذاتها قد يكون لها تأثير في برمجة العمليات الأيضية لدى الجنين على المدى الطويل مما يفتح آفاقاً لتدخلات وقائية يمكن أن تبدأ حتى قبل مرحلة الولادة.

يمكن التعامل بفعالية مع السكري من النوع الثاني من خلال إحداث تغييرات إيجابية في نمط الحياة كاعتماد نظام غذائي صحي ومتوازن والمواظبة على ممارسة التمارين الرياضية، وقد تستدعي بعض الحالات اللجوء إلى الأدوية التي تؤخذ عن طريق الفم أو حتى استخدام حقن الأنسولين في مراحل معينة.

أنواع أخرى أقل شيوعاً من السكري لدى الأطفال

إلى جانب النوعين الأول والثاني اللذين سلف ذكرهما توجد أنماط أخرى نادرة من داء السكري قد تصيب الأطفال وإن كانت نسبة وقوعها أقل بكثير. من بين هذه الأنماط "سكري حديثي الولادة" وهو نوع نادر يتجلى عادةً خلال الأشهر الستة الأولى من عمر الرضيع وقد يتخذ مساراً مؤقتاً أو يستمر بشكل دائم وغالباً ما يُعزى حدوثه إلى أسس جينية محددة.

وهناك نوع آخر يُعرف باسم "سكري الشبان الناضجين" (Maturity-Onset Diabetes of the Young - MODY) وهو في حقيقته طيف من الاضطرابات الوراثية التي تؤثر سلباً على قدرة البنكرياس على إنتاج هرمون الأنسولين. وعادةً ما يتم تشخيص حالات سكري الشبان الناضجين خلال فترة المراهقة أو في مقتبل مرحلة الشباب، وقد يحدث أحياناً التباس في تشخيصه فيُظن أنه من النوع الأول أو الثاني. ويتطلب تأكيد تشخيص سكري الشبان الناضجين إجراء فحوصات جينية متخصصة وتتباين استراتيجيات علاجه تبعاً لنوع الطفرة الجينية الكامنة وراءه.

كذلك يوجد ما يُسمى "السكري الثانوي" وهو الذي ينشأ نتيجة لأمراض أخرى تصيب البنكرياس وتؤثر على وظيفته (كحالة التليف الكيسي) أو قد يكون تالياً لاستخدام بعض أصناف الأدوية (مثل مركبات الكورتيكوستيرويد بجرعات مرتفعة ولفترات علاجية طويلة).

ويجدر التنويه أيضاً إلى حالة "السكري الكاذب" أو ما يُعرف بـ"البوالة التفهة" (Diabetes Insipidus) وهي حالة مرضية تختلف كلياً في طبيعتها وآلياتها عن سكري اضطراب الجلوكوز؛ إذ تتسم بكثرة التبول المصحوبة بعطش شديد ناجمة عن خلل في هرمون الفازوبريسين أو في كيفية استجابة الكليتين لتأثيره، ولا يصاحبها ارتفاع في مستوى سكر الدم.

ومن الضروري التفريق بين هذه الأنواع المختلفة وبين النوعين الأول والثاني نظراً للاختلاف الجوهري في خطط العلاج وبروتوكولات المتابعة ولأن التشخيص غير الدقيق قد يقود إلى تطبيق علاج غير ملائم للحالة. إن التمييز الدقيق والفصل بين هذه الأنواع المتعددة يعتمد بالدرجة الأولى على تقييم طبي شامل وإجراء فحوصات استقصائية متخصصة، وهو أمر بالغ الأهمية لضمان حصول كل طفل على الرعاية الأنسب والأكثر فعالية لحالته الصحية الخاصة.

أعراض السكري عند الأطفال - علامات مبكرة تستدعي الانتباه الفوري

إن إدراك أعراض داء السكري لدى الأطفال في مراحلها الأولى يكتسب أهمية قصوى، إذ كلما جرى التشخيص في وقت أبكر، تعاظمت فرص السيطرة الفعالة على المرض وتلافي وقوع مضاعفاته. وقد تتسم بعض هذه الأعراض بالخفاء في مستهلها، أو قد تتشابه مع علامات لاعتلالات صحية أخرى، الأمر الذي يقتضي درجة عالية من الوعي والانتباه من جانب الأهل وكل من يحيط بالطفل.

وتتباين شدة هذه الأعراض وسرعة تجليها بين السكري من النوع الأول والسكري من النوع الثاني، كما تعتمد كذلك على المرحلة العمرية للطفل. ويُشدد على ضرورة عدم إغفال أي من هذه العلامات التي تبعث على القلق والمبادرة فوراً باستشارة الطبيب المختص لتقييم دقيق للحالة.

الأعراض المشتركة بين سكري النوع الأول والثاني لدى الأطفال

توجد طائفة من الأعراض التي قد تبدو جلية في كلا النمطين الرئيسيين للسكري لدى الأطفال، وهي بمثابة دلائل واضحة على حدوث اضطراب في عملية استقلاب الجلوكوز داخل الجسم. وتنجم هذه المظاهر السريرية في جوهرها عن فرط منسوب السكر في مجرى الدم مقترناً بعجز خلايا الجسم عن تسخيره بفعالية كمصدر للطاقة الحيوية.

ويتوجب على الوالدين توخي أقصى درجات الحذر والانتباه إذا ما لاحظوا تكرار أي من هذه العلامات لدى أطفالهم، إذ إن التغاضي عنها قد يُفضي إلى تفاقم خطير للحالة الصحية للطفل.

وتشتمل هذه الأعراض في مقدمتها على ما يأتي:

  • العطش المفرط والإقبال المتزايد على شرب السوائل (Polydipsia)
  • التبول المتكرر وبكميات كبيرة، وقد يصحبه سلس البول الليلي (التبول اللاإرادي الليلي - Polyuria)
  • الإحساس بنهم شديد ومستمر للطعام (Polyphagia)
  • الإنهاك والإعياء العام دون سبب ظاهر
  • ضبابية الرؤية أو عدم استبانتها

فعندما يطغى منسوب السكر في الدم على المعدلات الطبيعية تسعى الكليتان جاهدتين لطرح الفائض منه عبر البول، وهي عملية ينجر عنها فقدان كميات معتبرة من الماء مما يتسبب في غزارة التبول والإحساس بالجفاف، وبالتالي اشتداد الشعور بالظمأ.

أما النهم المتواصل للطعام (زيادة الشهية) فيرجع مرده إلى أن خلايا الجسم تظل محرومة من الحصول على حصتها الكافية من الجلوكوز (الذي هو وقود الطاقة)، على الرغم من وفرته الظاهرية في الدم مما يدفع الجسم إلى إطلاق إشارات متكررة بالإحساس بالجوع.

كذلك فإن الإعياء العام وضبابية الإبصار يعودان أيضاً إلى قصور الخلايا عن الاستفادة المثلى من الجلوكوز، فضلاً عن التأثيرات المباشرة لفرط سكر الدم على توازن السوائل في الجسم وعلى سلامة عدسات العينين. وقد يؤدي هذا التداخل في بعض الأعراض المشتركة بين النمطين إلى صعوبة في التفريق الأولي بينهما دون اللجوء إلى فحوصات مخبرية، غير أن سرعة بزوغ الأعراض ودرجة شدتها بالإضافة إلى ظهور علامات فارقة أخرى تسهم في توجيه الاشتباه التشخيصي الأولي.

أعراض خاصة بسكري الأطفال من النوع الأول

في حالة السكري من النوع الأول غالباً ما تكون الأعراض أشد تأثيراً وأسرع تطوراً فقد تظهر أحياناً في غضون أيام أو أسابيع معدودة. هذا التجلي المفاجئ للأعراض يعكس مدى التسارع في تدمير خلايا "بيتا" المسؤولة عن إنتاج الأنسولين داخل البنكرياس.

ينفرد السكري من النوع الأول - إضافة إلى الأعراض المشتركة التي أُشير إليها آنفاً - ببعض العلامات التي قد تكون أكثر جلاءً ووضوحاً، وتستدعي تدخلاً طبياً عاجلاً لا يحتمل التأخير. فإلى جانب الأعراض العامة قد تظهر مؤشرات أخرى منها:

  • فقدان الوزن بصورة سريعة وغير مبررة
  • انبعاث رائحة من الفم شبيهة برائحة الفاكهة (وهي رائحة الأسيتون)
  • الشعور بالغثيان والتقيؤ وقد يصاحبهما أحيانا آلام في منطقة البطن
  • سهولة الاستثارة وحدوث تغيرات ملحوظة في سلوك الطفل وتصرفاته
  • تسارع النَّفَس أو زيادة عمقه

يحدث فقدان الوزن لأن الجسم في ظل غياب الأنسولين يبدأ في اللجوء إلى تكسير مخزونه من الدهون والعضلات كمصدر بديل للطاقة. أما رائحة الأسيتون المنبعثة من النفس فتُعد مؤشراً على شروع الجسم في إنتاج الكيتونات نتيجة لعملية حرق الدهون؛ وهي حالة إذا استفحلت قد تُفضي إلى الإصابة بالحماض الكيتوني السكري (DKA) الذي يُعتبر من المضاعفات الحادة والخطيرة التي تستوجب علاجاً إسعافياً فورياً داخل المستشفى.

التغيرات السلوكية كالتهيج الملحوظ أو الخمول الشديد قد تكون أيضاً دلائل ذات أهمية وبخاصة لدى الأطفال في المراحل العمرية المبكرة الذين قد يجدون صعوبة في التعبير اللفظي الواضح عما يعتريهم من أحاسيس. إن استيعاب تسلسل هذه الأحداث – أي أن نقص الأنسولين يقود إلى حرمان الخلايا من الطاقة مما يدفع الجسم إلى حرق الدهون وهو ما ينجم عنه إنتاج الكيتونات – يساعد أيّما مساعدة على تقدير مدى خطورة هذه الأعراض وضرورة التعامل الفوري معها.

أعراض خاصة بسكري الأطفال من النوع الثاني

على النقيض من النوع الأول فإن السكري من النوع الثاني لدى الأطفال يتطور في معظم الحالات بصورة تدريجية، وقد يستغرق ذلك أشهراً أو حتى سنوات، كما أن الأعراض الأولية غالباً ما تكون طفيفة للغاية أو حتى غير ظاهرة للعيان، الأمر الذي يجعل اكتشافه في بعض الأحيان أكثر استعصاءً.

هذا التطور البطيء للمرض يرتبط بالزيادة التدريجية في مقاومة خلايا الجسم لتأثير الأنسولين وبالقصور المتدرج الذي يصيب البنكرياس في قدرته على إنتاج كميات كافية من الأنسولين للتغلب على هذه المقاومة. وغالباً ما تكون الأعراض أقل حدة وتأخذ في التطور ببطء، ومن بينها:

  • ظهور بقع جلدية داكنة ذات ملمس مخملي وبخاصة في ثنايا الجلد حول الرقبة وتحت الإبطين وفي أعلى الفخذين (وهي حالة تُعرف طبياً بالشواك الأسود).
  • بطء في معدل التئام الجروح وتكرار حدوث الالتهابات الجلدية أو الفطرية (لاسيما تلك التي تصيب المناطق التناسلية).
  • الشعور بالحكة وبخاصة في المنطقة التناسلية.
  • زيادة الوزن أو الإصابة بالسمنة (والتي غالباً ما تكون موجودة مسبقاً كأحد عوامل الخطر للإصابة بالمرض).
  • الإحساس بالتنميل أو الوخز في اليدين أو القدمين (وهو عرض أقل شيوعاً في المراحل الأولى لدى الأطفال).

يُعد الشواك الأسود علامة جلدية ذات أهمية تشخيصية كبيرة فهو يرتبط ارتباطاً وثيقاً بحالة مقاومة الأنسولين وقد يكون أول ما يسترعي انتباه الأهل أو الطبيب المعالج. أما بطء التئام الجروح وتكرار حدوث الالتهابات فيعكسان تأثير الارتفاع المزمن في مستوى السكر على كفاءة وظائف الجهاز المناعي وعلى سلامة الدورة الدموية.

ونظراً لأن الأعراض قد لا تكون دائماً واضحة أو جلية فإنّه يتم أحياناً اكتشاف السكري من النوع الثاني لدى الأطفال بصورة عرضية، كأن يكون ذلك أثناء إجراء فحوصات طبية روتينية أو خلال تقييم حالات صحية أخرى مرتبطة بالسمنة. وإن انخفاض مستوى الوعي المجتمعي والطبي نسبياً بأعراض سكري النوع الثاني لدى الأطفال نظراً لكونه ظاهرة "حديثة العهد" إلى حد ما في هذه الفئة العمرية قد يسهم في تأخير التشخيص، الأمر الذي يستدعي تكثيف حملات التوعية وتوفير برامج التدريب المستمر للكوادر الطبية والصحية.

أعراض السكري لدى الرضع والأطفال الصغار جداً

تشخيص داء السكري لدى فئة الرضع والأطفال دون سن الخامسة يُشكّل تحدياً من نوع خاص، حيث إن الأعراض قد تكون غير نمطية في طبيعتها، أو قد يصعب على الطفل في هذه المرحلة العمرية التعبير عنها بوضوح، كما أن الأهل قد يخلطون بينها وبين مشكلات صحية أخرى أكثر شيوعاً في هذه السن المبكرة.

يصبح الاعتماد على الملاحظة الدقيقة والمتأنية لسلوك الطفل وحالته الصحية العامة أمراً ذا أهمية حاسمة في مثل هذه الحالات. وقد تتضمن هذه الأعراض ما يلي:

  • زيادة ملحوظة في عدد الحفاضات المبللة يومياً تفوق المعتاد.
  • ظهور طفح جلدي شديد ومستمر في منطقة الحفاض لا يبدي استجابة للعلاجات التقليدية المتبعة.
  • فقدان الوزن على الرغم من انتظام الرضاعة أو زيادة الشهية بشكل لافت وغير طبيعي.
  • الخمول المفرط أو النعاس الشديد الذي لا يتناسب مع ساعات نوم الطفل، أو البكاء المتواصل دون سبب ظاهر.
  • التقيؤ المتكرر الذي قد يستمر لأيام دون وجود تفسير مرضي واضح.
  • انبعاث رائحة غير معتادة من النفس أو البول قد تكون كريهة أو شبيهة برائحة الفاكهة.

قد يُعزى الخمول أو التهيج لدى الرضيع إلى مرحلة التسنين أو إلى نوبات المغص المعتادة، وقد يُفسَّر طفح الحفاض على أنه مجرد التهاب فطري بسيط. لذا فإن الوعي بأن هذه العلامات خاصة إذا اجتمعت معاً أو استمرت لفترة زمنية غير قصيرة تكون مؤشراً على احتمالية الإصابة بالسكري لهو أمر ضروري للتمكن من التدخل الطبي المبكر.

هذا التأخير المحتمل في تشخيص المرض لدى الرضع يعني أن مستوى السكر في الدم قد يرتفع إلى مستويات خطيرة، وأن الجسم قد يبدأ في تكوين الكيتونات قبل اكتشاف المشكلة، مما يجعل حالة الحماض الكيتوني السكري (DKA) أكثر شيوعاً كأول عرض يكشف عن الإصابة بالسكري في هذه الفئة العمرية الحساسة.

ويتوجب على الأطباء أيضاً أن يضعوا احتمالية الإصابة بالسكري ضمن التشخيصات التفريقية عند تقييم حالات الرضع الذين يعانون من جفاف غير مبرر أو من تأخر في النمو والتطور.

إن ملاحظة أي من هذه الأعراض سواء كانت من الأعراض المشتركة أو الخاصة بنوع معين من السكري أو بفئة عمرية محددة تستوجب استشارة الطبيب دون أي إبطاء، وذلك لإجراء الفحوصات اللازمة والوصول إلى تشخيص دقيق للحالة.

كيفية تشخيص مرض السكري لدى الأطفال

إن الكشف الدقيق والمبكر عن داء السكري لدى الأطفال هو الخطوة الأولى والحاسمة نحو مسار علاجي ناجع يحمي الطفل من وطأة المضاعفات سواء الحادة منها أو تلك التي تظهر على المدى البعيد. ويرتكز الأطباء في تشخيصهم لهذا الداء على استقراء جملة من العلامات التي يبديها الطفل معززةً بنتائج فحوصات مخبرية دقيقة تتولى قياس مستويات الجلوكوز في دمه.

ولا غنى في هذا السياق عن عرض الطفل على طبيب ذي خبرة وتخصص سواء كان طبيب أطفال متمرس أو استشاري في أمراض الغدد الصماء والسكري لدى الأطفال، فهؤلاء هم الأقدر على تأويل نتائج الاستقصاءات المخبرية على الوجه الصحيح ومن ثم تحديد نمط السكري الذي ألمّ بالطفل بدقة متناهية.

