أسباب عدم انتظام الدورة الشهرية عند المراهقات وكيفية التعامل معها

يعتبر عدم انتظام الدورة الشهرية لدى الفتيات المراهقات من الأمور التي تثير قلق الأمهات وبناتهن على حدٍ سواء. فالدورة الشهرية ليست فقط حدثٍ فسيولوجي، بل هي مؤشر دقيق على صحة المراهقة وتوازنها الهرموني. وفي حين أن بعض التغيرات في نمط الدورة تُعتبر طبيعية في سنوات البلوغ الأولى، إلا أن فهم متى يكون هذا "عدم الانتظام" ضمن الحدود المقبولة، ومتى يستدعي الاهتمام والمتابعة الطبية، هو أمر ضروري.

أسباب عدم انتظام الدورة الشهرية عند المراهقات وكيفية التعامل معها

يهدف هذا المقال إلى أن يكون دليلكِ الشامل ومرجعكِ الموثوق. سنسعى من خلاله إلى تبسيط المعلومات الطبية وتقديم إجابات واضحة ومفصلة حول أسباب عدم انتظام الدورة الشهرية عند المراهقات. وإن فهم هذه الأسباب هو الخطوة الأولى نحو تبديد المخاوف، واتخاذ القرارات الصحية السليمة، وضمان تمتع المراهقة بصحة جيدة وراحة بال.

ما هو عدم انتظام الدورة الشهرية عند المراهقات؟

إن فهم طبيعة الدورة الشهرية المنتظمة لدى الفتاة المراهقة يمثل حجر الزاوية لتحديد أي خلل أو اضطراب قد يطرأ عليها. فالدورة الشهرية - كما أسلفنا - هي أكثر من مجرد نزيف دوري؛ إنها علامة حيوية تعكس تناغم العمليات الحيوية والهرمونية داخل جسم المراهقة. لذا قبل الخوض في أسباب عدم الانتظام، دعونا نحدد أولاً معالم الدورة الشهرية الطبيعية وغير المنتظمة في هذه المرحلة العمرية الحساسة.

تعريف الدورة الشهرية الطبيعية للمراهقات

تختلف خصائص الدورة الشهرية الطبيعية لدى المراهقات، خاصة في السنوات الأولى التي تلي بدء الحيض (Menarche)، عن تلك التي تميز النساء البالغات. هذا الاختلاف طبيعي ويعكس مرحلة النضج التدريجي للجهاز التناسلي والهرموني. فمن المهم إدراك أن تطبيق معايير البالغات بشكل مباشر على المراهقات قد يؤدي إلى قلق غير مبرر، ولكن في الوقت ذاته، يجب التوعية بالحدود التي تفصل بين ما هو طبيعي وما قد يستدعي الانتباه.

يُقصد بطول الدورة الشهرية المدة الزمنية من اليوم الأول لنزول الحيض وحتى اليوم الأول للحيض التالي. يتراوح طول الدورة الطبيعي لدى المراهقات عادةً بين 21 إلى 45 يومًا، وبمتوسط يقارب 32.2 يومًا خلال السنة الأولى والثانية بعد بدء الحيض. هذا النطاق أوسع قليلاً مقارنة بالنساء البالغات، حيث تتراوح الدورة لديهن غالبًا بين 21 و 34-38 يومًا. أما مدة نزول دم الحيض نفسه فتستمر عادةً من 3 إلى 7 أيام، وأي نزيف يتجاوز 7 أو 8 أيام يُعد غير معتاد ويستلزم التقييم الطبي.

فيما يتعلق بانتظام الدورة، فمن الشائع ملاحظة بعض التباين في طولها من شهر لآخر في بداية مرحلة البلوغ. ولكن مع مرور الوقت، يُفترض أن تصبح الدورات أكثر استقرارًا. يُعتبر التباين في طول الدورة الشهرية بما لا يتجاوز 9 أيام أمرًا طبيعيًا للمراهقات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 18 و 25 عامًا. إن فهم هذه الحدود يساعد في التمييز المبكر للحالات التي قد تحتاج إلى تدخل طبي، بدلاً من اعتبار "كل شيء طبيعي في المراهقة" بشكل مطلق.

متى تعتبر الدورة الشهرية غير منتظمة لدى المراهقة؟ (علامات وأعراض)

لا يقتصر مفهوم عدم انتظام الدورة الشهرية على مجرد تأخرها أو تبكيرها عن الموعد المتوقع، بل يشمل جوانب متعددة تتعلق بكمية النزيف، ومدته، وتكراره، وأي تغيرات مفاجئة تطرأ على النمط المعتاد للفتاة. من المهم أن تكون المراهقة ووالدتها على دراية بالعلامات التي قد تشير إلى وجود خلل يستدعي الانتباه، مع الأخذ في الاعتبار السياق الزمني، أي كم سنة مرت على بدء الحيض، حيث أن معايير "عدم الانتظام" تتغير مع نضج الجهاز التناسلي.

يمكن تلخيص أبرز علامات عدم انتظام الدورة الشهرية عند المراهقات في النقاط التالية:

  • دورات أقصر من 21 يوماً أو أطول من 45 يوماً بشكل متكرر (خاصة بعد تجاوز السنتين الأوليين من بدء الحيض).
  • غياب الدورة الشهرية لمدة تزيد عن 90 يوماً (أي ثلاثة أشهر متتالية) بعد أن كانت قد بدأت بالنزول.
  • تباين كبير ومستمر في طول الدورة من شهر لآخر (يزيد عن 9 أيام للمراهقات بين 18 و 25 عاماً).
  • نزيف حيض يستمر لأكثر من سبعة أو ثمانية أيام بصورة متكررة.
  • نزيف غزير جدًا يتطلب تغيير الفوط الصحية كل ساعة أو ساعتين لعدة ساعات متتالية، أو ملاحظة وجود تجلطات دموية كبيرة.
  • حدوث نزيف أو تنقيط دموي بين الدورات الشهرية المنتظمة.
  • عدم بدء الدورة الشهرية إطلاقاً بحلول سن الخامسة عشرة (وهو ما يُعرف بانقطاع الطمث الأولي).

إن ظهور أي من هذه العلامات، وخصوصاً إذا كانت مستمرة أو متكررة أو مصحوبة بأعراض أخرى مقلقة، يستدعي استشارة الطبيب المختص لتقييم الحالة والبحث عن أسباب عدم انتظام الدورة الشهرية عند المراهقات. فالتشخيص المبكر لأي مشكلة كامنة يساهم في الحصول على العلاج المناسب وتجنب أي مضاعفات محتملة.

هل عدم انتظام الدورة شائع في سنوات المراهقة الأولى؟

يعتبر عدم انتظام الدورة الشهرية أمرًا شائعًا جدًا خلال السنوات الأولى التي تلي بدء الحيض (Menarche) لدى الفتيات. والسبب الرئيسي وراء ذلك يكمن في عدم النضج الكامل للمحور الهرموني الذي يربط بين منطقة تحت المهاد (الوطاء) في الدماغ، والغدة النخامية، والمبيضين (يُعرف بالمحور الوطائي-النخامي-المبيضي أو HPO axis). هذا النظام الهرموني المعقد هو المسؤول عن تنظيم الدورة الشهرية، ويحتاج إلى بعض الوقت حتى يعمل بكفاءة وتناغم كاملين.

خلال هذه الفترة الانتقالية تكون معظم الدورات الشهرية لدى المراهقة "لا إباضية" (Anovulatory cycles)، أي أنه لا يتم فيها تحرير بويضة ناضجة من المبيض بشكل منتظم. وتشير بعض الدراسات إلى أن نسبة الدورات اللاإباضية يمكن أن تصل إلى 85% حتى بعد مرور عامين على بدء الحيض. هذا النضج التدريجي للمحور الهرموني، وبالتالي انتظام عملية الإباضة، قد يستغرق عادةً من سنتين إلى ثلاث سنوات بعد الـ Menarche. لذلك فإن عدم الانتظام في هذه المرحلة غالبًا ما يُعتبر جزءًا طبيعيًا من التطور الفسيولوجي.