متى يجب التوجه للطبيب لإجراء فحوصات السكري؟

يتوجب على الوالدين المسارعة إلى طلب المشورة الطبية دون أي توانٍ أو تأخير حالما يرصدون على طفلهم أياً من الأعراض التقليدية التي تُنذر بداء السكري كالإحساس بالظمأ الشديد أو التبول المتكرر أو النهم المفرط للطعام أو نقصان الوزن دون سبب واضح أو الشعور بالإعياء المتواصل. فهذه الأعراض تقتضي تقييماً طبياً فورياً لا يحتمل الانتظار لاسيما إن بدت على نحو مفاجئ أو تزامنت في ظهورها.

وكذلك إذا كان الطفل عُرضة لعوامل خطر معينة مثل وجود تاريخ عائلي للإصابة بالسكري أو معاناته من السمنة المفرطة (وهو ما يزيد من احتمالية الإصابة بالنوع الثاني على وجه الخصوص) أو ظهور علامات جلدية مميزة كالشواك الأسود فإنه يُوصى بشدة بإجراء فحوصات استقصائية شاملة حتى في حال عدم ظهور الأعراض السريرية بشكل جلي. فالكشف المبكر في مثل هذه الحالات له دور حاسم في الحيلولة دون تطور المرض أو في تأخير ظهور مضاعفاته المحتملة.

ومن المهم كذلك عدم إغفال ضرورة فحص مستوى السكري لدى الأطفال الذين يعانون من نوبات متكررة من الالتهابات الجلدية أو الفطرية التي تبدي مقاومة للعلاجات المعتادة أو الذين يلاحظ عليهم بطء ملحوظ في التئام الجروح، إذ إن هذه دلائل غير مباشرة تشير إلى وجود ارتفاع كامن في مستوى السكر بالدم.

الفحوصات المخبرية الرئيسية المستخدمة في تشخيص السكري

إن إثبات تشخيص داء السكري يعتمد بصورة جوهرية على القياس المخبري الدقيق لمستوى الجلوكوز في الدم. وهناك عدة اختبارات معيارية معتمدة على الصعيد العالمي تُستخدم لتأكيد هذا التشخيص، وتُجرى هذه الاختبارات عادةً في مختبرات طبية متخصصة مع الإشارة إلى أن أجهزة قياس السكر المنزلية تُستخدم لغرض المتابعة الذاتية وليس لإصدار تشخيص أولي مؤكد.

وقد تقتضي الحاجة في بعض الأحيان إعادة إجراء الفحص في يوم مختلف لتأكيد النتائج ما لم تكن الأعراض السريرية بادية للعيان بشكل قاطع وكان مستوى السكر مرتفعاً بدرجة كبيرة جداً في الفحص الأول.

وتشمل أهم هذه الفحوصات ما يلي:

  1. تحليل مستوى السكر في الدم العشوائي (Random Blood Sugar - RBS).
  2. تحليل مستوى السكر في الدم الصيامي (Fasting Blood Sugar - FBS).
  3. تحليل الهيموجلوبين السكري (HbA1c) (أو ما يُعرف بالسكر التراكمي).
  4. اختبار تحمل الجلوكوز الفموي (Oral Glucose Tolerance Test - OGTT).

يهدف تحليل السكر العشوائي إلى قياس مستوى الجلوكوز في أي لحظة من اليوم دون اعتبار لموعد آخر وجبة تناولها الطفل؛ وتُشير قراءة تبلغ 200 ملغم/ديسيلتر (11.1 مليمول/لتر) أو أكثر مترافقة مع ظهور أعراض السكري إلى الإصابة بالمرض. أما تحليل السكر الصيامي فيستلزم امتناع الطفل عن الطعام والشراب (عدا الماء) لمدة لا تقل عن ثماني ساعات (عادةً ما تكون هذه الفترة طوال الليل)؛ وتُشير قراءة تبلغ 126 ملغم/ديسيلتر (7.0 مليمول/لتر) أو أكثر إلى وجود الإصابة.

وفيما يخص تحليل الهيموجلوبين السكري (A1c) فإنه يعكس صورة عن متوسط مستوى السكر في الدم خلال فترة الشهرين إلى الثلاثة أشهر السابقة لإجراء الفحص؛ وتُعتبر نسبة 6.5% أو أعلى مؤشراً دالاً على الإصابة بداء السكري. أما اختبار تحمل الجلوكوز الفموي وهو اختبار أقل استخداماً بشكل روتيني في تشخيص حالات السكري لدى الأطفال مقارنة بالبالغين، فيعمل على تقييم كيفية تعامل الجسم مع جرعة محددة من الجلوكوز تُعطى للطفل بعد فترة من الصيام؛ وتُشير قراءة تبلغ 200 ملغم/ديسيلتر أو أعلى بعد مرور ساعتين من تناول محلول الجلوكوز إلى وجود الإصابة. إن اللجوء إلى مجموعة متكاملة من هذه الفحوصات يسهم في تعزيز دقة التشخيص وفي تأكيده بصورة لا تدع مجالاً للشك.

معايير تشخيص السكري ومقدماته عند الأطفال (وفقًا لتوصيات ADA/WHO)
الفحص المعدل الطبيعي مرحلة ما قبل السكري (مقدمات السكري) الإصابة بالسكري
السكر التراكمي (A1C) أقل من 5.7% من 5.7% إلى 6.4% 6.5% أو أعلى
سكر الدم الصيامي (FBG) أقل من 100 ملغ/ديسيلتر من 100 إلى 125 ملغ/ديسيلتر 126 ملغ/ديسيلتر أو أعلى
اختبار تحمل الجلوكوز (OGTT) (بعد ساعتين) أقل من 140 ملغ/ديسيلتر من 140 إلى 199 ملغ/ديسيلتر 200 ملغ/ديسيلتر أو أعلى
سكر الدم العشوائي (RBG) - - 200 ملغ/ديسيلتر أو أعلى (مع وجود أعراض)

يوضح هذا الجدول بجلاء القيم التشخيصية المعتمدة مبيناً الفوارق الدقيقة بين المعدلات الطبيعية لمستوى السكر ومرحلة مقدمات السكري التي تنذر بقرب الإصابة وحالة السكري المؤكدة. وهو يقدم بذلك مرجعية موجزة ذات أهمية عملية كبيرة للأهل. فاكتشاف إصابة الطفل وهو لا يزال في مرحلة "مقدمات السكري" يتيح فرصة ثمينة للتدخل الوقائي المبكر وبخاصة فيما يتعلق باحتمالية تطور السكري من النوع الثاني حيث يمكن في كثير من الأحيان عكس مسار الحالة أو على الأقل تأخير تطورها بشكل ملموس من خلال إحداث تعديلات جذرية وإيجابية في نمط الحياة.

فحوصات إضافية لتحديد نوع السكري وتقييم الحالة

عقب تأكيد تشخيص الإصابة بداء السكري من خلال الكشف عن ارتفاع مستويات الجلوكوز في الدم قد يرى الطبيب المعالج ضرورة إجراء مجموعة من الفحوصات الإضافية. وتهدف هذه الفحوصات إلى المساعدة في تحديد نمط السكري الذي يعاني منه الطفل بدقة وبخاصة التفريق بين النمط الأول والنمط الثاني، وكذلك إلى تقييم ما إذا كانت هناك أي مضاعفات أولية محتملة قد بدأت في الظهور نتيجة للمرض.

وتُعد هذه الاستقصاءات الإضافية ضرورية لوضع الخطة العلاجية الأنسب والأكثر فعالية لحالة الطفل، حيث إن نهج علاج السكري من النمط الأول يختلف اختلافاً جذرياً عن طرق علاج السكري من النمط الثاني في معظم الحالات. وقد يطلب الطبيب إجراء فحوصات أخرى، من بينها على سبيل المثال:

  1. اختبار الكشف عن الأجسام المضادة الذاتية (مثل الأجسام المضادة لـ GAD65، و IA-2، و IAA، و ZnT8).
  2. قياس مستوى الببتيد سي (C-peptide) في الدم.
  3. فحص للتحري عن وجود الكيتونات في البول أو الدم.
  4. فحوصات شاملة لتقييم كفاءة وظائف الكلى والكبد ولقياس مستوى الدهون بأنواعها في الدم.

تسهم اختبارات الأجسام المضادة في ترجيح أو تأكيد تشخيص الإصابة بالسكري من النمط الأول حيث إن وجود هذه الأجسام المضادة يكون موجهاً في الغالب ضد خلايا البنكرياس المسؤولة عن إنتاج الأنسولين أو ضد هرمون الأنسولين نفسه. أما قياس مستوى الببتيد سي فيعكس مدى قدرة البنكرياس المتبقية على إنتاج الأنسولين؛ ويكون هذا المستوى عادةً منخفضا جدًا أو حتى غير قابل للقياس في حالات السكري من النمط الأول، بينما قد يكون ضمن الحدود الطبيعية أو حتى مرتفعاً في المراحل المبكرة من تطور السكري من النمط الثاني. وهذه الفحوصات التي تساعد على التمييز الدقيق بين نمطي السكري توجه مسار الخطة العلاجية بشكل حاسم ومؤثر.

ويكتسب فحص الكشف عن الكيتونات أهمية خاصة لاسيما عند الاشتباه السريري بالإصابة بالنمط الأول من السكري أو إذا كان الطفل يعاني من أعراض حادة كالغثيان والتقيؤ المستمر، لأنه يشير إلى احتمالية تطور حالة الحماض الكيتوني السكري. أما الفحوصات الأخرى فتساعد في تكوين صورة شاملة عن الحالة الصحية العامة للطفل وفي الكشف المبكر عن أي تأثيرات أولية قد يكون المرض قد أحدثها في مختلف أجهزة الجسم. ولا يقتصر دور فحص الكيتونات على الجانب التشخيصي فحسب بل هو أداة حيوية لمراقبة تطور الحالات الحادة والطارئة وتوجيه التدخل العلاجي المناسب لها.

إن الوصول إلى تشخيص دقيق وشامل هو المنطلق الأساسي والخطوة الأولى التي لا غنى عنها نحو تمكين الطفل وأسرته من التعامل بوعي وفعالية مع تحديات داء السكري وتحقيق أفضل النتائج الصحية الممكنة على المدى الطويل.

علاج السكري عند الأطفال - خطة شاملة لإدارة المرض بفعالية

علاج السكري عند الأطفال - خطة شاملة لإدارة المرض بفعالية

إن التدبير العلاجي لداء السكري لدى الأطفال يستهدف بالأساس الحفاظ على مستويات السكر في الدم ضمن النطاقات المنشودة قدر الإمكان؛ وذلك لضمان مسيرة نمو وتطور طبيعية للطفل والحد من وطأة الأعراض والحيلولة دون وقوع المضاعفات سواء كانت حادة أو مزمنة.

ويتطلب النجاح في بلوغ هذه الأهداف تبني خطة علاجية شاملة ومتعددة الأوجه يشرف على وضعها وتنفيذها فريق طبي متخصص ومتكامل يضم في العادة طبيب الغدد الصماء والسكري لدى الأطفال والمثقف الصحي المتخصص في شؤون السكري وأخصائي التغذية العلاجية، وقد تمتد الاستعانة لتشمل الأخصائي النفسي عند الاقتضاء.

وتتباين استراتيجيات العلاج تبايناً كبيراً بين حالات السكري من النوع الأول وحالات السكري من النوع الثاني، كما أنها تخضع لاعتبارات تتعلق بعمر الطفل ونمط حياته اليومي ومدى قدرته على الالتزام بالخطة العلاجية الموضوعة. وإن مشاركة الأهل الفعالة والإيجابية في مسار العلاج إلى جانب تثقيف الطفل بصورة تدريجية ومناسبة لمرحلته العمرية حول طبيعة مرضه ومتطلبات التعايش معه يُعدان عنصرين جوهريين لا غنى عنهما لنجاح الخطة العلاجية وتحقيق أهدافها المنشودة.

علاج سكري الأطفال من النوع الأول

يُعتبر العلاج التعويضي بالأنسولين ضرورة حيوية ومطلقة بالنسبة للأطفال الذين يُشخصون بالإصابة بالسكري من النوع الأول، ويستمر هذا العلاج مدى الحياة نظراً لأن أجسامهم في هذه الحالة تعجز كلياً عن إنتاج هرمون الأنسولين أو لا تنتج منه سوى كميات ضئيلة جداً لا تفي بأدنى احتياجات الجسم. وغاية هذا العلاج هي محاكاة الطريقة الطبيعية التي يعمل بها البنكرياس السليم في إفراز الأنسولين وتنظيم مستويات السكر في الدم، وهو يتمحور بشكل أساسي حول مفهوم "استبدال" وظيفة البنكرياس الحيوية التي فُقدت بسبب المرض.

ويتطلب تحقيق ذلك الوصول إلى موازنة دقيقة ومستمرة بين جرعات الأنسولين التي يتلقاها الطفل وكمية ونوعية الكربوهيدرات التي يتناولها في وجباته الغذائية ومستوى النشاط البدني الذي يبذله، مع ضرورة إجراء مراقبة متواصلة ودقيقة لمستوى السكر في الدم.

ورغم عدم توفر علاج شافٍ بشكل نهائي حتى وقتنا الحاضر للسكري من النوع الأول فإن التطورات الهائلة والمستمرة التي شهدتها مجالات إنتاج أنواع محسنة من الأنسولين وطرق إعطائه للمرضى قد مكّنت الأطفال المصابين به من أن يحيوا حياة صحية إلى حد كبير مفعمة بالنشاط والحيوية.

وتشمل الخيارات المتاحة للعلاج بالأنسولين وطرق إعطائه ما يلي:

  • أنواع الأنسولين المختلفة (والتي تتفاوت في سرعة بدء تأثيرها ومدة استمراره وتشمل: الأنسولين سريع المفعول والأنسولين سريع المفعول، والأنسولين قصير المفعول والأنسولين متوسط المفعول والأنسولين طويل المفعول أو القاعدي).
  • نظام الحقن اليومي المتعدد للأنسولين (والذي يُعرف اختصاراً بـ MDI).
  • استخدام أقلام الأنسولين المصممة لتسهيل عملية الحقن وزيادة دقتها.
  • مضخات الأنسولين التي تُعد خياراً علاجياً متقدماً، بما في ذلك ما يُعرف بأنظمة الحلقة المغلقة الهجينة التي تدمج بين المضخة وجهاز المراقبة المستمرة للجلوكوز.

تشمل أصناف الأنسولين المتوفرة: الأنسولين سريع المفعول (مثل مركبات ليسبرو، وأسبارت، وغلوليزين) الذي يبدأ تأثيره عادةً في غضون دقائق معدودة (حوالي 15 دقيقة) من الحقن ويُعطى في الغالب قبيل تناول الوجبات مباشرة أو حتى بعدها مباشرة في بعض الحالات؛ والأنسولين قصير المفعول (المعروف بالأنسولين العادي أو Regular) الذي يبدأ تأثيره خلال 30 دقيقة تقريباً؛ والأنسولين متوسط المفعول (مثل NPH) الذي يتميز باستمرار تأثيره لفترة أطول نسبيًا؛ والأنسولين طويل المفعول أو القاعدي (مثل مركبات غلارجين، وديتيمير، وديجلوديك) الذي يوفر تغطية لمستوى الأنسولين الأساسي في الجسم لمدة قد تصل إلى 24 ساعة أو حتى أكثر في بعض الأنواع الحديثة.

ويتضمن نظام الحقن اليومي المتعدد (MDI) عادةً حقنة واحدة أو اثنتين من الأنسولين القاعدي (طويل المفعول) يومياً، وذلك لتأمين حاجة الجسم الأساسية من الأنسولين بين الوجبات وخلال الليل، بالإضافة إلى حقن من الأنسولين سريع أو فائق المفعول تُعطى قبل كل وجبة رئيسية لتغطية تأثير الكربوهيدرات المتناولة في تلك الوجبة.

وتوفر أقلام الأنسولين الحديثة طريقة أسهل وأكثر دقة لإعطاء الجرعات مقارنة بالحقن التقليدية باستخدام المحاقن العادية مما يزيد من راحة الطفل ويقلل من ألمه. أما مضخات الأنسولين فهي أجهزة إلكترونية صغيرة الحجم ومبرمجة تقوم بإيصال الأنسولين بشكل مستمر ودقيق تحت الجلد (وذلك لتوفير المستوى القاعدي أو الأساسي من الأنسولين) مع إتاحة إمكانية إعطاء جرعات إضافية (تُعرف بالبلعات أو Bolus) قبل تناول الوجبات أو لتصحيح ارتفاع مستوى السكر.

وبعض المضخات الحديثة تتكامل مع أجهزة المراقبة المستمرة لمستوى الجلوكوز (CGM) لتكوّن ما يُعرف بأنظمة الحلقة المغلقة الهجينة، والتي تقوم بتعديل ضخ الأنسولين تلقائياً وبشكل ذكي بناءً على قراءات مستوى السكر، الأمر الذي يُسهم في تحسين درجة التحكم في السكري بشكل كبير ويقلل من عبء الإدارة اليومية للمرض على الطفل وأسرته.

وقد أحدث هذا التطور التقني نقلة نوعية حقيقية في مجال إدارة السكري من النوع الأول موفراً قدراً أكبر من المرونة والدقة في العلاج، وإن كان الوصول إليه والاستفادة منه قد يكون محدوداً في بعض الأحيان بسبب اعتبارات تتعلق بالتكلفة العالية وصعوبة توفره للجميع في كل مكان.

علاج سكري الأطفال من النوع الثاني

يرتكز علاج السكري من النوع الثاني لدى الأطفال على تبني نهج شامل ومتكامل يبدأ عادةً بإحداث تعديلات جوهرية وإيجابية في نمط الحياة اليومي للطفل وتشمل هذه التعديلات بشكل أساسي اتباع نظام غذائي صحي ومتوازن وزيادة مستوى النشاط البدني الذي يمارسه الطفل بانتظام.

وتُعد هذه التغييرات في نمط الحياة حجر الزاوية في خطة الإدارة طويلة الأمد لهذا النوع من السكري. والهدف الأساسي من ذلك هو تحسين مدى حساسية خلايا الجسم لتأثير الأنسولين ومساعدة البنكرياس على العمل بكفاءة أكبر، أي بعبارة أخرى "تحسين" استجابة خلايا الجسم للأنسولين المتواجد طبيعياً في الجسم وتقليل العبء الواقع على البنكرياس لإفراز المزيد والمزيد منه.

وفي كثير من الحالات تكون هذه التغييرات في نمط الحياة وحدها كافية للسيطرة على المرض وإبقائه تحت التحكم الفعال وبخاصة إذا جرى تشخيص المرض في وقت مبكر وكانت مستويات السكر في الدم غير مرتفعة بشكل حاد. ولكن إذا لم تتحقق الأهداف العلاجية المرجوة من خلال هذه التغييرات بمفردها أو إذا كانت مستويات السكر مرتفعة جداً عند لحظة التشخيص يتم عندئذٍ اللجوء إلى استخدام العلاج الدوائي.

تشمل الخطة العلاجية في العادة العناصر التالية:

  1. إجراء تعديلات جوهرية ومستدامة على نمط الحياة (ويشمل ذلك تبني نظام غذائي صحي والمواظبة على ممارسة التمارين الرياضية بشكل منتظم).
  2. وصف الأدوية الفموية التي تساعد على خفض مستوى سكر الدم (ويأتي في مقدمتها دواء الميتفورمين الذي يُعد في العادة الخط العلاجي الأول).
  3. استخدام أدوية أخرى أُقرت حديثاً نسبياً للاستخدام في فئة الأطفال والمراهقين (مثل ليراجلوتايد، وإمباغليفلوزين، وداباغليفلوزين، وكاناغليفلوزين).
  4. اللجوء إلى العلاج بحقن الأنسولين في بعض الحالات المتقدمة من المرض أو تلك التي لا تستجيب بشكل كافٍ للعلاجات الأخرى أو عند وجود حالة طارئة مثل الحماض الكيتوني.

يُعتبر دواء الميتفورمين (Metformin) هو الدواء الفموي الأول الذي جرت الموافقة عليه وهو الأكثر شيوعاً في الاستخدام لدى الأطفال فوق سن العاشرة المصابين بالسكري من النوع الثاني. ويعمل هذا الدواء بشكل أساسي على تقليل كمية الجلوكوز التي ينتجها الكبد وعلى زيادة مدى حساسية خلايا الجسم الطرفية لتأثير الأنسولين. ومؤخراً تمت الموافقة على استخدام أدوية أخرى في علاج الأطفال مثل دواء الليراجلوتايد (Liraglutide - والذي يُعرف تجاريًا باسم Victoza) وهو ينتمي إلى فئة الأدوية المعروفة بمحفزات مستقبلات GLP-1 ويُعطى عن طريق الحقن تحت الجلد وقد أُقر استخدامه للأطفال من عمر 10 سنوات فأكثر.

كذلك جرت الموافقة على استخدام بعض الأدوية التي تنتمي إلى فئة مثبطات SGLT2 مثل إمباغليفلوزين (Empagliflozin - والذي يُعرف تجارياً باسم Jardiance)، وداباغليفلوزين (Dapagliflozin - والذي يُعرف تجاريًا باسم Farxiga)، وكاناغليفلوزين (Canagliflozin - والذي يُعرف تجاريًا باسم Invokana)، وذلك للأطفال من عمر 10 سنوات فأكثر. وتعمل هذه الأدوية عن طريق زيادة معدل إطراح (أي إخراج) الجلوكوز الزائد من الجسم عن طريق البول.

وهناك أدوية أخرى مثل إرتوغليفلوزين (Ertugliflozin) وبيكساغليفلوزين (Bexagliflozin) لا تزال قيد الدراسة والتجارب السريرية أو لم تُعتمد بعد بشكل واسع النطاق للاستخدام الروتيني في علاج الأطفال. وقد يتم اللجوء إلى استخدام الأنسولين إذا كانت مستويات السكر مرتفعة جداً عند لحظة التشخيص الأولي أو في حالة حدوث الحماض الكيتوني السكري (وهو وإن كان أقل شيوعاً في النوع الثاني مقارنة بالنوع الأول إلا أنه يبقى احتمالاً قائما)، أو إذا لم تنجح الأدوية الأخرى في تحقيق مستوى التحكم المطلوب في سكر الدم.

وتعكس هذه الموافقات المتزايدة على أدوية جديدة الحاجة الماسة إلى توفير خيارات علاجية متنوعة وفعالة تتجاوز دواء الميتفورمين التقليدي ولكن استخدام هذه الأدوية الحديثة يتطلب مراقبة دقيقة ومتابعة حثيثة للآثار الجانبية المحتملة التي قد تظهر لدى فئة الأطفال.

الأدوية (غير الأنسولين) المعتمدة من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) لعلاج سكري الأطفال من النوع الثاني
اسم الدواء (العلمي/التجاري الشائع) آلية العمل الرئيسية العمر المعتمد من FDA
ميتفورمين (Metformin / Glucophage) يقلل إنتاج الجلوكوز بالكبد ويزيد حساسية الأنسولين 10 سنوات فأكثر
ليراجلوتايد (Liraglutide / Victoza) محفز لمستقبلات GLP-1 (يزيد إفراز الأنسولين المعتمد على الجلوكوز) 10 سنوات فأكثر
إمباغليفلوزين (Empagliflozin / Jardiance) مثبط SGLT2 (يزيد إطراح الجلوكوز في البول) 10 سنوات فأكثر
داباغليفلوزين (Dapagliflozin / Farxiga) مثبط SGLT2 (يزيد أيضاً إطراح الجلوكوز في البول) 10 سنوات فأكثر
كاناغليفلوزين (Canagliflozin / Invokana) مثبط SGLT2 (يزيد إطراح الجلوكوز في البول) 10 سنوات فأكثر

أهمية المراقبة الدورية لمستوى السكر في الدم: كيف ومتى؟

إن الرصد المنتظم لمستوى الجلوكوز في دم الأطفال المصابين بالسكري سواء كانوا من النوع الأول أو الثاني هو دعامة أساسية لا يمكن الاستغناء عنها في صرح الخطة العلاجية المتكاملة. فمن خلال هذه المتابعة الحثيثة تتجلى جملة من الأهداف الحيوية أبرزها تقييم مدى نجاعة النهج العلاجي المتبع والإسهام في ضبط جرعات الأنسولين أو الأدوية الأخرى بدقة وتمكين الأسرة والفريق الطبي من اتخاذ قرارات واعية فيما يتصل بالنظام الغذائي للطفل ومستوى نشاطه البدني بالإضافة إلى التمكن من رصد أي تقلبات حادة في سكر الدم ارتفاعاً كانت أم انخفاضاً وذلك في مهدها وقبل أن تستفحل لتؤدي إلى مضاعفات قد يصعب تداركها.

وتجدر الإشارة إلى أن إيقاع هذه المراقبة ومدى تواترها ليسا بالأمر الثابت بل يتباينان بصورة كبيرة استناداً إلى جملة من العوامل منها نمط السكري الذي يعاني منه الطفل والبروتوكول العلاجي المعتمد لحالته ومرحلته العمرية ومستوى نشاطه البدني المعتاد ووضعه الصحي العام. لذا فإن وضع جدول دقيق للمراقبة هو مسؤولية مشتركة يتم تحديدها بالتشاور الوثيق والمستمر مع الفريق الطبي المشرف. ومن أبرز السبل المتاحة لرصد مستوى سكر الدم ما يلي:

  • أجهزة قياس السكر المنزلية التقليدية (عن طريق وخز الإصبع)
  • أجهزة المراقبة المستمرة لمستوى الجلوكوز في الدم (Continuous Glucose Monitoring - CGM)

تقوم آلية عمل أجهزة القياس التقليدية على وخز بسيط في طرف الإصبع بغية الحصول على نقطة دم صغيرة وتُوضع هذه النقطة بعناية على شريط اختبار مخصص ليتولى الجهاز بعد ذلك قراءة نسبة الجلوكوز فيها. ويوصي الأطباء عادةً بإجراء هذا القياس في أوقات محددة كأن يكون ذلك قبيل تناول الوجبات الرئيسية وقبل الخلود إلى النوم وفي بعض الأحيان بعد مرور ساعتين من تناول الطعام (لمعرفة تأثير الوجبة) وكذلك قبل الشروع في ممارسة أي نشاط بدني وبعد الانتهاء منه وعند الإحساس بأي أعراض قد تشير إلى حدوث ارتفاع أو انخفاض في مستوى السكر.

أما أجهزة المراقبة المستمرة للجلوكوز (CGM) فتمثل نقلة نوعية في هذا المجال إذ تعتمد على مستشعر دقيق وصغير الحجم يُزرع برفق تحت سطح الجلد ليقوم هذا المستشعر برصد مستوى الجلوكوز في السائل الخلالي المحيط بالخلايا بصورة متواصلة (بمعدل قراءة كل عدة دقائق)، ومن ثم يبث هذه القراءات لاسلكياً إلى جهاز استقبال مخصص أو إلى تطبيق على هاتف ذكي.

وتمنح هذه التقنية المتطورة المستخدمين إطلالة بانورامية شاملة على مسارات السكر وتقلباته الدقيقة على امتداد ساعات اليوم، كما تزودهم بتنبيهات فورية عند حدوث أي ارتفاع أو انخفاض قد يستدعي التدخل، الأمر الذي يسهم إسهاماً فاعلاً في إحكام السيطرة على داء السكري وفي تقليل عدد مرات الوخز المؤلم للإصبع.

ولقد أكدت العديد من الدراسات البحثية الفوائد الجمة التي تعود بها هذه الأجهزة على الأطفال المصابين بالسكري. فالمراقبة المستمرة تتجاوز كونها مجرد أداة للقياس لتصبح وسيلة تعليمية وتمكينية فعالة، إذ أنّها توفر للطفل وأسرته رؤى مباشرة وفورية حول كيفية تأثير العوامل المختلفة – كالغذاء والنشاط البدني والتوتر – على مستويات السكر مما يعمق من فهم الطفل لطبيعة حالته ويعزز من دوره الإيجابي ومشاركته الفاعلة في إدارة شؤونها.

إن مسيرة التحكم الفعال في داء السكري عند الأطفال هي رحلة طويلة ومتواصلة تستلزم قدراً كبيراً من الالتزام الراسخ وتضافراً للجهود بين الطفل وأسرته والفريق الطبي المعالج، مع الحرص على توظيف كل ما هو متاح من أدوات وتقنيات حديثة بغية الوصول إلى أقصى درجات الاستقرار الصحي وتحقيق أفضل نوعية ممكنة للحياة.

التعامل مع مضاعفات السكري الحادة لدى الأطفال

إن التعايش مع داء السكري لدى الأطفال يفرض تحدياً متواصلاً ويستلزم درجة عالية من اليقظة والاستعداد الدائم لمواجهة بعض الحالات الطارئة التي تنجم عن التقلبات الحادة في مستوى السكر بالدم. هذه الحالات التي تُعرف طبياً بالمضاعفات الحادة تقتضي تدخلاً علاجياً سريعاً وحاسماً لتفادي وقوع عواقب وخيمة تهدد صحة الطفل وسلامته.

وإن تزويد الأهل والطفل (بما يتناسب مع مرحلته العمرية وقدرته على الاستيعاب) بالمعرفة اللازمة حول العلامات المنذرة بهذه المضاعفات وبكيفية إجراء الإسعافات الأولية المناسبة لها بالإضافة إلى وضع خطة طوارئ واضحة ومفصلة بالتعاون الوثيق مع الفريق الطبي المعالج هو بمثابة خط الدفاع الأول والرئيسي لحماية الطفل من مخاطر هذه الحالات الطارئة.

نقص سكر الدم (الهبوط أو الهيپوجلايسيميا)

يُعتبر نقص سكر الدم - المعروف أيضاً بحالة الهبوط أو الهيپوجلايسيميا - أحد أكثر المضاعفات الحادة التي قد تعترض مسيرة الأطفال المصابين بالسكري وبصفة أخص أولئك الذين يعتمد علاجهم على حقن الأنسولين أو يتناولون أنواعاً معينة من الأدوية الفموية التي تهدف إلى خفض مستوى السكر. وتنشأ هذه الحالة عندما يهبط مستوى الجلوكوز في مجرى الدم إلى درجة يعجز معها عن إمداد خلايا الدماغ وبقية أنسجة الجسم بحاجتها الضرورية من الطاقة.

ومن الأهمية بمكان إدراك أن نوبات نقص السكر قد تحمل في طياتها خطورة بالغة إذا لم يُسارع إلى علاجها بفعالية وسرعة وقد تتفاقم في بعض الحالات الشديدة لتؤدي إلى فقدان الوعي أو حتى حدوث نوبات تشنجية. لذا فإن القدرة على تمييز أعراض هذا الهبوط في مراحلها المبكرة والإلمام بكيفية التصرف السليم والسريع حياله هما أمران يكتسبان أهمية قصوى.

وتشمل قائمة الأعراض التي قد تظهر على الطفل عند هبوط مستوى السكر في دمه ما يلي:

  • الإحساس بالرجفة أو الارتعاش وقد يصاحبه تعرق بارد وشعور بالبرودة.
  • الشعور بنوبة جوع شديدة ومفاجئة.
  • ظهور شحوب واضح في لون بشرة الوجه.
  • التهيج الملحوظ أو حدوث تقلبات سريعة في المزاج أو نوبات من البكاء غير المبرر أو العصبية الزائدة.
  • صعوبة في القدرة على التركيز والشعور بالتشوش الذهني وعدم وضوح الأفكار.
  • الإحساس بالدوخة أو عدم الاتزان في المشي أو الشعور بالوهن والضعف العام.
  • تسارع في نبضات القلب أو الإحساس بخفقانه بقوة.
  • تشوش في الرؤية أو ازدواجها.
  • وفي الحالات المتقدمة والشديدة قد يصل الأمر إلى فقدان الوعي أو حدوث تشنجات عصبية.

تتعدد العوامل والأسباب التي قد تؤدي إلى حدوث نوبة نقص السكر لدى الطفل ومن أبرزها تناول جرعة أنسولين تفوق الجرعة المقررة أو حاجة الجسم الفعلية أو إغفال وجبة طعام رئيسية أو تأخير موعدها بشكل كبير أو عدم تناول كمية كافية من الكربوهيدرات في الوجبات أو بذل مجهود بدني عنيف أو أكثر من المعتاد دون إجراء التعديل اللازم على جرعة الأنسولين أو دون تناول وجبة خفيفة إضافية لتعويض الطاقة المستهلكة.

ومن الجدير بالذكر أن الخوف المفرط لدى بعض الأسر أو الأطفال من احتمالية حدوث نوبات الهبوط قد يدفعهم أحياناً إلى تقليل جرعات الأنسولين بشكل كبير وغير مدروس، الأمر الذي يزيد بالمقابل من خطر ارتفاع مستوى السكر واحتمالية حدوث مضاعفات أخرى كالحماض الكيتوني والعكس صحيح، وهو ما يؤكد على الأهمية القصوى للتثقيف الصحي المتوازن والشامل حول إدارة المرض بكافة جوانبه.