لكن من المهم تحقيق توازن بين الطمأنة واليقظة، حيث أنه بينما يُعتبر عدم الانتظام شائعًا إلا أن هناك حدود معينة. فمثلاً لا ينبغي تجاهل غياب الدورة لأكثر من 90 يومًا متتاليًا، أو النزيف الغزير جدًا الذي يؤدي إلى فقر الدم، أو الألم الشديد المصاحب للدورة، حتى خلال هذه السنوات الأولى. وإن فهم أن "اللاإباضة" هي المفتاح لعدم الانتظام المبكر يساعد على استيعاب طبيعة هذه المرحلة، ولكنه لا يلغي ضرورة الانتباه للعلامات التي قد تتجاوز النطاق الطبيعي.

إن استيعاب هذه المفاهيم الأساسية حول الدورة الشهرية الطبيعية وغير المنتظمة لدى المراهقات يمهد الطريق لفهم أعمق للأسباب المتنوعة التي قد تؤدي إلى هذا الاضطراب، وهو ما سنتناوله بالتفصيل في هذا المقال.

الأسباب الشائعة لعدم انتظام الدورة الشهرية عند المراهقات

تتعدد العوامل التي يمكن أن تؤدي إلى عدم انتظام الدورة الشهرية لدى الفتيات المراهقات، وتتراوح بين التغيرات الفسيولوجية الطبيعية المصاحبة لمرحلة البلوغ، مرورًا ببعض الحالات الصحية التي تتطلب اهتمامًا طبيًا، ووصولًا إلى تأثيرات نمط الحياة والعوامل النفسية. إن معرفة هذه الأسباب المتنوعة يساعد في توجيه التشخيص والعلاج بشكل صحيح، وتقديم الدعم المناسب للمراهقة.

1. التغيرات الهرمونية الطبيعية في مرحلة البلوغ

كما أشرنا سابقًا، يُعد عدم النضج الكامل للمحور الهرموني (الوطائي-النخامي-المبيضي) السبب الأكثر شيوعًا لعدم انتظام الدورة الشهرية في السنوات الأولى بعد بدء الحيض. هذه التغيرات الهرمونية هي جزء طبيعي من عملية البلوغ، حيث يتكيف الجسم تدريجيًا مع المستويات الجديدة من الهرمونات ودورها في تنظيم الوظائف التناسلية.

دور الهرمونات (الإستروجين والبروجسترون)

يلعب هرمونا الإستروجين والبروجسترون دورًا محوريًا في تنظيم الدورة الشهرية. يعمل الإستروجين في النصف الأول من الدورة على بناء بطانة الرحم، بينما يُفرز البروجسترون بشكل رئيسي بعد حدوث الإباضة (خروج البويضة من المبيض) ليُعدّ هذه البطانة لاستقبال الحمل المحتمل. وإذا لم يحدث حمل فإنه تنخفض مستويات البروجسترون، مما يؤدي إلى انسلاخ بطانة الرحم ونزول دم الحيض.

في بداية مرحلة البلوغ لا تكون عملية الإباضة منتظمة دائمًا. وهذا يعني أن إفراز البروجسترون قد لا يكون كافيًا أو منتظمًا، مما يؤدي إلى هيمنة نسبية لهرمون الإستروجين وتقلبات في مستويات كلا الهرمونين. هذه التقلبات هي التي تسبب عدم انتظام الدورات الشهرية من حيث توقيتها ومدتها وكمية النزيف. وإن النظام الهرموني المعقد، الذي يبدأ من الوطاء في الدماغ مرورًا بالغدة النخامية ووصولًا إلى المبيضين، يحتاج إلى وقت حتى يصل إلى مرحلة النضج والاستقرار الكاملين.

لماذا تكون الدورات الأولى غير منتظمة غالبًا؟

إن عدم النضج الفسيولوجي للمحور الوطائي-النخامي-المبيضي هو الإجابة المباشرة على هذا السؤال. ففي هذه المرحلة تكون الدورات اللاإباضية، أي الدورات التي لا تحدث فيها إباضة، هي السمة الغالبة. وبدون إباضة منتظمة، لا يتم إنتاج هرمون البروجسترون بالكميات والتوقيتات اللازمة للحفاظ على دورة شهرية منتظمة.

يستغرق الأمر عادةً من سنة إلى عدة سنوات (غالبًا سنتين إلى ثلاث سنوات) حتى تنتظم عملية إطلاق البويضات من المبايض، وبالتالي تنتظم الدورة الشهرية تدريجيًا. من المهم التمييز بين هذا النوع من عدم الانتظام "الفسيولوجي" أو الطبيعي، الذي يُعتبر جزءًا من التطور، وبين الحالات "المرضية" التي تتطلب تقييمًا وعلاجًا. فعدم الانتظام الفسيولوجي متوقع، ولكن يجب مراقبة تطور الدورة نحو الانتظام المتوقع مع مرور الوقت.

تُعتبر هذه التغيرات الهرمونية الطبيعية جزءًا لا يتجزأ من رحلة النضوج، ولكن إذا استمر عدم انتظام الدورة بشكل ملحوظ بعد مرور السنوات الأولى من البلوغ، أو إذا كان مصحوبًا بأعراض أخرى مقلقة، فمن الضروري استشارة الطبيب.

2. متلازمة تكيس المبايض (PCOS)

تعتبر متلازمة تكيس المبايض (Polycystic Ovary Syndrome - PCOS) واحدة من أبرز الأسباب الهرمونية الشائعة التي تؤدي إلى عدم انتظام الدورة الشهرية عند المراهقات والنساء في سن الإنجاب بشكل عام. وهي حالة معقدة تتطلب فهمًا دقيقًا لأعراضها وتأثيراتها المختلفة على صحة الفتاة.

متلازمة تكيس المبايض هي اضطراب هرموني يؤثر بشكل أساسي على وظيفة المبايض، ولكنه يمتد ليشمل جوانب أخرى من صحة الجسم. تتميز هذه المتلازمة عادةً بارتفاع مستويات الأندروجينات (وهي هرمونات يُشار إليها أحيانًا بالهرمونات الذكرية، على الرغم من وجودها بشكل طبيعي بكميات قليلة لدى الإناث)، وعدم انتظام أو غياب الإباضة، وفي كثير من الحالات، ظهور تكيسات صغيرة متعددة على سطح المبيض عند الفحص بالموجات فوق الصوتية. من المهم الإشارة إلى أن مصطلح "تكيسات" قد يكون مضللًا بعض الشيء، فهي ليست أكياسًا بالمعنى التقليدي، بل بصيلات (جريبات) صغيرة لم تتمكن من النضوج وإطلاق البويضة.

لا يزال السبب الدقيق لمتلازمة تكيس المبايض غير مفهوم تمامًا، ولكن يُعتقد أن هناك تفاعلًا بين العوامل الوراثية (الاستعداد الجيني) والعوامل البيئية ونمط الحياة، مثل السمنة ومقاومة الإنسولين. وتصحيح المفهوم الشائع بأنها مجرد وجود أكياس على المبيض أمر ضروري، فهي متلازمة ذات أبعاد هرمونية وأيضية متعددة.

كيف تؤثر على انتظام الدورة وأعراضها الأخرى؟

يؤدي ارتفاع مستويات الأندروجينات واضطراب عملية الإباضة في متلازمة تكيس المبايض إلى خلل واضح في انتظام الدورة الشهرية. فقد تعاني الفتاة من قلة الطمث (Oligomenorrhea)، أي دورات متباعدة تأتي كل 35 يومًا أو أكثر، أو حتى غياب الدورة تمامًا لعدة أشهر (Amenorrhea).