عند ظهور أي من أعراض نقص السكر يجب المسارعة بقياس مستوى السكر في الدم فوراً إن كان ذلك متاحاً. فإذا أظهر القياس انخفاضاً في مستوى السكر (عادةً ما يكون أقل من 70 ملغم/ديسيلتر أو حسب المستوى الذي يحدده الطبيب المعالج كحد أدنى آمن لكل طفل على حدة) يتوجب عندئذٍ إعطاء الطفل مصدراً سريع المفعول للسكر (ما يعادل حوالي 15 غراماً من الكربوهيدرات البسيطة سهلة الامتصاص) مثل نصف كوب من عصير الفاكهة المحلى أو من 3 إلى 4 أقراص من الجلوكوز المخصصة لهذا الغرض أو ملعقة كبيرة من السكر أو العسل.

ويجب الحرص على إعادة فحص مستوى السكر بعد مرور 15 دقيقة تقريباً من تناول هذه الجرعة السكرية مع تكرار إعطاء نفس الكمية إذا لم يرتفع مستوى السكر بشكل كافٍ (وذلك وفقاً لما يُعرف بـ"قاعدة 15-15" العلاجية). أما في حالات نقص السكر الشديد التي يصاحبها فقدان للوعي أو عدم قدرة الطفل على البلع فيجب الامتناع تماماً عن محاولة إعطاء أي شيء للطفل عن طريق الفم بل يجب في هذه الحالة الحرجة حقن الطفل بحقنة الجلوكاجون (إذا كانت متوفرة لدى الأسرة وتم تدريبهم مسبقاً على كيفية استخدامها بشكل صحيح) والاتصال بخدمات الإسعاف على الفور لنقل الطفل إلى أقرب مركز طبي.

الحماض الكيتوني السكري (Diabetic Ketoacidosis - DKA)

يُصنف الحماض الكيتوني السكري (المعروف اختصاراً بـ DKA) ضمن دائرة المضاعفات الحادة الأشد خطورة لداء السكري وتزداد وتيرة حدوثه بصورة ملحوظة لدى المصابين بالسكري من النوع الأول لاسيما عند الكشف عن المرض لأول مرة أو في سياق إغفال الالتزام بالعلاج بالأنسولين أو تلقي جرعات غير وافية منه. ورغم ندرة وقوعه نسبياً فإنه قد يباغت أيضاً المصابين بالسكري من النوع الثاني.

تكمن آلية نشوء الحماض الكيتوني في حدوث عوز شديد في هرمون الأنسولين، الأمر الذي يَحُول دون قدرة خلايا الجسم على استغلال الجلوكوز كمصدر رئيسي للطاقة. وكنتيجة حتمية لهذا القصور يلجأ الجسم إلى مسار بديل يتمثل في تحطيم مخزونه من الدهون بمعدلات متسارعة لتوليد الطاقة وهي عملية تُسفر عن تراكم نواتج أيضية حمضية تُعرف بالأجسام الكيتونية سواء في مجرى الدم أو في البول. وهذا التكدس للأجسام الكيتونية هو ما يُغير كيمياء الدم جاعلاً إياه حمضياً بدرجة خطيرة مما يلقي بظلاله الوخيمة على كفاءة وظائف الأعضاء الحيوية في الجسم.

وفيما يلي استعراض لأبرز العلامات التحذيرية التي تنذر بوشوك حدوث هذه الحالة الحرجة:

  • العطش الشديد وجفاف الفم بصورة ملحوظة.
  • كثرة التبول بكميات كبيرة.
  • الغثيان والقيء المستمر وآلام في البطن.
  • رائحة نفس مميزة تشبه رائحة الفاكهة أو الأسيتون.
  • تنفس سريع وعميق (يُعرف بتنفس كوسماول).
  • التشوش الذهني والخمول الشديد والنعاس الذي قد يتطور إلى فقدان الوعي.
  • ارتفاع مستوى السكر في الدم (عادةً أعلى من 250 ملغم/ديسيلتر) ووجود كيتونات في الدم أو البول.

وتتعدد العوامل التي قد تُفضي إلى نشوء حالة الحماض الكيتوني، ومن أبرزها التقصير في أخذ جرعات الأنسولين المقررة أو تلقي جرعات أقل من الحاجة الفعلية للجسم أو حدوث أي خلل أو توقف في عمل مضخة الأنسولين لمن يستخدمونها. يُضاف إلى ذلك الإصابة بأمراض حادة كالالتهابات أو العدوى المختلفة والتي تزيد من متطلبات الجسم من الأنسولين أو التعرض لضغوط نفسية أو إجهاد جسدي بالغ.

ومن الجدير بالذكر أن الحماض الكيتوني غالباً ما يكون هو الشرارة الأولى التي تكشف عن الإصابة بالسكري من النوع الأول لدى شريحة لا يُستهان بها من الأطفال الذين لم يسبق تشخيصهم بالمرض، الأمر الذي يؤكد على الأهمية القصوى لليقظة تجاه الأعراض المنذرة المبكرة.

لذا يتوجب على الأهل اكتساب المعرفة والمهارة اللازمتين لفحص مستوى الكيتونات سواء في البول أو في الدم وذلك باستخدام الشرائط الاختبارية المخصصة لهذا الغرض. وينبغي إجراء هذا الفحص بانتظام في حالات معينة كاستمرار ارتفاع مستوى سكر الدم لفترات طويلة أو عند تعرض الطفل لأي وعكة صحية أو مرض.

وفي حال كشف الفحص عن وجود مستويات مرتفعة من الكيتونات فإن الأمر يستدعي التواصل الفوري مع الطبيب المعالج أو التوجه مباشرة إلى أقرب قسم للطوارئ دون أي إبطاء. ذلك أن حالة الحماض الكيتوني السكري تستلزم تدخلاً علاجياً عاجلاً ومكثفاً داخل المستشفى يرتكز عادةً على إعطاء السوائل عن طريق الوريد لتعويض الجفاف وضبط مستوى الأنسولين بدقة عبر الحقن الوريدي بالإضافة إلى تصحيح أي اضطرابات قد تطرأ على توازن الشوارد الحيوية في الجسم (كعنصر البوتاسيوم على سبيل المثال)، وكل ذلك يتم تحت مراقبة طبية لصيقة وإشراف متخصص.

متلازمة فرط الأسمولية مع ارتفاع سكر الدم (Hyperosmolar Hyperglycemic State - HHS)

تُضاف متلازمة فرط الأسمولية المصحوبة بارتفاع سكر الدم (المعروفة اختصارًا بـ HHS) إلى قائمة المضاعفات الحادة والخطيرة لداء السكري. وترتبط هذه الحالة على نحو أوثق بالسكري من النوع الثاني وبصفة أخص لدى فئة كبار السن، غير أن وقوعها يظل محتملاً وإن كان أقل شيوعاً بكثير مقارنة بالحماض الكيتوني، بين الأطفال والمراهقين الذين يعانون من النمط الثاني للسكري.

تتسم هذه الحالة بسماتٍ فارقة أبرزها تصاعدٌ حادٌّ وبالغٌ في مستويات سكر الدم غالباً ما يفوق بكثير تلك المستويات المسجلة في حالات الحماض الكيتوني، وهو ما يُفضي بدوره إلى ارتفاع ملحوظ في أسمولية الدم (أي درجة تركيز المواد المنحلة فيه) ويُصاحبه جفاف قاسٍ يُنهك البدن.

وخلافًا لما يحدث في الحماض الكيتوني فإن إنتاج الأجسام الكيتونية في سياق هذه المتلازمة عادةً ما يكون ضئيلاً أو حتى منعدماً ويُعزى ذلك إلى أن الجسم يظل قادراً على إفراز قدر يسير من الأنسولين يكبح جماح التحلل المفرط للدهون، بيد أن هذا القدر الضئيل لا يقوى على كبح جماح الارتفاع المهول في مستوى سكر الدم.

وتتجسد المظاهر السريرية لهذه الحالة المهددة للحياة في طائفة من الأعراض والعلامات من أبرزها ما يلي:

  • فرط بالغ في مستوى سكر الدم (يتجاوز غالباً 600 ملغم/ديسيلتر).
  • جفاف حاد يعم الجسم يترافق مع عطش مفرط وجفاف ملحوظ في الأغشية المخاطية.
  • اضطراباتٌ واضحة في الوعي والحالة الذهنية كالتشوش الذهني الحاد أو الهذيان والهلاوس أو الميل المفرط للنعاس الذي قد يتفاقم ليصل إلى درجات متفاوتة من الغيبوبة.
  • وهن جسدي قد يصل إلى حد الشلل في أحد شقي الجسم أو حدوث نوبات تشنجية.
  • انعدام الأجسام الكيتونية في البول أو الدم أو وجودها بكميات ضئيلة لا تُذكر.
  • غزارة في التبول في المراحل الأولى للحالة تعقبها ندرة في كمية البول أو انقطاعه مع اشتداد وطأة الجفاف.

غالباً ما تكمن جذور متلازمة فرط الأسمولية في مجموعة من العوامل المحفزة من بينها وجود عدوى غير ظاهرة (كالتهاب الرئة أو التهابات المسالك البولية) أو الانقطاع عن تعاطي أدوية السكري الموصوفة أو استخدام بعض العقاقير التي تتسبب في ارتفاع منسوب سكر الدم أو إهمال شرب مقدار وافٍ من السوائل وبصفة أخص عند معاناة المريض من اعتلال صحي آخر يصاحب السكري.

وتُبرهن هذه الطائفة من المسببات على أن السكري من النوع الثاني لدى الأطفال على الرغم من طبيعته المختلفة عن النوع الأول قد يتخذ منحى حاداً وينجم عنه مضاعفات خطيرة لاسيما إذا ما تضافرت معه عوامل إضافية تزيد من إجهاد الجسم وهو ما يفرض ضرورة التيقظ التام للمخاطر الحادة التي قد تتربص بهؤلاء الأطفال.

وتستلزم هذه الحالة الحرجة تدخلا علاجياً إسعافياً في المستشفى لا يحتمل التأخير حيث ينصب التركيز على محاور علاجية متعددة تبدأ بإعطاء كميات وفيرة من السوائل عبر الوريد لتعويض النقص الحاد في سوائل الجسم ومكافحة الجفاف الشديد، ويتزامن ذلك مع العمل على تصحيح مستوى السكر في الدم بصورة متدرجة وحذرة باستخدام الأنسولين مع المراقبة الدقيقة لمستويات الشوارد في الجسم وتعديل أي اختلال يطرأ عليها بالإضافة إلى السعي الحثيث لعلاج أي مسبب أساسي أفضى إلى نشوء هذه الحالة.

وانطلاقاً من كون العدوى تُعد من المحفزات المتكررة لكلتا حالتي الحماض الكيتوني ومتلازمة فرط الأسمولية تبرز بجلاء الأهمية القصوى لوجود "خطة أيام المرض" يُلم بها كل مريض بالسكري وأسرته.

وخلاصة القول أن التسلح بالوعي التام بطبيعة هذه المضاعفات الحادة ومخاطرها والمواظبة الصارمة على اتباع الخطة العلاجية المقررة والحرص على المراقبة الدقيقة والمستمرة لمؤشرات الجسم الحيوية والتواصل الدائم والفعال مع الفريق الطبي المشرف كل هذه مجتمعةً هي الدعائم الأمتن والسبل الأنجع للوقاية من هذه المخاطر وضمان سلامة الطفل الذي يتعايش مع داء السكري.

المضاعفات المزمنة للسكري عند الأطفال - كيف نحمي أطفالنا على المدى الطويل؟

المضاعفات المزمنة للسكري عند الأطفال - كيف نحمي أطفالنا على المدى الطويل؟

إن السعي الدؤوب لضبط مستوى السكر في دم الأطفال المصابين بداء السكري وإن كان يفرض تحدياً يومياً على كاهلهم وكاهل أسرهم فإنه ينطوي على غاية أسمى تتخطى مجرد التحكم في الأعراض الآنية للحالة؛ ألا وهي درء خطر المضاعفات المزمنة التي قد تطل برأسها على الأمد البعيد. فهذه المضاعفات على الرغم من تطورها المتدرج الذي قد يستغرق سنوات إلا أنها قادرة على أن تلقي بظلال وخيمة على جودة حياة الطفل وتؤثر تأثيراً بالغاً في مستقبله الصحي ما لم تُتخذ التدابير الوقائية الضرورية منذ اللحظات الأولى لتأكيد التشخيص.

فالواقع أن بقاء مستوى السكر في الدم مرتفعاً بصورة متواصلة ولفترات زمنية ممتدة مع مرور الوقت يُلحق أضراراً تدريجية بالغة بالشبكة المعقدة للأوعية الدموية سواء الدقيقة منها أو الكبيرة، كما لا تسلم الأعصاب من هذا التأثير الضار وهو ما يُفسح المجال أمام بزوغ هذه التداعيات المرضية في مختلف أجهزة الجسم وأعضائه. غير أن بصيص الأمل يظل قائماً؛ إذ إن السيطرة المحكمة والمتواصلة على مستوى السكر مقترنةً بالضبط الحازم لعوامل الاختطار الأخرى كفرط ضغط الدم واضطراب مستويات الدهون كفيلة بأن تحد بشكل ملموس من احتمالية نشوء هذه المضاعفات أو أن ترجئ ظهورها لسنوات طوال.

تأثير السكري على صحة القلب والأوعية الدموية لدى الأطفال

يُلقي داء السكري سواء كان من النمط الأول أم الثاني بظلاله على صحة الطفل المستقبلية إذ يرفع من احتمالية تعرضه لمجموعة من أمراض القلب والأوعية الدموية. وتشمل هذه المخاطر المتزايدة قابلية أشد للإصابة بتصلب الشرايين وارتفاع ضغط الدم واعتلالات الشريان التاجي، فضلاً عن النوبات القلبية والسكتات الدماغية التي قد تباغته في مراحل متقدمة من عمره.

والجدير بالانتباه أن بذور هذه المخاطر تبدأ في الإنبات منذ سنوات الطفولة المبكرة؛ إذ إن الارتفاع المتواصل والمزمن في مستوى سكر الدم يُلحق ضرراً تدريجياً بالبطانة الرقيقة المبطنة للأوعية الدموية ويسهم في الوقت ذاته في ترسيب وتراكم المواد الدهنية (المعروفة باللويحات العصيدية) على جدرانها الداخلية. ولا يقتصر هذا الأذى الوعائي على الشرايين والأوردة الكبيرة فحسب بل يمتد تأثيره ليشمل الشعيرات الدموية الدقيقة بما في ذلك تلك التي تتولى مهمة إمداد عضلة القلب ذاتها بالتروية الدموية الحيوية.

وانطلاقاً من هذه الحقائق فإن تبني استراتيجية وقائية شاملة منذ نعومة أظفار الطفل يُعد أمراً بالغ الأهمية لدرء هذه المخاطر المستقبلية أو الحد من شدتها. وترتكز هذه الاستراتيجية على دعائم عدة يأتي في طليعتها: الضبط المحكم والمستمر لمستوى السكر في الدم، والحرص على المحافظة على وزن صحي ومثالي، وتشجيع الطفل على ممارسة الأنشطة البدنية بانتظام، وتوعيته بأهمية اتباع نظام غذائي متوازن يفتقر إلى الدهون المشبعة الضارة ويُعنى بمستويات الكوليسترول، بالإضافة إلى المتابعة الدورية لمؤشرات ضغط الدم ومستويات الدهون في الجسم. فهذه الإجراءات مجتمعة هي السبيل الأنجع لتقليص حجم هذا الخطر الصحي على امتداد حياة الطفل.

اعتلال الكلى السكري

تُعتبر الكلى من بين الأعضاء الحيوية في الجسم التي تبدي حساسية خاصة وتأثراً بالغاً إزاء الارتفاع المزمن والمستمر في مستويات سكر الدم. ويطلق على الضرر الذي يستهدف الكلى جراء داء السكري مصطلح "اعتلال الكلى السكري" (Diabetic Nephropathy) وهو اعتلال يندرج ضمن الأسباب الجوهرية المؤدية إلى حالات الفشل الكلوي المزمن المنتشرة في مختلف أرجاء المعمورة.

إن فرط السكر المتواصل في الدم يُلحق أذىً بالوحدات الوظيفية الدقيقة داخل الكلى والمعروفة باسم "الكبيبات" (Glomeruli) وهي التراكيب المنوط بها مهمة تنقية الدم من الفضلات والمواد الزائدة. وبمرور الزمن واستمرار هذا التأثير الضار تتقهقر قدرة الكلى على أداء وظيفتها الترشيحية بالكفاءة المعهودة، الأمر الذي يتجلى في تسرب جزيئات البروتين (وبالأخص بروتين الألبومين) إلى البول وهو ما يُعد من المؤشرات الأولية التي تنبه إلى بدء اعتلال الكلى.

وفي حال إهمال السيطرة على هذه الحالة أو التقاعس عن تدبيرها بفعالية فإن مسار الاعتلال قد يتفاقم ليبلغ مرحلة الفشل الكلوي وهي حالة حرجة تستوجب اللجوء إلى علاجات معقدة كغسيل الكلى الدوري أو حتى إجراء عملية زراعة كلى جديدة.

ومن هنا فإن درء هذا المصير يبدأ باتخاذ تدابير وقائية حاسمة في طليعتها الضبط المحكم لمستويات السكر في الدم ومراقبة ضغط الدم بدقة بالإضافة إلى الالتزام بإجراء فحوصات دورية منتظمة للبول (بهدف الكشف المبكر عن أي تسرب لبروتين الألبومين) وللدم (لتقييم مدى كفاءة وظائف الكلى) وذلك وفقاً لما يرتئيه ويقرره الطبيب المعالج.

اعتلال الشبكية السكري

يُدرج اعتلال الشبكية السكري (المعروف بـ Diabetic Retinopathy) ضمن قائمة المضاعفات واسعة الانتشار لداء السكري، بل إنه يتبوأ مكانة السبب الأبرز لفقدان القدرة على الإبصار بين فئة البالغين الذين هم في أوج عطائهم المهني. ومما يزيد الأمر خطورة أن بذور هذا الاعتلال قد تبدأ في التكون خلال سنوات الطفولة أو المراهقة، وذلك إذا لم يُحكم زمام السيطرة على مستويات السكري بالشكل المطلوب.

ينشأ هذا الاعتلال البصري الخطير جراء الأذى الذي يلحق بالشبكة المتشعبة من الأوعية الدموية الشعرية الدقيقة التي تضطلع بمهمة تغذية شبكية العين، ويكون المسبب الرئيسي لهذا الأذى هو الارتفاع المتواصل والمزمن في منسوب سكر الدم. وهذا التلف الوعائي قد يُفضي بدوره إلى سلسلة من التغيرات المرضية كانسكاب الدم (النزيف) أو ارتشاح السوائل في أنسجة الشبكية أو حتى تحفيز نمو شعيرات دموية جديدة تتسم بكونها شاذة في تركيبها وهشة في بنيانها، وكل ذلك يلقي بظلاله السلبية على كفاءة الإبصار مؤثراً فيها بصورة تدريجية ومتنامية.

ومن الملاحظ أن هذا الاعتلال قد يتسلل خلسة في أطواره الأولى دون أن يبدي أعراضاً جلية تستدعي الانتباه، وهو ما يجعل من الفحص الدوري المنتظم لقاع العين الذي يجريه طبيب العيون المختص (عادةً بوتيرة سنوية أو كل عامين وذلك بعد انقضاء بضع سنوات على تشخيص السكري ووفقاً لما يرتئيه الطبيب المعالج وبحسب نمط السكري لدى الطفل) ضرورة قصوى لا غنى عنها.

فهذا الفحص الاستقصائي هو السبيل الأمثل للكشف المبكر عن أي تغيرات مرضية في مهدها والشروع في التدخل العلاجي قبل أن يستفحل الضرر ويصبح عصياً على التدارك مما يحفظ للطفل بصره. ومما لا شك فيه أن الضبط المحكم لمستويات سكر الدم والمحافظة على ضغط دم طبيعي يؤديان دوراً حاسماً في تقليص احتمالات تطور اعتلال الشبكية السكري أو تفاقمه بشكل كبير.

اعتلال الأعصاب السكري

يُدرج اعتلال الأعصاب السكري (Diabetic Neuropathy) ضمن قائمة المضاعفات واسعة الانتشار لداء السكري وهو ينشأ بصورة أساسية جراء الأذى الذي يلحق بالألياف العصبية نتيجة للارتفاع المتواصل في مستويات سكر الدم على مدى فترات زمنية ممتدة. ومن شأن هذا التلف العصبي أن يلقي بظلاله على طيف واسع من الأعصاب الموزعة في مختلف أنحاء الجسم.

ويُعداعتلال الأعصاب الطرفية النمط الأكثر وقوعاً لهذا الاعتلال حيث يستهدف عادةً في مراحله الأولى أعصاب القدمين والساقين ليمتد تأثيره لاحقاً إلى أعصاب اليدين والذراعين. وتتضمن قائمة أعراضه الشائعة الإحساس بالوخز أو الخدر (التنميل) أو الشعور بألم حارق أو حتى فقدان القدرة على الإحساس في الأطراف المصابة.

وفي المقابل فإن اعتلال الأعصاب الذاتية يوجه تأثيره نحو الأعصاب المنظمة للوظائف الجسدية اللاإرادية كعمليات الهضم وتنظيم معدل نبضات القلب وضبط مستويات ضغط الدم والتحكم في وظيفة المثانة البولية فضلاً عن الوظائف الجنسية.

ويظل الضبط المحكم والمستدام لمستوى السكر في الدم هو حجر الزاوية في استراتيجية الوقاية من اعتلال الأعصاب السكري أو على الأقل كبح جماح تطوره. وإلى جانب ذلك فإن إجراء الفحص الدوري والمنظم للقدمين وتقييم مدى الإحساس بهما مع التيقظ لأي أعراض مستجدة قد تطرأ، يُعد من التدابير الحيوية التي تكفل الكشف المبكر عن المشكلة وتمهد الطريق للتدخل العلاجي الملائم في الوقت المناسب.

مشاكل القدمين والجلد والفم المرتبطة بالسكري لدى الأطفال

لا تقتصر تأثيرات داء السكري على أجهزة الجسم الداخلية فحسب بل قد تمتد لتزيد من احتمالية ظهور مجموعة من المشكلات الصحية التي تطال القدمين والجلد والفم لدى الأطفال المصابين. فاعتلال الأعصاب الطرفية قد يُفقد الطفل الإحساس في قدميه، الأمر الذي يجعله أقل تنبهاً للجروح أو الفقاعات الجلدية أو حتى الإصابات الطفيفة التي قد لا يلقي لها بالاً، وهذه بدورها قد تستفحل لتتحول إلى تقرحات عميقة وخطيرة لاسيما إذا لم تلقَ العناية المناسبة وفي الوقت الملائم، ويتفاقم هذا الخطر عادةً في ظل ضعف الدورة الدموية الذي قد يكون مصاحبًا لحالة السكري.

كما يُلاحظ أن الأطفال المصابين بداء السكري يكونون أكثر قابلية من غيرهم للإصابة ببعض الاعتلالات الجلدية كجفاف البشرة والالتهابات الناجمة عن الفطريات أو البكتيريا. وفيما يتصل بصحة الفم والأسنان فإن داء السكري يرفع أيضاً من درجة الاستعداد للإصابة بأمراض اللثة المتنوعة (بما في ذلك التهاب اللثة ومرض دواعم السن)، فضلاً عن زيادة احتمالية حدوث تسوس الأسنان ويتعاظم هذا الخطر بوجه خاص إذا لم يُضبط مستوى السكر في الدم بشكل دقيق ومستمر.

وانطلاقًا مما سبق يكتسب تثقيف الطفل وتوعية أسرته بأهمية الالتزام بروتين عناية يومي شامل أهمية قصوى، ويشمل هذا الروتين: 

  1. الفحص الذاتي الدقيق للقدمين والمحافظة على نظافتهما وترطيبهما.
  2. الحرص على انتقاء أحذية ملائمة ومريحة.
  3. العناية بنظافة الجلد بشكل عام.
  4. الاهتمام الفائق بصحة الفم والأسنان.
  5. الانتظام في زيارة طبيب الأسنان لإجراء الفحوصات الوقائية والعلاجية اللازمة.

الفحوصات الدورية للكشف المبكر عن المضاعفات المزمنة

تكتسب الفحوصات التفقدية التي تُجرى على نحو دوري ومنتظم أهمية بالغة ضمن الاستراتيجية الشاملة لتدبير داء السكري لدى الأطفال، إذ تُعنى بالدرجة الأولى بالتقاط أي مؤشرات أولية تنذر ببدء تطور المضاعفات المزمنة. ويتيح هذا النهج الاستباقي الفرصة للتدخل العلاجي في التوقيت الأمثل، مما يحول دون استفحال تلك المضاعفات أو يحد من تفاقمها.

ومن الجدير بالذكر أن طبيعة هذه الفحوصات ومواعيد إجرائها ليست ثابتة بل تتأثر بعوامل عدة منها نمط السكري الذي يعاني منه الطفل ومرحلته العمرية والمدة الزمنية المنقضية منذ تشخيص إصابته بالمرض، فضلاً عن التوصيات الخاصة التي يضعها الفريق الطبي المشرف على حالته.

وغالباً ما تُستقى هذه التوصيات المتعلقة بالفحوصات الدورية من الدلائل الإرشادية الصادرة عن هيئات ومنظمات طبية ذات مرجعية عالمية كالجمعية الأمريكية للسكري (ADA) والجمعية الدولية لسكري الأطفال والمراهقين (ISPAD).

وتشمل قائمة هذه الفحوصات عادةً البنود التالية:

  • قياس ضغط الدم بانتظام في كل مراجعة طبية.
  • تحليل البول سنوياً للكشف عن وجود بروتين الألبومين (وهو علامة مبكرة على احتمالية تأثر الكلى) وذلك بعد بلوغ الطفل سناً محددة أو انقضاء مدة معينة على تشخيص إصابته.
  • فحص شامل لقاع العين بواسطة طبيب العيون المختص يُجرى سنوياً أو كل عامين بعد بلوغ الطفل سناً معينة أو انقضاء مدة معينة على تشخيص إصابته.
  • تقييم حالة القدمين ومدى الإحساس بهما في كل زيارة طبية مع إجراء فحص استقصائي شامل لهما مرة واحدة سنوياً على الأقل.
  • مراقبة دورية لمستويات الدهون في الدم (بما في ذلك الكوليسترول بأنواعه والدهون الثلاثية).
  • تقييم وظائف الغدة الدرقية بصورة دورية وبصفة خاصة لدى الأطفال المصابين بالسكري من النوع الأول.
  • التحري عن احتمالية الإصابة بمرض السيلياك (أو ما يُعرف بالداء البطني)، وبصفة خاصة لدى الأطفال المصابين بالسكري من النوع الأول.

إن المواظبة على إجراء هذه الفحوصات التفقدية بانتظام مقترنةً بالجهود الحثيثة لضبط مستوى السكر في الدم والسيطرة على عوامل الاختطار الأخرى هي الركيزة الأمتن في استراتيجية وقاية الأطفال المصابين بالسكري من براثن المضاعفات المزمنة وتمكينهم من أن ينعموا بحياة مفعمة بالصحة والعافية على المدى البعيد.

وجديرٌ بالذكر أن رصد هذه المضاعفات في بواكيرها يفتح آفاقاً أرحب للتدخل العلاجي المؤثر والناجع. فعلى سبيل المثال إن تشخيص بداية اعتلال الكلى قد يستدعي تكثيف الجهود لضبط ضغط الدم بدقة وربما البدء في استخدام أدوية مخصصة لصون سلامة الكلى وحمايتها. وبالمثل فإن معالجة اعتلال الشبكية في أطواره الأولية قد تحول دون تدهور القدرة البصرية بل وقد تمنع فقدان نعمة البصر كلياً.

النظام الغذائي للطفل المصاب بالسكري

يحتل النظام الغذائي مكانة مركزية في منظومة تدبير داء السكري لدى الأطفال إذ تتجاوز أهميته كونه مجرد أداة لضبط مستويات السكر في الدم ليغدو ركيزة لا غنى عنها لضمان نمو الطفل وتطوره بصورة تنبض بالصحة والسلامة. والواقع أن السعي لتحقيق انسجام دقيق بين مختلف المكونات الغذائية وضبط مواقيت تناول الوجبات وإجراء حسابات متأنية لمحتوى الكربوهيدرات يُلقي بعبء يومي يستلزم درجة عالية من الوعي والتخطيط المحكم من جانب الأهل، وذلك في إطار من التعاون الوثيق مع الفريق الطبي المعالج.

وتتحدد الغايات الأساسية من هذا النظام الغذائي المصمم خصيصاً للطفل المصاب بالسكري في تأمين احتياجات جسمه من الطاقة والمغذيات الضرورية لدعم مسيرة نموه وتطوره على أكمل وجه. ويقترن بذلك السعي الدؤوب للحفاظ على ثبات مستوى السكر في دمه ضمن الحدود المأمولة قدر المستطاع وتفادي حدوث أي تذبذبات حادة ارتفاعاً أو هبوطاً، فضلاً عن الإسهام بفعالية في درء خطر ظهور المضاعفات المرتبطة بالمرض على امتداد سنوات حياته المقبلة.

الأهداف الرئيسية للتغذية العلاجية للطفل المصاب بالسكري

إن المرتكزات التي تقوم عليها التغذية العلاجية للطفل المتعايش مع السكري تتعدى بكثير حدود السيطرة على مؤشرات سكر الدم فحسب؛ بل إنها تطمح إلى إرساء أُسس نمط معيشي صحي متكامل يكفل دعم سلامة الطفل البدنية ويعزز من عافيته النفسية. ومن هذا المنطلق لا بد للنظام الغذائي المتبع أن يتسم بقدر كافٍ من المرونة والتكيف بحيث يتناغم مع إيقاع حياة الطفل اليومي ويلبي تفضيلاته الذوقية دون أن يخل ذلك بالمبادئ الراسخة للتغذية القويمة والمتوازنة.

وتندرج ضمن هذه الغايات السامية كفالة حصول الطفل على القدر الوافي من السعرات الحرارية التي تفي بمتطلبات نموه الجسدي وتطوره العقلي السليم وتأمين إمداده بجميع الفيتامينات والمعادن الأساسية التي لا غنى عنها لسلامة وظائفه الحيوية. كما تسعى هذه الجهود الغذائية إلى مساعدة الطفل على بلوغ وزن صحي يتناسب مع عمره وطوله والحفاظ عليه وتجنيبه مخاطر السمنة أو النحافة الزائدة عن الحد، فضلاً عن الإسهام في تقليص احتمالات تعرضه مستقبلاً للاعتلالات القلبية الوعائية أو لارتفاع ضغط الدم.

العناصر الغذائية الأساسية وتوزيعها في وجبات الطفل السكري

من الضروري أن يشتمل البرنامج الغذائي المُعد للطفل المصاب بداء السكري على كافة الفئات الغذائية الجوهرية وذلك ضمن نسب تحقق التوازن المطلوب. وفي هذا السياق عادةً ما تُوجه الإرشادات الطبية نحو تقسيم السعرات الحرارية اليومية بحيث يكون نصيب الكربوهيدرات منها في حدود 40% إلى 50% من مجمل الطاقة وتُخصص للبروتينات نسبة تتراوح بين 15% و 25% أما الدهون فيُنصح بألا يتجاوز إسهامها 35% مع تشديد خاص على أهمية ألا تتعدى نسبة الدهون المشبعة 10% من إجمالي السعرات الحرارية المُتناولة.

ولا يقل انتقاء المصادر الغذائية السليمة لكل من هذه المكونات الحيوية أهمية عن تحديد النسب. فالكربوهيدرات على سبيل المثال يُحبذ أن تُستقى بصورة رئيسية من خيرات الطبيعة كالحبوب غير منزوعة القشرة (الحبوب الكاملة) والخضروات الطازجة وثمار الفاكهة المتنوعة وأصناف البقول الغنية بالألياف مع تجنب الاعتماد على السكريات البسيطة والنشويات المكررة قدر الإمكان.

أما البروتينات فيمكن تأمينها من مصادر متعددة تشمل اللحوم الحمراء منزوعة الشحم ولحوم الدواجن البيضاء والأسماك بأنواعها والبيض بالإضافة إلى منتجات الألبان المنخفضة الدسم وكذلك البقوليات التي تُعد مصدراً نباتياً قيماً للبروتين. وفيما يتعلق بالدهون فإن الأفضلية تُعطى للدهون غير المشبعة ذات الفوائد الصحية والتي تتوافر في زيت الزيتون البكر وأصناف المكسرات وثمرة الأفوكادو والأسماك الدهنية كالسلمون والسردين.

حساب الكربوهيدرات وأهميته في التحكم بمستوى السكر

إن إتقان طريقة حساب الكربوهيدرات (المعروفة بـ Carbohydrate Counting) هو بمثابة مهارة جوهرية لا غنى عنها سواء للطفل المصاب بداء السكري وبصفة أخص إذا كان من النمط الأول أو لأسرته القائمة على رعايته. ويرجع السبب في هذه الأهمية إلى أن الكربوهيدرات هي ذلك المكون الغذائي الذي يُحدث التأثير الأوضح والأعجل على مستويات السكر في مجرى الدم بعد تناول الطعام. 