كما قد تظهر على المراهقة المصابة بمتلازمة تكيس المبايض - بالإضافة إلى اضطرابات الدورة الشهرية - مجموعة من الأعراض الأخرى، والتي تشمل ما يلي:

  • نمو الشعر الزائد (الشعرانية) في مناطق غير معتادة لدى الإناث، مثل الوجه (الذقن والشارب)، والصدر، والبطن، والظهر.
  • ظهور حب الشباب الشديد أو المستمر، والذي قد لا يستجيب للعلاجات التقليدية بشكل جيد.
  • زيادة الوزن أو مواجهة صعوبة كبيرة في فقدانه، مع ميل لتراكم الدهون في منطقة البطن بشكل خاص.
  • ترقق شعر فروة الرأس أو تساقطه بنمط يشبه الصلع الذكوري في بعض الحالات.
  • ظهور بقع داكنة وسميكة على الجلد، تُعرف بالشواك الأسود (Acanthosis nigricans)، وغالبًا ما تظهر في ثنايا الرقبة، وتحت الإبطين، وفي منطقة الفخذ.
  • مواجهة صعوبات في الإنجاب في المستقبل نتيجة لعدم انتظام الإباضة.

من الضروري التأكيد على أهمية التشخيص المبكر لمتلازمة تكيس المبايض. فالتعامل مع الأعراض في وقت مبكر، واتباع نمط حياة صحي، والحصول على العلاج المناسب يمكن أن يساعد في تنظيم الدورة الشهرية، وتقليل الأعراض المزعجة، والوقاية من المضاعفات الصحية طويلة الأمد المرتبطة بالمتلازمة، مثل زيادة خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، وأمراض القلب والأوعية الدموية، وبعض المشاكل النفسية كالاكتئاب والقلق.

وإن تشخيص المتلازمة لدى المراهقات يتطلب حذرًا وخبرة من الطبيب، حيث أن بعض الأعراض قد تتداخل مع التغيرات الطبيعية للبلوغ، ولا يعني كل عدم انتظام في الدورة مع ظهور بعض حب الشباب بالضرورة وجود المتلازمة.

تُعد متلازمة تكيس المبايض سببًا هامًا ضمن أسباب عدم انتظام الدورة الشهرية عند المراهقات، وتستدعي متابعة طبية منتظمة وخطة علاجية شاملة قد تتضمن تغييرات في نمط الحياة وأحيانًا بعض الأدوية.

3. اضطرابات الغدة الدرقية

تلعب الغدة الدرقية - وهي غدة صغيرة على شكل فراشة تقع في مقدمة العنق - دورًا حيويًا في تنظيم العديد من وظائف الجسم، بما في ذلك عمليات الأيض (التمثيل الغذائي) وإنتاج الطاقة، وتوازن الهرمونات. وأي خلل في وظيفة هذه الغدة، سواء بزيادة نشاطها أو قصوره، يمكن أن يؤثر بشكل مباشر على انتظام الدورة الشهرية لدى المراهقات.

فرط نشاط الغدة الدرقية وتأثيره

يُعرف فرط نشاط الغدة الدرقية (Hyperthyroidism) بأنه الحالة التي تنتج فيها الغدة الدرقية كمية زائدة من هرموناتها، وخصوصًا هرمون الثيروكسين. هذا النشاط المفرط يؤدي إلى تسارع عمليات الأيض في الجسم، ويمكن أن يسبب مجموعة متنوعة من الأعراض، بما في ذلك تغيرات في الدورة الشهرية. فقد تصبح الدورات أخف من المعتاد، أو أقل تكرارًا (متباعدة)، وفي بعض الحالات قد تغيب الدورة تمامًا.

يمكن أن يترافق فرط نشاط الغدة الدرقية - بالإضافة إلى تأثيره على الدورة - مع أعراض أخرى مثل فقدان الوزن غير المبرر على الرغم من زيادة الشهية، وتسارع ضربات القلب أو عدم انتظامها، والشعور بالعصبية والقلق والرعشة، وزيادة التعرق والحساسية للحرارة، وصعوبات في النوم، وفي بعض الأحيان تضخم واضح في الغدة الدرقية (يُعرف بالجويتر أو الدُراق).

وظهور مثل هذه الأعراض الجهازية بالتزامن مع عدم انتظام الدورة الشهرية يجب أن يوجه الانتباه نحو احتمال وجود اضطراب في الغدة الدرقية.

قصور الغدة الدرقية وتأثيره

على النقيض من فرط النشاط، يحدث قصور الغدة الدرقية (Hypothyroidism) عندما لا تتمكن الغدة الدرقية من إنتاج كمية كافية من الهرمونات لتلبية احتياجات الجسم. هذا النقص في الهرمونات يؤدي إلى تباطؤ عمليات الأيض، ويمكن أن يكون له تأثيرات ملحوظة على الدورة الشهرية. فقد تعاني المراهقة المصابة بقصور الغدة الدرقية من دورات شهرية أغزر من المعتاد، أو أطول مدة، أو أكثر تكرارًا، أو عدم انتظام بشكل عام، وفي بعض الحالات قد يؤدي إلى غياب الدورة (انقطاع الطمث).

تشمل الأعراض الأخرى التي تصاحب قصور الغدة الدرقية الشعور بالتعب والإرهاق المستمر، وزيادة الوزن غير المبررة أو صعوبة فقدانه، والإمساك، وجفاف الجلد والشعر، وزيادة الحساسية للبرد، وتباطؤ ضربات القلب، وتقلبات المزاج التي قد تصل إلى الاكتئاب، ومشاكل في الذاكرة والتركيز.

والتأثير المتنوع لاضطرابات الغدة الدرقية على الدورة الشهرية، سواء بزيادة النزيف أو قلته، أو بتغيير توقيته، يؤكد على أهمية فحص وظائف الغدة الدرقية عند تقييم أي حالة من حالات عدم انتظام الدورة الشهرية لدى المراهقات، خاصة إذا كانت هناك أعراض أخرى تدعم هذا الاشتباه.

يُعد فحص وظائف الغدة الدرقية من خلال تحليل بسيط للدم خطوة هامة في عملية تشخيص أسباب عدم انتظام الدورة الشهرية عند المراهقات، خاصة إذا كانت الأعراض العامة للمراهقة تشير إلى احتمال وجود خلل في هذه الغدة الحيوية.

4. التوتر والضغوط النفسية

من المعروف أن العقل والجسم مرتبطان ارتباطًا وثيقًا، وأن الحالة النفسية يمكن أن تؤثر بشكل كبير على الوظائف الفسيولوجية للجسم، بما في ذلك التوازن الهرموني وانتظام الدورة الشهرية. فالتوتر والضغوط النفسية ليست مجرد مشاعر عابرة، بل هي تجارب يمكن أن تُحدث تغييرات حقيقية في كيمياء الجسم، مما يجعلها من بين أسباب عدم انتظام الدورة الشهرية عند المراهقات التي يجب أخذها في الاعتبار.

تأثير الضغط الدراسي والامتحانات

تُعتبر فترات الدراسة المكثفة، والقلق المرتبط بالتحصيل الأكاديمي والامتحانات، من أبرز مصادر التوتر التي تواجهها الفتيات المراهقات. هذا النوع من الضغط النفسي يمكن أن يؤثر بشكل مباشر على منطقة تحت المهاد (الوطاء) في الدماغ، وهي المنطقة المسؤولة عن التحكم في إفراز الهرمونات التي تنظم الدورة الشهرية، وأهمها الهرمون المطلق لموجهة الغدد التناسلية (GnRH).