وعليه فإن الغاية الأساسية من اتباع هذا النهج الحسابي الدقيق هي تحقيق موازنة محسوبة بين مقدار الكربوهيدرات الذي يتم استهلاكه في كل وجبة وبين جرعة الأنسولين اللازمة لمعادلة تأثيرها، ولاسيما عند استخدام الأنسولين سريع المفعول الذي يُعطى عادةً قبيل الشروع في تناول الطعام.

ويستلزم إتقان هذا النهج اكتساب مهارة تقدير محتوى الكربوهيدرات في مختلف أصناف الأطعمة وذلك بالاستعانة بوسائل مساعدة متنوعة من بينها قوائم بدائل الأطعمة المعدّة خصيصاً أو بالرجوع إلى المعلومات المدونة على الملصقات الغذائية للمنتجات أو حتى من خلال توظيف تطبيقات الهواتف الذكية المصممة لهذا الغرض.

وتجدر الإشارة إلى أن المقدار الموصى به من الكربوهيدرات لكل وجبة غذائية ليس ثابتاً بل هو أمر يتباين من طفل إلى آخر ويتأثر بعوامل عدة مثل المرحلة العمرية للطفل ووزنه ومعدل نشاطه البدني بالإضافة إلى تفاصيل الخطة العلاجية المتبعة لحالته. وفي الممارسة العملية يعمد الفريق الطبي عادةً إلى تحديد ما يُعرف بـ "نسبة الأنسولين إلى الكربوهيدرات" (Insulin-to-Carbohydrate Ratio - ICR) بشكل فردي لكل طفل؛ ويُقصد بهذا المصطلح عدد وحدات الأنسولين الضرورية لمعادلة تأثير كمية محددة من الكربوهيدرات المتناولة (فعلى سبيل المثال قد تُخصص وحدة أنسولين واحدة لكل 10 أو 15 غراماً من الكربوهيدرات).

ولتوضيح مفهوم حصص الكربوهيدرات نورد فيما يلي أمثلة على بعض الأطعمة التي تحتوي كل وجبة نموذجية منها على ما يقارب 15 غراماً من الكربوهيدرات:

  • شريحة واحدة من الخبز (تزن حوالي ثلاثين غراماً).
  • نصف كوب من الأرز المطهو أو المعكرونة المسلوقة.
  • ثمرة فاكهة متوسطة الحجم (كتفاحة أو برتقالة على سبيل المثال).
  • كوب واحد من الحليب السائل.
  • نصف كوب من البطاطس المهروسة أو المسلوقة.

إن التمكن من مهارة حساب الكربوهيدرات بدقة يضفي على حياة الطفل وأسرته قدراً أكبر من المرونة في انتقاء أصناف الطعام ويسهم إسهاماً فعالاً في إحكام السيطرة على مستويات السكر في الدم. وعلاوة على ذلك تقتضي الحكمة الانتباه إلى الكيفية التي تؤثر بها الدهون والبروتينات على معدل امتصاص الكربوهيدرات ومن ثم على مستوى السكر في الدم وبخاصة عند تناول وجبات طعام يرتفع فيها محتوى هذين العنصرين، إذ قد يستلزم الأمر حينها إجراء تعديلات دقيقة على توقيت إعطاء جرعة الأنسولين أو على مقدارها.

التعامل مع الطفل صعب الإرضاء (Picky Eater) المصاب بالسكري

تُضاف إلى قائمة التحديات التي تواجهها الأسر التي ترعى طفلاً مصاباً بداء السكري معضلة التعامل مع الطفل إذا كان انتقائياً في طعامه أو ما يُعرف بـ"صعب الإرضاء". ففي مثل هذه الحالات قد يبدي الطفل عزوفاً عن تناول الأصناف الغذائية الصحية التي يُنصح بها أو قد يحصر أكله في نطاق ضيق ومحدود جداً من الأطعمة، الأمر الذي يُلقي بظلال من الصعوبة على مساعي تحقيق التوازن الغذائي المنشود ويُعقّد مهمة ضبط مستويات السكر في دمه.

ولمواجهة هذا الوضع بفعالية يتحتم على الوالدين التحلي بقدر كبير من الصبر وسعة الصدر مع ضرورة تفهم طبيعة سلوك الطفل والحرص على تجنب تحويل مائدة الطعام إلى ساحة للنزاع أو الضغط. وبدلاً من ذلك يُنصح بتجريب أساليب مرنة كتقديم أصناف الطعام الجديدة بكميات قليلة في بادئ الأمر وعرضها بأساليب مبتكرة وجاذبة بصرياً، وإفساح المجال للطفل للمشاركة في انتقاء مكونات الوجبات وفي عملية إعدادها بالإضافة إلى أن يكون الأهل أنفسهم نموذجاً يُحتذى به من خلال التزامهم بتناول أغذية صحية ومتنوعة.

ومن الأهمية بمكان أيضاً تركيز الاهتمام على ما يتناوله الطفل بالفعل من أطعمة مفيدة بدلاً من الاستغراق في التركيز على ما يرفضه مع ضرورة الاحتفاء بأي تقدم يُحرزه مهما كان بسيطاً. وفي بعض الحالات قد يكون اللجوء إلى استشارة أخصائي تغذية يمتلك خبرة في التعامل مع الأطفال ذوي السلوك الغذائي الانتقائي أمراً ذا فائدة جمة للحصول على خطط واستراتيجيات تغذية فردية ومصممة خصيصاً لحالة الطفل.

نصائح عملية لتخطيط وجبات صحية ومتوازنة للطفل السكري

إن إعداد خطة غذائية للطفل المصاب بداء السكري يستلزم قدراً من العناية والمتابعة الدقيقة، غير أن هذه المهمة يمكن تيسيرها وتخفيف أعبائها باتباع جملة من التوجيهات العملية. ومن أهم هذه التوجيهات الحرص على توزيع الوجبات الغذائية بانتظام على امتداد اليوم (بواقع ثلاث وجبات رئيسية تتخللها وجبتان إلى ثلاث وجبات خفيفة) وذلك بهدف الإسهام في استقرار منسوب السكر في الدم وتفادي نوبات الجوع الحادة التي قد تدفع الطفل إلى التهام كميات كبيرة من الطعام في آن واحد مما قد يربك توازن السكر لديه.

وينبغي أن تشتمل كل وجبة رئيسية على مكونات غذائية متكاملة في مقدمتها مصدر للكربوهيدرات المعقدة (كتلك الموجودة في منتجات الحبوب الكاملة) إلى جانب حصة مناسبة من البروتين وكمية وافرة من الخضروات الطازجة أو المطبوخة. أما الفواكه فيمكن إدراجها ضمن الوجبات الرئيسية أو تقديمها كوجبات خفيفة صحية بينها.

ومن الضرورة بمكان التأكيد على أهمية التدقيق في قراءة البطاقات التعريفية للمنتجات الغذائية (الملصقات الغذائية) وذلك للوقوف على محتواها من الكربوهيدرات والسكريات المضافة والدهون بأنواعها مع الحرص على تقنين استهلاك الأطعمة ذات المحتوى العالي من السكر وكذلك تلك الغنية بالدهون المشبعة والمتحولة إلى أقصى حد ممكن.

النشاط البدني والرياضة - دور حيوي في حياة الطفل المصاب بالسكري

النشاط البدني والرياضة - دور حيوي في حياة الطفل المصاب بالسكري

يحتل النشاط البدني المنتظم مكانة جوهرية ضمن المنظومة العلاجية لداء السكري لدى الأطفال فهو دعامة لا تقل أهمية عن الأنسولين والنظام الغذائي المتوازن. إذ لا تقتصر منافعه على الإسهام في ضبط مستويات السكر في الدم فحسب بل تمتد لتشمل الارتقاء بالصحة العامة للطفل وتعزيز بنيته الجسدية ولياقته فضلاً عن دعم استقراره النفسي وسلامته المعنوية.

وإن تحفيز الطفل المصاب بداء السكري على تبني نمط حياة يفعمه النشاط البدني منذ نعومة أظفاره لهو استثمار ثمين يرسخ لديه عادات صحية راسخة ترافقه طوال حياته. وفضلاً عن ذلك فإن هذا التوجه يعزز لديه الإحساس بالطبيعية والاندماج ويمنحه الثقة في قدرته على الانخراط في مختلف الأنشطة أسوة بأقرانه ممن لا يعانون من هذا الداء.

فوائد النشاط البدني المنتظم للطفل المصاب بالسكري

إن للنشاط البدني المنتظم عوائد صحية وفيرة للطفل المصاب بداء السكري وهي منافع تتخطى بكثير مجرد الإسهام في ضبط مستوى السكر بالدم. فمن أبرز هذه الفوائد أنه يعزز من مدى استجابة خلايا الجسم لتأثير الأنسولين أي أنه يزيد من حساسيتها له، وهو ما يعني أن الجسم قد يكتفي بكميات أقل من الأنسولين لإتمام عملية إدخال الجلوكوز إلى الخلايا.

وكذلك يؤدي النشاط البدني دوراً فعالاً في المحافظة على وزن صحي وفي تقليص نسبة الدهون المتراكمة في الجسم، وهي نقطة تكتسب أهمية خاصة لدى الأطفال الذين يعانون من السكري من النوع الثاني أو أولئك الذين لديهم قابلية مرتفعة للإصابة به.

وعلاوة على ما تقدم فإن المواظبة على النشاط البدني تدعم سلامة القلب والأوعية الدموية وتسهم في تقوية الهيكل العظمي والجهاز العضلي، كما أن لها تأثيراً إيجابياً ملموساً في تحسين الحالة المزاجية وتخفيف حدة التوتر ومشاعر القلق.

ويمكن إيجاز أهم هذه المنافع الجوهرية في النقاط الآتية:

  • تحقيق سيطرة أفضل على مستوى السكر في الدم.
  • رفع مستوى استجابة خلايا الجسم للأنسولين (زيادة الحساسية له).
  • الإسهام في بلوغ وزن صحي والمحافظة عليه أو التخلص من الوزن الزائد.
  • تعزيز قوة القلب والأوعية الدموية ودعم سلامة العضلات والعظام.
  • الارتقاء بالحالة النفسية والمزاجية وتخفيف وطأة التوتر والقلق.
  • الحد من احتمالية ظهور مضاعفات السكري على المدى البعيد.

أنواع الأنشطة البدنية الموصى بها للأطفال المصابين بالسكري

بوجه عام تتسع دائرة الخيارات أمام الأطفال المتعايشين مع السكري لمزاولة غالبية الأنشطة البدنية وضروب الرياضات التي ينهض بها أقرانهم، شريطة مراعاة التدابير الاحترازية الضرورية. وتشدد التوجيهات الصحية في هذا الصدد على أهمية انخراط الأطفال والمراهقين في ما لا يقل عن ستين دقيقة يومياً من النشاط البدني الذي تتراوح شدته بين المعتدل والقوي.

ويكتسب عنصر المتعة في النشاط المختار أهمية بالغة، فهو الضمانة الأساسية لكي يُقبل عليه الطفل ويواظب على ممارسته. ومن بين الأنشطة التي يُنصح بها في هذا الإطار ما يلي:

  1. المشي السريع أو الركض الخفيف.
  2. ركوب الدراجة الهوائية.
  3. السباحة.
  4. ممارسة الألعاب الرياضية الجماعية ككرة القدم أو كرة السلة.
  5. القفز بالحبل أو ممارسة تمارين القوة الخفيفة.
  6. الرقص أو الأنشطة الحركية الأخرى.

وينبغي أن يشتمل البرنامج الحركي للطفل على توليفة متوازنة من التمارين الهوائية – وهي تلك التي تُسرّع من وتيرة نبضات القلب وعمليات التنفس – بالإضافة إلى تمارين أخرى تُعنى بتقوية الكتلة العضلية ودعم سلامة العظام. كما تبرز أهمية تقليص الساعات التي يقضيها الطفل في الجلوس والكسل مع التشجيع المتواصل على الحركة والمشاركة في ألعاب تتطلب جهداً بدنياً على مدار اليوم.

نصائح لممارسة الرياضة بأمان للطفل المصاب بالسكري

إن انخراط الطفل المصاب بداء السكري في الأنشطة الرياضية يستلزم تخطيطاً متأنياً ودقيقاً ومتابعة لصيقة لمستوى السكر في دمه، وذلك بهدف التحوط من أي تقلبات حادة سواء كانت هبوطاً أو ارتفاعاً مفاجئاً. ومن هذا المنطلق يتعين على الأسرة والفريق الطبي المعالج مضافرة جهودهما لوضع استراتيجية محكمة تتلاءم مع طبيعة النشاط البدني المنشود.

وتُعد عملية قياس مستوى السكر في الدم قبل الشروع في التمرين وخلال ممارسته وبعد الفراغ منه إجراءً وقائياً لا غنى عنه لاسيما عند البدء ببرنامج رياضي جديد أو عند تجربة أنشطة بدنية غير معتادة. وقد تقتضي حالة الطفل تناول وجبة إضافية خفيفة غنية بالكربوهيدرات قبيل التمرين أو في أثنائه أو بعده، أو ربما تستدعي الحاجة إجراء تعديل في جرعة الأنسولين المعتادة، ويتوقف ذلك كله على قراءات مستوى السكر ودرجة كثافة النشاط البدني ومدته الزمنية.

وفيما يلي جملة من الإرشادات الأساسية التي يُنصح باتباعها:

  • قياس سكر الدم قبل وأثناء وبعد التمرين.
  • حمل مصدر سريع للسكر (كأقراص الجلوكوز أو عصير) دائماً.
  • تناول وجبة خفيفة إضافية إذا لزم الأمر.
  • تعديل جرعات الأنسولين بالتشاور مع الطبيب.
  • شرب كميات كافية من الماء قبل وأثناء وبعد التمرين.
  • إبلاغ المدرب أو المشرف بحالة الطفل وكيفية التعامل مع الطوارئ.
  • ارتداء سوار أو بطاقة تعريف طبية تفيد بإصابته بالسكري.
  • تجنب ممارسة الرياضة إذا كان مستوى السكر مرتفعاً جداً مع وجود كيتونات في البول.

أما إذا كان الطفل يعتمد على مضخة الأنسولين فقد تستدعي طبيعة بعض الأنشطة – كالرياضات المائية أو تلك التي تنطوي على احتكاك جسدي مباشر – فصل المضخة بشكل مؤقت، أو قد يتطلب الأمر تعديل معدل ضخ الأنسولين القاعدي. وفي كلتا الحالتين يتوجب التأكيد على ضرورة إعادة توصيل المضخة والتحقق من مستوى السكر في الدم فور الانتهاء من مزاولة النشاط البدني.

كيفية إدارة مرض السكري في المدرسة

يمضي الأطفال جزءاً كبيراً من وقتهم اليومي بين أروقة المدرسة، الأمر الذي يفرض ضرورة قصوى لإدارة داء السكري في هذا الفضاء الحيوي بفعالية تضمن سلامتهم البدنية وصحتهم العامة وتكفل لهم في الوقت ذاته فرصة الانخراط الكامل في سائر المناشط التعليمية والاجتماعية أسوة بأقرانهم.

وإن بلوغ هذه الغاية لَيرتهن بتضافر جهود متينة وتعاون وثيق بين دائرة الأسرة وإدارة الصرح التعليمي والهيئة التدريسية والخدمات الصحية المدرسية ممثلةً في الممرضة المدرسية (حال توفرها) جنباً إلى جنب مع الفريق الطبي المشرف على حالة الطفل.

ويكمن المقصد الأساسي من هذه الجهود المتكاملة في تهيئة مناخ مدرسي يتسم بالدعم والتفهم العميق للاحتياجات الخاصة للطفل المتعايش مع داء السكري، وفي الآن ذاته تسليح الطاقم التربوي والإداري في المدرسة بالزاد المعرفي والمهارات العملية التي تمكنهم من التعامل مع حالة الطفل بكفاءة عالية وبما يصون سلامته.

أهمية وجود خطة إدارة فردية للسكري في المدرسة (Individualized Healthcare Plan - IHP)

تُعتبر خطة الرعاية الصحية الفردية (المعروفة اختصاراً بـ IHP) بمثابة وثيقة محورية لا غنى عنها، فهي ترسم بدقة متناهية خارطة احتياجات الطفل المصاب بالسكري خلال يومه الدراسي وتوضح السبل الكفيلة بتلبية تلك الاحتياجات بفعالية وأمان. ويقتضي إعداد هذه الخطة تضافر جهود مثلث الرعاية المكون من الأسرة والفريق الطبي المعالج وإدارة المدرسة، مع ضرورة الالتزام بمراجعتها وتحديث بياناتها بصورة دورية (غالباً ما يكون ذلك سنوياً أو كلما طرأ أي مستجد على حالة الطفل الصحية أو على نظامه العلاجي المتبع).