عندما يتعرض الجسم للتوتر، فإنه ينشط مسارًا هرمونيًا يُعرف بمحور الوطاء-النخامية-الكظر (HPA axis)، مما يؤدي إلى زيادة إفراز هرمونات التوتر مثل الكورتيزول والهرمون المطلق لموجهة القشرة (CRH). هذه الهرمونات يمكن أن تثبط إنتاج الهرمونات التناسلية، مما قد يؤدي إلى تأخير عملية الإباضة أو عدم حدوثها تمامًا، وبالتالي تأخر الدورة الشهرية أو غيابها بشكل مؤقت. وإدراك هذه الآلية يعزز مصداقية الربط بين التوتر والدورة، ويوضح أهمية تبني استراتيجيات فعالة لإدارة الضغوط.

التغيرات العاطفية والاجتماعية ودورها

تُعد مرحلة المراهقة بحد ذاتها فترة مليئة بالتغيرات العاطفية والاجتماعية العميقة. فالتقلبات المزاجية، والقلق بشأن المظهر الجسدي، وتكوين العلاقات مع الأقران، وضغوط التوافق الاجتماعي، والبحث عن الهوية، كلها عوامل يمكن أن تشكل مصادر للتوتر المزمن أو الحاد لدى المراهقات. هذه التغيرات، شأنها شأن الضغط الدراسي، يمكن أن تؤثر على الدورة الشهرية من خلال نفس الآلية المتمثلة في التأثير على وظيفة الوطاء وإفراز الهرمونات.

الأحداث الحياتية المجهدة، مثل المشاكل الأسرية، أو التنمر، أو الانتقال إلى بيئة جديدة، أو فقدان شخص عزيز، يمكن أن تساهم أيضًا في زيادة مستويات التوتر وبالتالي التأثير على انتظام الدورة. ومن الجدير بالذكر أن التوتر لا يعمل فقط كـ "مُسبِّب" مباشر لعدم انتظام الدورة، بل يمكن أن يكون أيضًا عامل "مُعدِّل" يزيد من تفاقم اضطرابات الدورة الناتجة عن أسباب أخرى (مثل متلازمة تكيس المبايض)، أو يزيد من شدة الأعراض المصاحبة للدورة مثل الألم.

ولذلك فالتعرف على مصادر التوتر والضغوط النفسية في حياة المراهقة، وتعلم كيفية التعامل معها بفعالية، جزءًا لا يتجزأ من الحفاظ على انتظام الدورة الشهرية وصحة المراهقة الجسدية والنفسية بشكل عام.

5. التغذية ونمط الحياة

إن ما تتناوله المراهقة من طعام، ومستوى نشاطها البدني، ووزنها، كلها عوامل تلعب دورًا حاسمًا في الحفاظ على توازنها الهرموني، وبالتالي تؤثر بشكل مباشر على انتظام دورتها الشهرية. فاضطرابات التغذية والتغيرات الكبيرة في نمط الحياة تُعد من بين أسباب عدم انتظام الدورة الشهرية عند المراهقات التي يمكن التحكم فيها وتعديلها.

تأثير زيادة الوزن أو السمنة

تُعتبر زيادة الوزن أو السمنة من العوامل التي يمكن أن تؤدي إلى خلل في انتظام الدورة الشهرية. فالخلايا الدهنية في الجسم ليست فقط مخازن للطاقة، بل هي أيضًا أنسجة نشطة هرمونيًا، حيث تساهم في إنتاج هرمون الإستروجين. عندما تكون هناك كمية كبيرة من الأنسجة الدهنية بسبب زيادة الوزن أو السمنة، ترتفع مستويات الإستروجين في الجسم بشكل غير طبيعي.

هذا الارتفاع في مستويات الإستروجين وما يرافقه من اختلال في التوازن مع الهرمونات الأخرى مثل البروجسترون، يمكن أن يعطل عملية الإباضة الطبيعية ويؤدي إلى عدم انتظام الدورة الشهرية، أو غزارتها، أو حتى غيابها في بعض الأحيان. كما ترتبط السمنة ارتباطًا وثيقًا بزيادة مقاومة الإنسولين، وهي حالة لا تستجيب فيها خلايا الجسم بشكل جيد لهرمون الإنسولين.

تُعد مقاومة الإنسولين عاملًا رئيسيًا في تطور متلازمة تكيس المبايض (PCOS)، والتي بدورها تُعتبر سببًا شائعًا لعدم انتظام الدورة. لذلك فإن السمنة لا تؤثر فقط بشكل مباشر على الهرمونات، بل تزيد أيضًا من خطر الإصابة بحالات أخرى تسبب اضطرابات الدورة.

تأثير فقدان الوزن الشديد أو اضطرابات الأكل

على الجانب الآخر يمكن أن يؤدي فقدان الوزن السريع أو الشديد، أو انخفاض وزن الجسم إلى مستويات متدنية جدًا (أقل بحوالي 10% من الوزن الطبيعي المثالي)، إلى تعطيل الوظائف الهرمونية الطبيعية في الجسم، بما في ذلك تلك المسؤولة عن تنظيم الدورة الشهرية، مما يؤدي إلى توقف الإباضة وبالتالي غياب الحيض.

تُعد اضطرابات الأكل، مثل فقدان الشهية العصبي (Anorexia Nervosa) الذي يتميز بتقييد شديد لتناول الطعام وخوف مرضي من زيادة الوزن، والنهام العصبي (Bulimia Nervosa) الذي يتضمن نوبات من الشراهة عند تناول الطعام تليها سلوكيات تعويضية مثل التقيؤ المتعمد أو استخدام المسهلات، من الأسباب الشائعة لغياب الدورة الشهرية (Amenorrhea) لدى المراهقات.

يحدث هذا بسبب التغيرات الهرمونية الحادة الناتجة عن سوء التغذية الشديد ونقص نسبة الدهون في الجسم، حيث يحتاج الجسم إلى كمية معينة من الدهون لإنتاج الهرمونات التناسلية بشكل طبيعي. في مثل هذه الحالات يمكن اعتبار غياب الدورة بمثابة آلية دفاعية من الجسم، حيث "يوقف" الوظائف غير الأساسية للبقاء على قيد الحياة، مثل القدرة على الإنجاب.

الأنظمة الغذائية القاسية وغير المتوازنة

لا يقتصر تأثير التغذية على الوزن فقط، بل يمتد ليشمل نوعية الطعام وتوازنه. وإن اتباع المراهقة لأنظمة غذائية قاسية جدًا، أو تلك التي تستبعد مجموعات غذائية كاملة بشكل غير مدروس (مثل الأنظمة منخفضة الكربوهيدرات أو منخفضة الدهون بشكل مفرط)، يمكن أن يؤدي إلى نقص في العناصر الغذائية الأساسية والفيتامينات والمعادن اللازمة لإنتاج الهرمونات بشكل سليم والحفاظ على انتظام الدورة الشهرية.

عدم الحصول على سعرات حرارية كافية بشكل عام، حتى لو لم يكن هناك فقدان كبير في الوزن، يمكن أن يكون له تأثير مشابه لتأثير نقص الوزن الشديد على الهرمونات. فالتوازن الغذائي الذي يضمن حصول الجسم على جميع احتياجاته من المغذيات الكبرى والصغرى، هو أمر ضروري للحفاظ على جميع وظائف الجسم الطبيعية، بما في ذلك وظائف الجهاز التناسلي وانتظام الدورة.

لذلك يجب توعية المراهقات بأهمية التغذية المتوازنة والصحية بدلاً من التركيز المفرط على رقم الميزان أو اتباع حميات غذائية شائعة قد تكون غير صحية ومضرة على المدى الطويل.

وإن الحفاظ على وزن صحي من خلال نظام غذائي متوازن ونشاط بدني معتدل يُعد حجر الزاوية في الحفاظ على انتظام الدورة الشهرية وصحة المراهقة بشكل عام.

6. ممارسة الرياضة بشكل مفرط

لا شك أن ممارسة الرياضة بانتظام تحمل فوائد صحية جمة للجسم والعقل، ولكن كما هو الحال مع العديد من الأمور، فإن الإفراط فيها، خاصة لدى الفتيات المراهقات اللاتي لم يكتمل نموهن الجسدي والهرموني بشكل كامل، يمكن أن ينقلب إلى تأثير سلبي على انتظام الدورة الشهرية.

متى تكون الرياضة سببًا في عدم انتظام الدورة؟

تصبح ممارسة الرياضة سببًا في عدم انتظام الدورة الشهرية عندما تكون التمارين الرياضية شديدة الكثافة والمدة، ولا يقابلها تناول كمية كافية من السعرات الحرارية والعناصر الغذائية لتعويض الطاقة الكبيرة المصروفة وتلبية احتياجات الجسم المتزايدة. هذا الخلل بين الطاقة المصروفة والطاقة المتناولة، والذي يُعرف بـ "انخفاض توافر الطاقة"، هو العامل الحاسم في التأثير على الدورة الشهرية.

يؤدي انخفاض توافر الطاقة، وغالبًا ما يرافقه انخفاض كبير في نسبة الدهون في الجسم، إلى تعطيل الإشارات الهرمونية الطبيعية القادمة من الدماغ إلى المبيضين. ونتيجة لذلك قد يتوقف المبيضان عن إطلاق البويضات بانتظام (توقف الإباضة)، مما يؤدي إلى قلة الدورة الشهرية (Oligomenorrhea) أو غيابها تمامًا (Amenorrhea).

كما تُعرف هذه الحالة أحيانًا بـ "انقطاع الطمث المرتبط بالرياضة"، وقد تكون جزءًا من متلازمة أوسع تُعرف بـ "ثالوث الأنثى الرياضية"، والتي تشمل ثلاثة عناصر مترابطة: اضطراب الأكل (أو انخفاض توافر الطاقة)، وانقطاع الطمث، وانخفاض كثافة المعادن في العظام (مما يزيد من خطر الإصابة بهشاشة العظام والكسور).

عادةً ما تكون الرياضات التي تتطلب تدريبًا بدنيًا شاقًا ومكثفًا، مع الحفاظ على وزن جسم منخفض ونسبة دهون قليلة (مثل الباليه، والجمباز، والجري لمسافات طويلة، وبعض رياضات التحمل الأخرى)، أكثر ارتباطًا بحدوث هذه المشكلة لدى الرياضيات المراهقات. من المهم التنبيه إلى أن المشكلة لا تقتصر فقط على غياب الدورة، بل تمتد لتشمل عواقب صحية أخرى قد تكون خطيرة على المدى الطويل، مثل ضعف العظام، إذا لم يتم التعامل معها بشكل صحيح من خلال تعديل نظام التدريب والتغذية.

لذلك يجب التأكيد على أهمية تحقيق التوازن بين ممارسة الرياضة والحصول على تغذية كافية ومتوازنة. وفي حال ارتبطت ممارسة الرياضة بانقطاع الدورة الشهرية أو عدم انتظامها بشكل ملحوظ فمن الضروري استشارة الطبيب لتقييم الحالة وتقديم النصح المناسب.

7. بعض الأدوية والحالات الطبية الأخرى

هناك مجموعة من الأدوية وبعض الحالات الطبية الأقل شيوعًا - إضافة إلى الأسباب الشائعة التي تم تناولها - التي يمكن أن تكون ضمن عوامل عدم انتظام الدورة الشهرية عند المراهقات. من المهم أن تكون المراهقة وولي أمرها على دراية بهذه الاحتمالات، وأن يتم إخبار الطبيب بأي أدوية يتم تناولها أو أي تاريخ مرضي سابق.

تأثير بعض أنواع الأدوية

يمكن لبعض الأدوية أن تؤثر على التوازن الهرموني في الجسم أو على عملية التبويض بشكل مباشر، مما يؤدي إلى حدوث تغيرات في نمط الدورة الشهرية. من المهم التأكيد على أنه لا ينبغي إيقاف أي دواء موصوف دون استشارة الطبيب المعالج أولاً.

من بين الأدوية التي قد تؤثر على الدورة الشهرية ما يلي:

  • وسائل منع الحمل الهرمونية: مثل حبوب منع الحمل، أو اللاصقات، أو الحلقات المهبلية، أو الحقن، أو اللولب الهرموني. في بداية استخدام هذه الوسائل أو عند التوقف عن استخدامها أو عند استخدام الأنواع التي تحتوي على هرمون البروجستين فقط ("الحبة الصغيرة")، قد تحدث تغيرات في الدورة مثل عدم الانتظام، أو التنقيط بين الدورات، أو حتى غياب الدورة. ومن المفارقات أن هذه الوسائل تُستخدم أحيانًا لتنظيم الدورة، ولكن تأثيرها الأولي قد يكون مختلفًا.
  • بعض أدوية علاج الصرع (مضادات الاختلاج): وُجد أن بعض هذه الأدوية يرتبط باضطرابات في الدورة الشهرية.
  • بعض مضادات الاكتئاب ومضادات الذهان: أشارت بعض الدراسات إلى أن هذه الأدوية تستطيع أن تسبب تغيرات في الدورة لدى بعض النساء.
  • أدوية العلاج الكيميائي المستخدمة في علاج السرطان: يمكن أن تؤثر بشكل كبير على وظيفة المبايض وتسبب عدم انتظام الدورة أو انقطاعها.
  • الأدوية المميعة للدم (مضادات التخثر): مثل الأسبرين (بجرعات عالية ومنتظمة) والوارفارين، قد لا تسبب عدم انتظام في توقيت الدورة، ولكنها يمكن أن تجعل النزيف أغزر أو أطول مدة.
  • أدوية علاج اضطرابات الغدة الدرقية: إذا كانت جرعة هذه الأدوية غير مناسبة (مرتفعة جدًا أو منخفضة جدًا)، فقد يؤدي ذلك إلى استمرار أو ظهور اضطرابات في الدورة.

من الضروري جدًا أن تقوم المراهقة بإخبار طبيبها المعالج بجميع الأدوية والمكملات الغذائية أو العشبية التي تتناولها، حتى تلك التي لا تحتاج إلى وصفة طبية، وذلك لتقييم أي تأثير محتمل لها على دورتها الشهرية.

حالات طبية أقل شيوعًا قد تؤثر على الدورة

هناك بعض الحالات الطبية الأخرى الأقل شيوعًا من الأسباب المذكورة سابقًا التي يمكن أن تؤدي إلى عدم انتظام الدورة الشهرية لدى المراهقات. من المهم التمييز بين الحالات التي تسبب غياب الدورة تمامًا (Amenorrhea) وتلك التي تسبب نزيفًا غزيرًا (Menorrhagia) قد يكون منتظمًا في توقيته.