وتحتوي هذه الخطة في طياتها بصورة نموذجية على بيانات شاملة ودقيقة تشمل تحديد نمط السكري الذي يعاني منه الطفل وتفاصيل جرعات الأنسولين أو أي أدوية أخرى يتلقاها ومواقيت إعطائها وآلية قياس مستوى السكر في دمه، والمستويات المستهدفة للسكر التي يسعى الفريق للحفاظ عليها، بالإضافة إلى وصف واضح لعلامات وأعراض كل من هبوط وارتفاع سكر الدم وكيفية التدخل العلاجي المناسب لكل حالة، فضلاً عن معلومات الاتصال الضرورية بفرق الطوارئ وبأسرة الطفل.

كذلك لا بد أن تحدد الخطة بوضوح هوية الأشخاص المنوط بهم تقديم العون والمساعدة للطفل داخل الحرم المدرسي، مع بيان نوعية التدريب والتأهيل الذي خضعوا له للقيام بهذه المسؤولية.

دور الأهل والمعلمين والممرضة المدرسية في دعم الطفل السكري

إن توفير بيئة مدرسية آمنة وداعمة للطفل الذي يعيش مع داء السكري يستلزم بالضرورة تضافر مساعي جميع الجهات ذات الصلة وتكامل أدوارها. وفي هذا الإطار تقع على كاهل الوالدين مسؤوليات جوهرية تبدأ بتزويد إدارة المدرسة وطاقمها بكافة البيانات والمعلومات الضرورية المتعلقة بحالة طفلهم الصحية وضمان توفير المستلزمات الطبية الكافية بشكل دائم كالأنسولين وشرائط فحص مستوى السكر وأقراص الجلوكوز لمعالجة حالات الهبوط وما إلى ذلك من احتياجات.

كما يتعين عليهم الاضطلاع بمهمة تدريب الكوادر المدرسية المعنية أو التحقق من أنهم قد تلقوا التدريب الملائم من جهات مختصة على آليات التعامل السليم والفعال مع حالة طفلهم ومتطلباتها الخاصة.

أما المعلمون فيناط بهم دور محوري يتمثل في المتابعة اللصيقة للطفل خلال اليوم الدراسي وإتاحة الفرصة له لإجراء فحص لمستوى السكر أو لتناول وجبة خفيفة عند الضرورة دون إحراج مع المبادرة بإخطار الجهة المسؤولة في المدرسة فور ملاحظة أي أعراض قد تثير القلق.

ومن الأهمية بمكان أن يكونوا على إلمام تام بمحتويات خطة الإدارة الصحية الفردية الخاصة بالطفل وأن يستوعبوا طبيعة تأثير داء السكري على قدرته على التركيز الذهني أو على مزاجه وسلوكه في بعض الأوقات. وفي حال توفر ممرضة مدرسية مؤهلة فإنها عادةً ما تكون الشخص المحوري المنوط به تقديم الرعاية الطبية المباشرة للطفل والتي تشمل إعطاء جرعات الأنسولين (إذا ما استدعت الحالة ذلك وكان الأمر مكفولاً ضمن الأطر القانونية والتنظيمية) ومساعدته في إجراء فحص السكر والتدخل السريع والفعال في حالات هبوط أو ارتفاع مستوى السكر في الدم.

الاستعداد للرحلات المدرسية والأنشطة الخارجية

من الأهمية بمكان ألا يُستثنى الطفل المصاب بداء السكري من متعة المشاركة في الرحلات التي تنظمها المدرسة أو الأنشطة الترفيهية والتعليمية التي تُقام خارج نطاقها. بيد أن طبيعة هذه الفعاليات تستلزم بطبيعة الحال قدراً إضافياً من التدبر والتخطيط المسبق وذلك بغية تأمين سلامة الطفل وضمان الإدارة المثلى لحالته الصحية خلالها.

ويقتضي الأمر إخطار القائمين على الإشراف على الرحلة بطبيعة حالة الطفل الصحية وتزويدهم بنسخة وافية من خطة إدارة السكري الخاصة به بالإضافة إلى معلومات الاتصال الضرورية للحالات الطارئة. كما يتعين التأكد المطلق من جهوزية جميع المستلزمات الطبية التي لا غنى عنها (والتي تشمل الأنسولين وجهاز قياس السكر وشرائط الفحص وأقراص الجلوكوز المنقذة ووجبات خفيفة إضافية) وبكميات تغطي مدة الرحلة كاملةً وتزيد.

ومن الوارد جداً أن تستدعي ظروف الرحلة بما فيها من تغير في الروتين المعتاد ومستوى النشاط البدني حاجة الطفل إلى إجراء فحص لمستوى السكر بوتيرة أكثر تكراراً. كما أنه من الضروري تعيين شخص محدد يكون مسؤولاً عن تقديم العون للطفل حالما تقتضي الحاجة.

ولضمان استعداد أمثل نورد فيما يلي قائمة بأهم التجهيزات الواجب مراعاتها:

  • تأمين كميات وافية من الأنسولين بالإضافة إلى جميع أدوات الحقن أو مستلزمات المضخة إذا كان الطفل يستخدمها.
  • جهاز قياس مستوى السكر في الدم مع عدد كافٍ من شرائط الاختبار وبطاريات احتياطية للجهاز.
  • أقراص الجلوكوز أو أي مصدر آخر سريع المفعول للسكر تحسباً لحالات هبوط السكر.
  • وجبات خفيفة إضافية ملائمة لحالة الطفل واحتياجاته الغذائية.
  • نسخة مكتوبة ومفصلة من خطة إدارة السكري الخاصة بالطفل تتضمن معلومات الاتصال بالوالدين وبالطبيب للحالات الطارئة.
  • التأكد من تدريب المشرفين على الرحلة أو النشاط على المبادئ الأساسية للتعامل مع حالات السكري الطارئة.

إن تضافر جهود جميع الأطراف المعنية من أسرة ومدرسة وفريق طبي وقيام تواصل فعال وبنّاء فيما بينهم هو الضمانة الحقيقية لتوفير تجربة مدرسية تتسم بالإيجابية والأمان للطفل المصاب بداء السكري بما في ذلك الرحلات والأنشطة، وتمكينه من إطلاق كامل طاقاته وقدراته الأكاديمية والاجتماعية دون عوائق.

الدعم النفسي والاجتماعي للطفل المصاب بالسكري وأسرته

الدعم النفسي والاجتماعي للطفل المصاب بالسكري وأسرته

إن وقوع تشخيص داء السكري على مسامع طفل وأسرته لا يُحدث هزة على الصعيد الجسدي فحسب بل يمتد أثره ليطال أبعاداً نفسية واجتماعية بالغة العمق تلقي بظلالها الكثيفة على الطفل ومحيطه الأسري برمته. فمسيرة التعايش مع داء مزمن كالسكري تستلزم بالضرورة إحداث تحولات جذرية في منظومة الحياة اليومية وغالباً ما تفرض ضغوطاً عاطفية تستنزف الطاقات وتكون عبئاً نفسياً ثقيلاً.

من هذا المنطلق يكتسب الدعم النفسي والاجتماعي مكانة محورية ويُعد ركناً أصيلاً لا غنى عنه في بنية الخطة العلاجية الشاملة، إذ يسعى إلى تمكين الطفل وأسرته من التواؤم الإيجابي مع مقتضيات المرض والارتقاء بنوعية حياتهم إلى أفضل مستوى ممكن.

ولا شك أن استيعاب طبيعة هذه التحديات مقروناً بتوفير المساندة الملائمة للتغلب عليها من شأنه أن يُحدث فارقاً ملموساً في مدى قدرة الطفل على تدبير شؤون مرضه بكفاءة واقتدار وفي صون عافيته النفسية واستقراره العاطفي على امتداد رحلة حياته.

التحديات النفسية التي يواجهها الطفل المصاب بالسكري وأسرته

لا تقتصر تبعات الإصابة بداء السكري لدى الأطفال على الجوانب الجسدية فحسب بل تمتد لتشمل طيفاً من التحديات النفسية التي قد تعتري الطفل وتتباين طبيعتها وحدتها وفقًا لمرحلته العمرية وسماته الشخصية ومدى استيعابه وتقبله لحالته الصحية.

فمن الشائع أن تنتاب الطفل المصاب مشاعر بأنه مغاير لأقرانه أو قد يساوره إحساس بالذنب أو يتملكه الخوف من تطور المضاعفات أو حتى الشعور بالسخط تجاه ما يفرضه المرض من ضوابط على تفاصيل حياته اليومية كضرورة الالتزام بالحقن المتكرر والانضباط في نظامه الغذائي والمراقبة الدائمة لمستوى السكر. ومن المهم إدراك أن هذه الانفعالات وإن كانت طبيعية في سياقها قد تلقي بظلالها على سلوك الطفل ومدى مواظبته على الخطة العلاجية.

وفي سياق متصل فإن دائرة التأثير النفسي للمرض تتسع لتشمل الأسرة برمّتها وبصفة أخص الوالدين اللّذَين قد يجدون أنفسهم غارقين في دوامة من مشاعر القلق والأسى أو حتى لوم الذات فضلاً عن الإنهاك الجسدي والذهني الناجم عن الأعباء الإضافية التي تقتضيها رعاية طفلهم المصاب.

وقد يستولي عليهم الخوف على مآلات طفلهم المستقبلية ويجدون مشقة في إيجاد التوازن المنشود بين متطلبات تدبير شؤون السكري وبين سائر التزامات الحياة الأسرية الأخرى. ولا يقف التأثير عند هذا الحد بل قد يمتد ليشمل الأشقاء الآخرين الذين قد تنتابهم مشاعر بالإهمال أو حتى الغيرة في بعض الأحيان.

ويمكن إيجاز أبرز هذه التحديات النفسية والاجتماعية فيما يلي:

  • إحساس الطفل بالتمايز عن أقرانه وما قد يصاحبه من ميل نحو العزلة الاجتماعية.
  • الهاجس المستمر المتعلق بضرورة أخذ الحقن وإجراء فحوصات السكر والتقيد بالضوابط الغذائية.
  • التوجس من التعرض لنوبات انخفاض السكر المفاجئة أو من تطور المضاعفات المزمنة للمرض على المدى البعيد.
  • معايشة مشاعر قد تتراوح بين الحزن أو السخط أو حتى إنكار واقع الإصابة بالمرض المزمن.
  • وطأة الأعباء النفسية الملقاة على عاتق الوالدين وما قد يصاحبها من شعور بلوم الذات أو الإجهاد المتواصل.
  • احتمالية أن يصبح الطفل هدفاً للتنمر أو أن يُساء فهم احتياجاته من قبل المحيطين به.
  • المشقة المصاحبة لعملية التكيف مع التحولات الجذرية التي تطرأ على مجمل نمط الحياة اليومي للأسرة.

استراتيجيات الدعم النفسي للطفل المصاب بالسكري

إن توفير المساندة النفسية الملائمة للطفل الذي يتعايش مع داء السكري هو ركن جوهري لا غنى عنه في رحلة تكيفه مع طبيعة مرضه، وفي تمكينه من بناء تصور إيجابي عن ذاته وتنمية قدراته على إدارة شؤون حالته الصحية بفعالية. وتنطلق هذه المساندة في المقام الأول من دائرة الأسرة القريبة لتتسع بعدها وتشمل جهود الفريق الطبي المعالج والمؤسسة التعليمية ودائرة الأصدقاء ورفاق الدرب.

ومن المقاربات الأساسية في هذا المضمار حث الطفل على الإفصاح عن مكنونات صدره من مشاعر ومخاوف بمنتهى الصراحة والأريحية مع الحرص على الإنصات إليه بكل تعاطف وتفهم. كما يتوجب تسليط الضوء على مَواطن القوة لديه وعلى ما يحققه من إنجازات مهما بدت صغيرة والعمل على تعزيز نزعته نحو الاستقلالية في تدبير شؤون مرضه بصورة متدرجة تتناسب مع مرحلته العمرية وقدراته النامية.

ويمكن في هذا السياق توظيف أساليب التعزيز الإيجابي وتقديم الحوافز المعنوية أو المكافآت غير المرتبطة بالطعام وذلك بغية تشجيعه على الالتزام بالخطة العلاجية. وفيما يلي عرض لبعض الاستراتيجيات التي أثبتت فعاليتها في هذا المجال:

  1. حث الطفل على الإفصاح عن مشاعره ومخاوفه بحرية.
  2. توعية الطفل بطبيعة مرضه بأسلوب مبسط يتلاءم مع مرحلته العمرية.
  3. تدعيم استقلالية الطفل في تدبير شؤون مرضه بصورة متدرجة.
  4. تسليط الضوء على قدرات الطفل وما يمكنه إنجازه عوضاً عن التركيز على القيود.
  5. إكساب الطفل مهارات مواجهة الضغوط النفسية والتعامل مع المواقف العصيبة.
  6. مساندة الطفل في بناء وتنمية صورة ذاتية إيجابية عن نفسه.
  7. إيجاد محيط أسري يتسم بالدعم والمودة والتفهم العميق لاحتياجاته.

أهمية مجموعات الدعم والتواصل مع أسر أخرى

تؤدي مجموعات الدعم وظيفة محورية في توفير مظلة من المساندة النفسية والاجتماعية التي تمس الحاجة إليها سواء للأطفال الذين يعايشون داء السكري أو لأسرهم. فهذه التجمعات بمثابة ساحات رحبة تتيح لهم فرصة ثمينة لمقاسمة الخبرات وتبادل المعلومات والتعبير عن المشاعر بحرية مع آخرين يخوضون غمار تجارب حياتية مشابهة. ومن شأن هذا التواصل - وبخاصة تفاعل الطفل مع أقرانه ممن يشاركونه نفس الحالة الصحية، أن يبدد شعوره بالوحدة ويخفف من وطأة إحساسه بالاختلاف عن الآخرين.

أما بالنسبة للوالدين وسائر أفراد الأسرة فإن هذه المجموعات تمنحهم فسحة للاستفادة من معلومات تطبيقية واستخلاص نصائح ثمينة وتلقّي دعم وجداني صادق من أسر أخرى تدرك بعمق حجم التحديات التي يجابهونها يومياً في رعاية أطفالهم. ويمكن الاهتداء إلى مثل هذه المجموعات الداعمة سواء كانت قائمة على مستوى محلي أو متاحة عبر الفضاء الإلكتروني من خلال التواصل مع المستشفيات والمراكز الطبية أو عبر الجمعيات الأهلية المتخصصة في شؤون داء السكري أو من خلال المنظمات الصحية المعنية. ولا شك أن تقاسم التجارب الحياتية يسهم في تخفيف العبء النفسي للمرض ويشرع نوافذ الأمل نحو آفاق أرحب للتعامل الإيجابي والبنّاء معه.

وتأكيداً على ما سبق فإن العناية بالسلامة النفسية للطفل الذي يعايش داء السكري توازي في أهميتها وقدرها الاهتمام بسلامته الجسدية إذ إن تكامل هذين الجانبين هو السبيل الأمثل نحو تمكينه من إدارة مرضه بكفاءة وفعالية ومن ثم الانطلاق نحو حياة يملؤها السواء النفسي وتغمرها السعادة وتتسم بالإنتاجية والعطاء.

التوقعات المستقبلية (Prognosis) لمرض السكري عند الأطفال

إن وقوع تشخيص داء السكري لدى طفل ما يثير في نفوس العديد من الأسر موجة من القلق والتساؤلات المشروعة حول مآلاته الصحية المستقبلية ونوعية الحياة التي تنتظره. ومن الأهمية بمكان أن نُطمئن هذه الأسر بأنه بفضل التقدم العلمي الكبير الذي تم إحرازه في فهم آليات هذا المرض وتوفر ترسانة من العلاجات الفعالة والتطور الملحوظ في تقنيات المراقبة الذاتية أصبح بوسع الغالبية العظمى من الأطفال المصابين بالسكري أن يحيوا حياة مديدة مفعمة بالصحة والنشاط، شريطة التزامهم الدقيق بالخطة العلاجية المرسومة لهم والمتابعة الدورية مع الفريق الطبي المختص.

وتجدر الإشارة إلى أن المآلات المستقبلية للمرض تتباين إلى حد ما بين حالات السكري من النوع الأول وحالات السكري من النوع الثاني، كما أنها تتأثر بمجموعة من العوامل المتداخلة يأتي في مقدمتها مدى نجاح الطفل وأسرته في إحكام السيطرة على مستوى السكر في الدم على المدى الطويل بالإضافة إلى أهمية الكشف المبكر عن أي مضاعفات محتملة والشروع في علاجها دون إبطاء.

التوقعات طويلة الأمد لسكري النوع الأول عند الأطفال

يُعد السكري من النوع الأول تحدياً صحيا يلازم الطفل مدى الحياة ويقتضي التزاماً دائماً بالعلاج بالأنسولين لتعويض النقص الذي يعانيه الجسم. ورغم أن الأفق لم يبشر بعد بعلاج جذري شافٍ لهذا الداء حتى يومنا هذا فإن بارقة أمل قوية قد انبثقت من رحم التطورات العلمية والتقنية المتلاحقة.

فقد شهدت العقود الأخيرة طفرات نوعية في استحداث أنواع متطورة من الأنسولين (كالأنسولين القاعدي مديد التأثير ونظائره فائقة السرعة في المفعول لتغطية الوجبات) وفي ابتكار وسائل أكثر دقة ويسرًا لإيصاله إلى الجسم (مثل أقلام الحقن المريحة ومضخات الأنسولين الذكية التي وصلت إلى حد أنظمة الحلقة المغلقة القادرة على محاكاة جانب من وظائف البنكرياس الطبيعي)، فضلاً عن الأنظمة المتطورة للمراقبة المستمرة لمستوى الجلوكوز في الدم (CGM). وقد أفضت هذه المنجزات مجتمعةً إلى تحسين ملموس وقدرة معززة لدى الأطفال على ضبط مستوى السكر في دمائهم، ومن ثم الإسهام بفعالية في تقليص احتمالات التعرض للمضاعفات وتقليل وطأتها.

تذهب بعض التقديرات البحثية إلى أن متوسط العمر المتوقع لمن يُشخَّصون بالسكري من النوع الأول قد ينقص بضع سنوات عن نظرائهم من عموم الأفراد. وتزداد هذه الفجوة المحتملة وضوحاً في الحالات التي يتم فيها كشف الإصابة في مراحل عمرية جد مبكرة، أو عندما يكون الانضباط في ضبط مستويات السكر متراخياً على امتداد فترات زمنية طويلة، الأمر الذي يُعجِّل بظهور وطأة المضاعفات المزمنة التي تستهدف أجهزة حيوية كالقلب والكلى، وتُلقي بظلالها على سلامة الأعصاب وحاسة البصر.

بيد أنه من الأهمية بمكان إدراك أن هذه التقديرات الإحصائية غالباً ما تستند إلى معطيات وبيانات تعود إلى حقب زمنية سابقة، وقد لا تُجسِّد بصورة كاملة أو دقيقة الأثر الإيجابي الملموس الذي أحدثته الطفرات التقنية المعاصرة في استراتيجيات العلاج وأساليب المراقبة الدقيقة للمرض.

التوقعات طويلة الأمد لسكري النوع الثاني عند الأطفال

نظراً لكون السكري من النوع الثاني لدى الأطفال ظاهرة لم يمضِ على بروزها زمن طويل قياساً بالنوع الأول فإن المعطيات المتعلقة بمآلاته المستقبلية على المدى البعيد لا تزال في طور التشكل والاكتمال. غير أن الثابت علمياً حتى الآن يشير إلى أن هذا النمط من السكري حين يبدأ ظهوره في سنوات الطفولة أو المراهقة غالباً ما يتخذ مساراً أكثر شراسة ويسارع الخطى نحو تطوير المضاعفات وذلك على النقيض من نظيره الذي يتجلى في مراحل متأخرة من العمر.

إن للسكري من النوع الثاني لدى الأطفال ارتباطاً عضويًا وثيقاً بظاهرتي السمنة ومقاومة خلايا الجسم للأنسولين، وكثيراً ما يترافق مع طيف من عوامل الخطر الأخرى التي تهدد سلامة القلب والأوعية الدموية كارتفاع ضغط الدم واضطراب مستويات شحوم الدم وما يُعرف بمتلازمة الأيض.

وفي حال لم تُضبط هذه العوامل مجتمعةً بكفاءة وفعالية فإن احتمالية تطور مضاعفات مبكرة تطال القلب والكلى والعينين والأعصاب ترتفع بصورة مقلقة. بيد أن المبادرة بالتدخل العلاجي في مراحل مبكرة عبر إحداث تحولات جذرية في نمط الحياة (تشمل تبني نظام غذائي صحي وتكثيف النشاط البدني والسعي نحو وزن مثالي) مع الاستعانة بالعلاجات الدوائية الملائمة عند الضرورة كفيلة بتحسين المآلات المستقبلية للمرض بصورة لافتة والحد بشكل ملموس من خطر ظهور تلك المضاعفات.

عوامل تؤثر في التوقعات المستقبلية وكيفية تحسينها

إن المسار المستقبلي لداء السكري لدى الأطفال يتأثر بمجموعة متشابكة من العوامل بعضها ذو طبيعة ثابتة لا سبيل إلى تغييرها (كالمحددات الوراثية والجينية) بيد أن شطراً كبيراً منها يظل خاضعاً للتدخل الإيجابي من خلال الإدارة الواعية والمستمرة للمرض وتبني أسلوب حياة يعزز الصحة والعافية. وفي هذا السياق يبرز التحكم الدقيق والمستدام في مستوى سكر الدم بوصفه الركيزة الأهم التي لا يمكن التهاون بها.

فالتقيد الصارم بالخطة العلاجية المرسومة والمتابعة المنتظمة مع الكادر الطبي المتخصص والتحري المبكر عن أي مضاعفات قد تستجد والمبادرة إلى علاجها كلها مجتمعةً تؤدي دوراً محورياً في صياغة توقعات مستقبلية أفضل للطفل.

ومن أبرز هذه العوامل التي تقع في صلب هذه الجهود ما يلي:

  • مستوى التحكم الجيد في سكر الدم التراكمي (HbA1c).
  • الالتزام الصارم بالعلاج (الأنسولين أو الأدوية الأخرى).
  • اتباع نظام غذائي صحي ومتوازن.
  • ممارسة النشاط البدني بانتظام.
  • الحفاظ على وزن صحي.
  • ضبط ضغط الدم ومستويات الدهون.
  • الامتناع عن التدخين (خاصة في سن المراهقة والشباب).
  • الفحص الدوري للكشف المبكر عن المضاعفات.
  • الحصول على الدعم النفسي والاجتماعي الملائم.
  • إتاحة الوصول إلى رعاية صحية جيدة وتقنيات حديثة.

وفي المحصلة فإن تزويد الطفل وأسرته بالمعارف الضرورية والمهارات العملية التي تمكنهم من إدارة داء السكري بكفاءة وفعالية إلى جانب توفير مظلة من الدعم المتواصل وتوظيف أحدث ما أثمرت عنه الاكتشافات العلمية في ميادين العلاج والمراقبة، كل هذه الركائز مجتمعةً هي التي ترسم ملامح مستقبل واعد للطفل المصاب بالسكري وتفتح أمامه آفاق العيش حياة طبيعية حافلة بالنشاط والإنجاز مع تقليص احتمالات وقوع المضاعفات إلى أبعد مدى ممكن.

الخاتمة

إن داء السكري عند الأطفال على الرغم مما قد يفرضه من تحديات على الطفل وأسرته يمكن مواجهته بفعالية من خلال تضافر جهود التثقيف والفهم العميق مع الالتزام بنهج إداري دقيق ومنظومة دعم متواصلة تشمل الأسرة والمجتمع والفريق الطبي. ويبقى الأمل معقوداً على أن تسهم المعرفة المستنيرة المقرونة بالتشخيص المبكر والمتابعة الطبية الدؤوبة وتبني خيارات حياتية صحية في تمكين أطفالنا المصابين بالسكري من الانطلاق نحو حياة حافلة بالصحة والنشاط والإيجابية وتخفيف العبء عن كاهلهم وكاهل ذويهم، الذين نؤكد لهم بأنهم ليسوا وحدهم في هذه المسيرة، فطلب العون والمشورة سبيل متاح وقوة لا يُستهان بها.

إخلاء المسؤولية الطبية:

المعلومات الواردة في هذا المقال هي لأغراض تثقيفية وتوعوية فقط ولا تُغني بأي حال من الأحوال عن استشارة الطبيب المختص أو الفريق الطبي المؤهل. يعتمد تشخيص وعلاج مرض السكري عند الأطفال على تقييم فردي لكل حالة ولا يجب الاعتماد على هذا المحتوى لاتخاذ قرارات علاجية أو تغيير خطط العلاج الموصوفة دون الرجوع إلى مقدم الرعاية الصحية.

الأسئلة الشائعة عن السكري عند الاطفال

نجيب في السطور التالية عن طائفة من الأسئلة التي يكثر تداولها بين الناس حول موضوع داء السكري عند الأطفال وذلك بهدف توفير إيضاحات موجزة ومفيدة تساهم في تبديد بعض الغموض وتقديم المعلومة بشكل مبسط:

ما هي أبرز العلامات التي تدل على احتمالية إصابة طفلي بالسكري؟

تأتي في صدارة العلامات التي تستوجب اليقظة والمسارعة إلى استشارة الطبيب ظمأ الطفل الشديد وإقباله المتزايد على شرب الماء وزيادة مرات تبوله على غير المعتاد (وقد يشمل ذلك عودة التبول اللاإرادي ليلاً بعد أن يكون الطفل قد بلغ مرحلة التحكم)، وشعوره بنهم شديد للطعام مصحوباً في الغالب بنقصان ملحوظ في الوزن دون سبب ظاهر بالإضافة إلى إحساس عام بالإعياء والإنهاك. وإن تزامن ظهور هذه الأعراض أو تجليها بصورة مفاجئة وحادة ليُعد داعياً قويا لإجراء فحص فوري لمستوى السكر في دم الطفل دون إبطاء.

هل يمكن الشفاء التام من مرض السكري عند الأطفال؟

لم يتوصل الطب الحديث في الوقت الراهن إلى علاج يستأصل شأفة السكري من النوع الأول لدى الأطفال إذ يبقى هذا النمط من الداء ملازماً للطفل ويستوجب اعتماداً كلياً على العلاج بالأنسولين على امتداد حياته.

أما فيما يتعلق بالسكري من النوع الثاني فإن الصورة تبدو مختلفة بعض الشيء؛ ففي بعض الحالات التي يُكتشف فيها المرض مبكراً يمكن إحكام السيطرة عليه إلى حد كبير بل ودخوله أحياناً في طور من السكون أو الخمود (ما يُعرف طبياً بمرحلة الـ remission) وذلك من خلال إحداث تحولات جذرية في نمط الحياة اليومي كاتباع نظام غذائي صحي والمواظبة على النشاط البدني والعمل على إنقاص الوزن الزائد. ولكن مع ذلك فحتى في ظل هذا التحسن الملحوظ يبقى هذا النمط من السكري حالة تستلزم يقظة ومتابعة طبية دؤوبة ومستمرة.

ما الفرق الرئيسي بين سكري النوع الأول والنوع الثاني عند الأطفال؟

يكمن الاختلاف الجوهري بين هذين النمطين من السكري لدى الأطفال في الآلية المرضية الأساسية الكامنة وراء كلٍ منهما:

فالسكري من النمط الأول هو في جوهره اعتلال مناعي ذاتي حيث يُقدم جهاز المناعة في الجسم – على نحو خاطئ – على مهاجمة وتدمير خلايا "بيتا" الثمينة في البنكرياس وهي الخلايا المنوط بها حصرياً إنتاج هرمون الأنسولين الحيوي. ويُسفر هذا الهجوم المناعي عن عوز شديد أو حتى انعدام تام في بعض الحالات في قدرة الجسم على إفراز الأنسولين.

أما السكري من النمط الثاني فينشأ غالباً من حالة معقدة تتسم في المقام الأول بمقاومة خلايا الجسم لتأثير الأنسولين (بمعنى أن الأنسولين يكون متوافراً ولكن الخلايا لا تستجيب لعمله بالكفاءة المطلوبة) ويترافق ذلك عادةً مع قصور نسبي في قدرة البنكرياس على إفراز كميات إضافية من الأنسولين تكون كافية للتغلب على هذه المقاومة المتزايدة. وغالباً ما يرتبط هذا النمط بعوامل مثل فرط الوزن أو السمنة وتبني أنماط حياتية تفتقر إلى القدر الكافي من النشاط البدني.

هل النظام الغذائي الصارم ضروري للطفل المصاب بالسكري؟

كثيراً ما يسود اعتقاد بأن إصابة الطفل بالسكري تفرض عليه بالضرورة نظاماً غذائياً يتسم بالصرامة ويفتقر إلى التنوع، بيد أن الواقع يخالف هذا التصور؛ فالأمر في جوهره دعوة لتبني نمط تغذية صحي ومتوازن يستطيع جميع أفراد الأسرة المشاركة فيه والاستفادة من منافعه.

ويقوم هذا النمط الغذائي على دعائم أساسية أبرزها الإكثار من تناول الخضروات الطازجة والفواكه الموسمية ومنتجات الحبوب الكاملة إلى جانب مصادر البروتين قليلة الدسم. ويترافق ذلك مع ضرورة إيلاء عناية خاصة لحساب دقيق لكميات الكربوهيدرات في كل وجبة ومواءمتها بحرص مع جرعات الأنسولين (لاسيما في حالات السكري من النوع الأول) ومستوى النشاط البدني المبذول فضلاً عن الحرص على الحد قدر المستطاع من استهلاك السكريات المضافة والدهون المعالجة.

كيف يمكنني مساعدة طفلي على التعايش بشكل طبيعي مع مرض السكري؟

تكمن إحدى أهم ركائز مساندتك لطفلك في تزويده بالمعرفة اللازمة عن طبيعة دائه وذلك بأسلوب مبسط يتناسب مع مرحلته العمرية وقدراته الاستيعابية ومن ثم تحفيزه على الانخراط التدريجي والمستمر في تحمل جزء من مسؤولية تدبير شؤون حالته الصحية مع الحرص على تهيئة محيط أسري ومدرسي يتسم بالدعم العاطفي والتفهم العميق لاحتياجاته الخاصة.

وينبغي توجيه الاهتمام نحو إبراز قدراته وما يستطيع إنجازه والنجاح فيه وتشجيعه على الانخراط بحماس في الأنشطة والهوايات التي تستهويه وتشعره بالسعادة. ولا تتردد في بناء جسور التواصل مع مجموعات الدعم التي تجمع أطفالاً آخرين يعيشون مع داء السكري وأسرهم، ففي ذلك عون كبير وتبادل للخبرات القيمة.

المراجع:

World Health Organization. (2023, April 5). Diabetes. WHO. Retrieved May 20, 2025, from https://www.who.int/health-topics/diabetes

Mayo Clinic Staff. (2023, September 2). Type 1 diabetes in children. Mayo Clinic. Retrieved May 20, 2025, from https://www.mayoclinic.org/diseases-conditions/type-1-diabetes-in-children/symptoms-causes/syc-20355306

Centers for Disease Control and Prevention. (2024, May 15). Type 1 Diabetes. CDC. Retrieved May 20, 2025, from https://www.cdc.gov/diabetes/about/about-type-1-diabetes.html

American Diabetes Association. (2024). Standards of Care in Diabetes—2024. Diabetes Care, 47(Supplement_1). (Specifically, Section 14: Children and Adolescents, S258-S281, and Section 5: Facilitating Positive Health Behaviors and Well-being to Improve Health Outcomes, S69-S84). Retrieved May 20, 2025, from https://diabetesjournals.org/care/issue/47/Supplement_1

Juvenile Diabetes Research Foundation. (n.d.). Type 1 Diabetes Complications. JDRF. Retrieved May 20, 2025, from https://jdrf.org.au/living-with-t1d/impacts-of-living-with-t1d/

ISPAD. (2022). ISPAD Clinical Practice Consensus Guidelines 2022. International Society for Pediatric and Adolescent Diabetes. Retrieved May 20, 2025, from https://www.ispad.org/resources/ispad-clinical-practice-consensus-guidelines/2022-ispad-clinical-practice-consensus-guidelines.html.

Johns Hopkins Medicine. (n.d.). Type 1 Diabetes in Children. Johns Hopkins Medicine. Retrieved May 20, 2025, from https://www.hopkinsmedicine.org/health/conditions-and-diseases/diabetes/type-1-diabetes-in-children

Endocrine Society. (2022, January 24). Diabetes Technology. Endocrine Society. Retrieved May 20, 2025, from https://www.endocrine.org/patient-engagement/endocrine-library/diabetes-technology

Cleveland Clinic. (2022, July 18). Type 1 Diabetes in Children. Cleveland Clinic. Retrieved May 20, 2025, from https://my.clevelandclinic.org/health/diseases/21500-type-1-diabetes (information adapted for children from general T1D page)

خالد العابد
خالد العابد
يحمل خالد شهادة البكالوريوس من كلية الصيدلة في جامعة صنعاء وهو كاتب ومدقق في المحتوى الطبي على موقع نبض طب وتتركز اهتماماته حول المواضيع الصحية والطبية.
تعليقات