تشمل هذه الحالات ما يلي:

  1. ارتفاع مستوى هرمون البرولاكتين (Hyperprolactinemia): البرولاكتين هو هرمون تنتجه الغدة النخامية، وارتفاع مستوياته بشكل غير طبيعي (خارج فترات الحمل والرضاعة) يمكن أن يثبط عملية الإباضة ويؤدي إلى قلة الدورة أو غيابها. قد يكون هذا الارتفاع ناتجًا عن ورم حميد صغير في الغدة النخامية (برولاكتينوما) أو بسبب تناول بعض الأدوية.
  2. فشل المبيض المبكر (Premature Ovarian Failure - POF): وهي حالة يتوقف فيها المبيضان عن العمل بشكل طبيعي وإنتاج البويضات والهرمونات قبل سن الأربعين. يؤدي ذلك إلى انقطاع الطمث وأعراض مشابهة لسن اليأس.
  3. التشوهات الخلقية في الجهاز التناسلي: في حالات نادرة قد تولد الفتاة بتشوهات في تركيب الرحم أو المهبل أو عنق الرحم، مثل عدم وجود الرحم أو المهبل، أو وجود حاجز مهبلي يمنع تدفق دم الحيض إلى الخارج، مما يؤدي إلى انقطاع الطمث الأولي (عدم بدء الدورة مطلقًا).
  4. متلازمة كوشينغ (Cushing's syndrome): وهي حالة نادرة تنتج عن ارتفاع مستويات هرمون الكورتيزول في الجسم لفترات طويلة، ويمكن أن تؤثر على الدورة الشهرية.
  5. بعض الأمراض المزمنة غير المسيطر عليها بشكل جيد: مثل مرض السكري، أو أمراض الكلى المزمنة، أو أمراض الكبد، يمكن أن تؤثر على التوازن الهرموني العام في الجسم وبالتالي على انتظام الدورة.
  6. اضطرابات تخثر الدم الوراثية: مثل مرض فون ويلبراند (von Willebrand disease)، قد لا تسبب بالضرورة عدم انتظام في توقيت الدورة، ولكنها تُعد سببًا هامًا للنزيف الحيضي الغزير والمطول لدى المراهقات.

إن تشخيص هذه الحالات الأقل شيوعًا يتطلب تقييمًا طبيًا دقيقًا وفحوصات متخصصة. لذلك فإن أي تغيرات مستمرة أو مقلقة في نمط الدورة الشهرية لدى المراهقة تستدعي استشارة الطبيب لاستبعاد هذه الأسباب أو تأكيدها والبدء في العلاج المناسب.

وإن أسباب عدم انتظام الدورة الشهرية عند الفتيات المراهقات معقدة ومتنوعة، تتراوح بين التغيرات الفسيولوجية الطبيعية في بداية البلوغ، مرورًا بتأثيرات نمط الحياة والتغذية والضغوط النفسية، ووصولًا إلى حالات طبية محددة كمتلازمة تكيس المبايض واضطرابات الغدة الدرقية وغيرها. وإدراك هذه الأسباب بشكل جيد يساعد في تحديد مسار التعامل المناسب لكل حالة على حدة.

متى يجب على المراهقة (أو ولي أمرها) القلق وطلب المساعدة الطبية؟

على الرغم من أن عدم انتظام الدورة الشهرية يُعد أمرًا شائعًا في سنوات المراهقة الأولى إلا أن هناك بعض العلامات والأعراض التي لا ينبغي إهمالها، والتي تشير غالباً إلى وجود مشكلة صحية أعمق تتجاوز مجرد "عدم انتظام طبيعي" مصاحب للبلوغ. وإدراك هذه العلامات وطلب المشورة الطبية في الوقت المناسب أمر بالغ الأهمية للحفاظ على صحة المراهقة.

علامات تحذيرية تستدعي زيارة الطبيب فورًا

هناك بعض الأعراض المتعلقة بالدورة الشهرية أو المصاحبة لها والتي تتطلب تقييمًا طبيًا عاجلاً أو في أقرب فرصة ممكنة، حيث تدل على حالات تستدعي تدخلاً سريعًا. من أبرز هذه العلامات التحذيرية التي لا ينبغي تجاهلها ما يلي:

  • نزيف مهبلي غزير جدًا بحيث تضطر المراهقة إلى تغيير الفوطة الصحية كل ساعة أو أقل لعدة ساعات متتالية، أو تلاحظ وجود جلطات دموية كبيرة جدًا.
  • ظهور أعراض فقر الدم المصاحبة للنزيف الغزير، مثل الشعور بالدوخة الشديدة أو الإغماء، أو شحوب الجلد، أو ضيق في التنفس عند بذل مجهود بسيط، أو تسارع واضح في ضربات القلب.
  • الشعور بألم شديد ومفاجئ في منطقة الحوض أو أسفل البطن، خاصة إذا كان غير مرتبط بالدورة الشهرية أو كان مختلفًا عن آلام الدورة المعتادة.
  • ارتفاع درجة حرارة الجسم (حمى) بالتزامن مع ألم في الحوض أو ظهور إفرازات مهبلية غير طبيعية ذات رائحة كريهة، مما قد يشير إلى وجود عدوى.
  • غياب الدورة الشهرية لأكثر من 90 يومًا متتاليًا (ثلاثة أشهر)، ما لم تكن الفتاة لا تزال في السنة الأولى مباشرة بعد بدء أول حيض لها، حيث قد تكون الفترات المتباعدة أكثر شيوعًا.
  • عدم بدء الدورة الشهرية إطلاقًا بحلول سن الخامسة عشرة أو السادسة عشرة.
  • إذا كانت الدورة الشهرية منتظمة في السابق ثم أصبحت فجأة غير منتظمة بشكل كبير أو توقفت تمامًا دون سبب واضح.
  • ظهور علامات فرط الأندروجين (الهرمونات الذكرية) بشكل واضح وسريع، مثل نمو الشعر بكثافة في الوجه والصدر والبطن، أو ظهور حب شباب شديد ومقاوم للعلاج، أو خشونة ملحوظة في الصوت.

إن التفريق بين ما يستدعي "القلق" والتوجه للطبيب في وقت مناسب، وما قد يمثل حالة "شبه طارئة" تستدعي تدخلاً أسرع، أمر يعتمد على شدة الأعراض وتأثيرها على حالة المراهقة العامة. ولكن بشكل عام، أي من العلامات المذكورة أعلاه تستوجب عدم التردد في طلب المشورة الطبية.

العلامات التحذيرية التي تستدعي زيارة المراهقات للطبيب على الفور
العلامات والأعراض التفسير المحتمل/الأهمية الإجراء الموصى به
نزيف مهبلي غزير جدًا (تغيير الفوطة كل ساعة أو أقل) من الممكن أن يشير إلى اضطراب في تخثر الدم، أو مشاكل هرمونية حادة، أو حالات أخرى. كما يُخشى من خطر الإصابة بفقر الدم الحاد. زيارة الطبيب فورًا أو التوجه إلى قسم الطوارئ إذا كان النزيف شديدًا جدًا ومصحوبًا بأعراض إغماء أو دوخة شديدة.
غياب الدورة لأكثر من 90 يومًا (بعد انتظامها أو بعد السنة الثانية من البلوغ) يشير ذلك إلى وجود حمل، أو اضطرابات هرمونية (مثل متلازمة المبيض متعدد الكيسات، أو مشاكل الغدة الدرقية، أو ارتفاع البرولاكتين)، أو توتر شديد، أو فقدان وزن كبير. زيارة الطبيب لتقييم السبب.
عدم بدء الدورة بحلول سن 15-16 عامًا انقطاع الطمث الأولي، من الممكن أن يكون بسبب تأخر البلوغ الطبيعي، أو مشاكل هرمونية، أو تشوهات خلقية. زيارة الطبيب لإجراء تقييم شامل.
ألم شديد جدًا أثناء الدورة لا يستجيب للمسكنات ويعيق الأنشطة اليومية من الممكن أن يشير إلى بطانة الرحم المهاجرة (Endometriosis) أو حالات أخرى. زيارة الطبيب لتقييم سبب الألم وخيارات العلاج.
ظهور سريع لعلامات فرط الأندروجين (شعرانية، وحب شباب شديد، وخشونة الصوت) مع عدم انتظام الدورة يشير ذلك غالباً إلى متلازمة تكيس المبايض، أو أورام مفرزة للأندروجين في حالات نادرة. زيارة الطبيب للتقييم الشامل للهرمونات.
نزيف بين الدورات أو بعد العلاقة الزوجية (للمتزوجات) يشير ذلك إلى وجود مشاكل في عنق الرحم، أو بوليبات، أو التهابات، أو اضطرابات هرمونية. زيارة الطبيب لتقييم السبب.

غياب الدورة الشهرية لعدة أشهر متتالية بعد انتظامها

عندما تنتظم الدورة الشهرية لدى المراهقة لبعض الوقت ثم تتوقف فجأة لعدة أشهر متتالية، يُعرف هذا طبيًا بانقطاع الطمث الثانوي. يُعتبر هذا الوضع مدعاة للقلق ويستدعي التقييم الطبي إذا استمر غياب الدورة لمدة ثلاثة أشهر متتالية أو أكثر، أو لمدة ستة أشهر إذا كانت دورات الفتاة غير منتظمة في الأساس قبل هذا التوقف.

أول خطوة وأهمها في تقييم هذه الحالة - إذا كانت المراهقة نشطة جنسيًا - هي استبعاد احتمال حدوث الحمل، وذلك من خلال إجراء اختبار الحمل. وفي حال لم يكن الحمل هو السبب، فإن هناك مجموعة أخرى من الأسباب المحتملة التي قد تؤدي إلى انقطاع الطمث الثانوي، وتشمل التوتر النفسي الشديد، أو فقدان الوزن الكبير والسريع، أو ممارسة التمارين الرياضية بشكل مفرط وعنيف، أو الإصابة بمتلازمة تكيس المبايض (PCOS)، أو وجود اضطرابات في وظيفة الغدة الدرقية (سواء فرط النشاط أو القصور)، أو ارتفاع مستوى هرمون البرولاكتين في الدم.

نزيف شديد أو يستمر لفترة طويلة جدًا

يُعتبر النزيف الحيضي غزيرًا (Menorrhagia) إذا كانت كمية الدم المفقودة كبيرة لدرجة تتطلب تغيير الفوط الصحية بشكل متكرر جدًا (كل ساعة أو ساعتين لعدة ساعات متتالية)، أو إذا كانت مصحوبة بوجود جلطات دموية كبيرة (بحجم قطعة نقدية معدنية أو أكبر)، أو إذا كان النزيف يؤثر سلبًا على قدرة المراهقة على ممارسة أنشطتها اليومية المعتادة. أما النزيف الذي يستمر لأكثر من سبعة أو ثمانية أيام متتالية فيُعتبر نزيفًا مطولًا (Prolonged menstrual bleeding).

كلتا الحالتين، النزيف الغزير والنزيف المطول، يمكن أن تؤديا إلى الإصابة بفقر الدم الناتج عن نقص الحديد، والذي يتجلى في أعراض مثل الشعور بالتعب والإرهاق المستمر، والضعف العام، والدوخة، وشحوب الجلد. إن الربط بين غزارة النزيف وخطر الإصابة بفقر الدم يسلط الضوء على أن المشكلة ليست مجرد إزعاج، بل لها عواقب صحية تستدعي العلاج.

تشمل الأسباب المحتملة لهذه الحالات اضطرابات في عملية تخثر الدم، أو وجود أورام ليفية في الرحم (وهي نادرة نسبيًا في سن المراهقة)، أو زوائد لحمية في بطانة الرحم (بوليبات)، أو اضطرابات في عملية الإباضة (كما يحدث في متلازمة تكيس المبايض)، أو مشاكل في وظيفة الغدة الدرقية.

ألم شديد لا يستجيب للمسكنات المعتادة

من الطبيعي أن تشعر بعض الفتيات بآلام أو تقلصات بدرجات متفاوتة أثناء الدورة الشهرية، وهو ما يُعرف بعسر الطمث (Dysmenorrhea). ولكن إذا كان هذا الألم شديدًا لدرجة أنه يعيق المراهقة عن ممارسة أنشطتها اليومية المعتادة، أو إذا كان لا يتحسن بشكل ملحوظ مع استخدام المسكنات المتاحة دون وصفة طبية (مثل الإيبوبروفين أو الباراسيتامول)، أو إذا لاحظت المراهقة أن شدة الألم تزداد تدريجيًا مع مرور الوقت من دورة لأخرى، أو إذا بدأ الألم الشديد بالظهور فجأة بعد فترة كانت فيها الدورات غير مؤلمة نسبيًا، فإن كل هذه الحالات تستدعي التقييم الطبي.

هناك نوعان رئيسيان من عسر الطمث: الأولي والثانوي. عسر الطمث الأولي هو النوع الشائع لدى المراهقات، ولا يكون مرتبطًا بوجود مرض عضوي معين في الحوض، بل ينتج عن زيادة إفراز مادة البروستاجلاندين في الرحم. أما عسر الطمث الثانوي فيحدث نتيجة لوجود حالة مرضية كامنة في الحوض، مثل بطانة الرحم المهاجرة (Endometriosis)، أو الأورام الليفية الرحمية، أو العضال الغدي الرحمي (Adenomyosis)، أو مرض التهاب الحوض (PID)، أو تضيق عنق الرحم. إن التمييز بين هذين النوعين مهم جدًا في توجيه التشخيص وخطة العلاج المناسبة.

ظهور أعراض أخرى مصاحبة

إن ظهور بعض الأعراض الجسدية الأخرى بالتزامن مع عدم انتظام الدورة الشهرية قد يكون بمثابة "مفاتيح تشخيصية" هامة تساعد الطبيب في تضييق نطاق الأسباب المحتملة وتوجيه الفحوصات اللازمة. لذلك من المهم أن تنتبه المراهقة وولي أمرها إلى أي تغيرات غير معتادة تحدث في الجسم.

من هذه الأعراض المصاحبة التي يجب الانتباه إليها ما يلي:

  • نمو الشعر الزائد (الشعرانية): ويقصد به ظهور شعر داكن وخشن في أماكن غير معتادة لدى الإناث، مثل منطقة الذقن والشارب، أو الصدر، أو أسفل البطن، أو الظهر. قد يشير هذا العرض إلى ارتفاع مستويات هرمونات الأندروجين (الهرمونات الذكرية) في الجسم، وهو ما يحدث في حالات مثل متلازمة تكيس المبايض.
  • حب الشباب الشديد والمستمر: إذا كانت المراهقة تعاني من حب شباب شديد لا يستجيب للعلاجات الموضعية المعتادة، أو إذا ظهر حب الشباب بشكل مفاجئ وشديد، فقد يكون ذلك أيضًا مرتبطًا بارتفاع مستويات الأندروجينات.
  • تغيرات كبيرة وغير مبررة في الوزن: سواء كانت زيادة كبيرة في الوزن أو صعوبة ملحوظة في فقدانه على الرغم من اتباع نظام غذائي صحي وممارسة الرياضة، أو على العكس فقدان كبير في الوزن بشكل سريع وغير مقصود. هذه التغيرات قد تكون مرتبطة بحالات مثل متلازمة تكيس المبايض (التي غالبًا ما تصاحبها زيادة في الوزن)، أو اضطرابات الغدة الدرقية (التي يمكن أن تسبب زيادة أو نقصانًا في الوزن)، أو اضطرابات الأكل.
  • إفراز حليب من الثدي (خارج فترات الحمل والرضاعة): يُعرف هذا العرض بـ "ثَرّ اللبن" (Galactorrhea)، وقد يشير إلى ارتفاع مستوى هرمون البرولاكتين في الدم، وهو ما يمكن أن يؤثر على انتظام الدورة الشهرية.
  • تغيرات في الرؤية أو صداع شديد ومستمر: في حالات نادرة جدًا قد تشير هذه الأعراض - إذا ترافقت مع اضطرابات في الدورة - إلى وجود مشكلة في الغدة النخامية، مثل ورم حميد.

إن تشجيع المراهقة على ذكر جميع الأعراض التي تلاحظها للطبيب، حتى تلك التي قد تبدو لها غير مرتبطة بالدورة الشهرية بشكل مباشر، يساعد كثيرًا في الوصول إلى التشخيص الصحيح. وإدراك هذه العلامات التحذيرية المختلفة وعدم التردد في طلب المشورة الطبية عند ملاحظة أي منها هو خطوة أساسية نحو ضمان صحة المراهقة وسلامتها.

كيف يتم تشخيص سبب عدم انتظام الدورة الشهرية عند المراهقات؟

يعتمد تشخيص سبب عدم انتظام الدورة الشهرية لدى المراهقات على نهج منظم ومتكامل، يبدأ عادةً بأخذ التاريخ المرضي المفصل وإجراء الفحص السريري، وقد يتطلب الأمر إجراء بعض الفحوصات المخبرية أو التصويرية لتحديد السبب الكامن بدقة وتمييزه عن التغيرات الفسيولوجية الطبيعية لمرحلة البلوغ.

الفحص الطبي والتاريخ المرضي

تُعتبر هذه الخطوة حجر الزاوية في عملية التشخيص، حيث يقوم الطبيب بجمع معلومات شاملة حول حالة المراهقة. سيبدأ الطبيب عادةً بطرح مجموعة من الأسئلة التفصيلية التي تشمل طبيعة الدورة الشهرية للمراهقة:

  • متى بدأت أول دورة شهرية (سن الـMenarche)
  • وما هو نمط الدورات منذ ذلك الحين (مدى انتظامها، طول الدورة، مدة النزيف، كمية الدم المفقودة، وجود أي ألم مصاحب أو أعراض أخرى).

كما سيستفسر الطبيب عن التاريخ الطبي العام للمراهقة، بما في ذلك وجود أي أمراض مزمنة تعاني منها (مثل السكري أو أمراض الغدة الدرقية)، وأي أدوية أو مكملات غذائية تتناولها حاليًا، ووجود أي تاريخ عائلي لأمراض مشابهة أو اضطرابات هرمونية لدى أفراد الأسرة (مثل متلازمة تكيس المبايض أو اضطرابات الغدة الدرقية لدى الأم أو الأخوات).

كما سيسأل الطبيب عن نمط حياة المراهقة، بما في ذلك نظامها الغذائي المعتاد، ومستوى نشاطها البدني وممارستها للرياضة، ومستويات التوتر والضغوط النفسية التي قد تتعرض لها، وأي تغيرات حديثة أو ملحوظة في وزنها.

بعد ذلك يقوم الطبيب بإجراء فحص سريري عام يشمل قياس الوزن والطول (لحساب مؤشر كتلة الجسم)، وقياس ضغط الدم، وفحص الجلد لملاحظة أي علامات قد تكون ذات دلالة (مثل الشواك الأسود الذي يشير إلى مقاومة الإنسولين، أو حب الشباب الشديد، أو نمو الشعر الزائد في أماكن غير معتادة)، وفحص الغدة الدرقية في العنق لملاحظة أي تضخم.

كما يتضمن الفحص السريري أيضًا فحصًا لمنطقة الحوض، ولكن هذا يعتمد على عمر المراهقة وما إذا كانت نشطة جنسيًا، وفي كثير من الحالات - خاصة للمراهقات الصغيرات - لا يكون هذا الفحص ضروريًا في التقييم الأولي ما لم تكن هناك أعراض تستدعي ذلك.

إن تشجيع المراهقة وولي أمرها على تحضير إجابات وافية لهذه الأسئلة قبل زيارة الطبيب يساهم بشكل كبير في تسهيل عملية التشخيص وتوجيه الخطوات التالية.

الفحوصات المخبرية اللازمة لتشخيص سبب عدم انتظام الدورة لدى المراهقة

بناءً على المعلومات التي تم جمعها من التاريخ المرضي والفحص السريري سيطلب الطبيب إجراء مجموعة من الفحوصات المخبرية، وخاصة تحاليل الدم، وذلك لتقييم مستويات الهرمونات المختلفة في الجسم والكشف عن أي اختلالات قد تكون مسؤولة عن عدم انتظام الدورة الشهرية، أو لتحديد وجود أي حالات طبية كامنة. لا يتم طلب جميع هذه الفحوصات لكل مراهقة، بل يختار الطبيب منها ما يناسب الحالة بناءً على الاشتباه السريري.

من أهم الفحوصات المخبرية التي قد يطلبها الطبيب ما يلي:

  • اختبار الحمل: وهو غالبًا أول فحص يتم إجراؤه لاستبعاد احتمال حدوث الحمل كسبب لغياب الدورة الشهرية، خاصة إذا كانت المراهقة نشطة جنسيًا.
  • تعداد الدم الكامل (CBC): يُجرى هذا الفحص للكشف عن وجود فقر الدم، خاصة إذا كانت المراهقة تعاني من نزيف حيضي غزير أو مطول.
  • هرمونات الغدة الدرقية: وتشمل عادةً قياس مستوى الهرمون المنبه للغدة الدرقية (TSH) ومستوى هرمون الثيروكسين الحر (Free T4)، وذلك لتقييم وظيفة الغدة الدرقية واستبعاد فرط نشاطها أو قصورها.
  • مستوى هرمون البرولاكتين: يُطلب هذا الفحص لاستبعاد ارتفاع مستويات هذا الهرمون، والذي يمكن أن يؤثر على الإباضة وانتظام الدورة.
  • الهرمون المنبه للجريب (FSH) والهرمون الملوتن (LH): يساعد قياس مستويات هذين الهرمونين في تقييم وظيفة المبيضين والغدة النخامية، ويمكن أن يساهم في تشخيص حالات مثل متلازمة تكيس المبايض (حيث قد تكون نسبة LH إلى FSH مرتفعة) أو فشل المبيض المبكر (حيث تكون مستويات FSH مرتفعة).
  • مستوى هرمون الإستروجين (Estradiol) لتقييم مستوى هذا الهرمون الأنثوي الرئيسي.
  • مستويات هرمونات الأندروجين (الهرمونات الذكرية): مثل قياس مستوى هرمون التستوستيرون الكلي والحر، وهرمون DHEAS (كبريتات الديهيدرو إيبي أندروستيرون). يُطلب هذا الفحص لتقييم وجود فرط في الأندروجينات، كما هو الحال في متلازمة تكيس المبايض.
  • مستوى هرمون 17-هيدروكسي بروجستيرون: يُطلب أحيانًا لاستبعاد حالة نادرة تُعرف بتضخم الغدة الكظرية الخلقي المتأخر، والتي يمكن أن تسبب ارتفاعًا في مستويات الأندروجينات وأعراضًا مشابهة لمتلازمة تكيس المبايض.
  • فحوصات لتقييم مقاومة الإنسولين والسكري: مثل اختبار تحمل الجلوكوز، وقياس مستويات الإنسولين أثناء الصيام، وتحليل ملف الدهون في الدم (الكوليسترول والدهون الثلاثية)، وقياس مستوى الهيموجلوبين السكري (HbA1c). تُطلب هذه الفحوصات بشكل خاص إذا كان هناك اشتباه في الإصابة بمتلازمة تكيس المبايض أو إذا كانت المراهقة تعاني من زيادة الوزن أو السمنة.

نتائج هذه الفحوصات مجتمعة مع معلومات التاريخ المرضي والفحص السريري تساعد الطبيب في تكوين صورة أوضح عن الحالة وتحديد السبب المحتمل لعدم انتظام الدورة الشهرية.

الفحص بالموجات فوق الصوتية (السونار)

يُعد الفحص بالموجات فوق الصوتية (السونار أو الألتراساوند) أداة تشخيصية هامة تُستخدم لتصوير الأعضاء التناسلية الداخلية للمراهقة، وتحديدًا الرحم والمبيضين. يتم إجراء هذا الفحص عادةً عن طريق وضع محول الطاقة (البروب) على البطن (السونار البطني)، وهو الإجراء الأكثر شيوعًا للمراهقات غير المتزوجات.

وفي بعض الحالات يتم اللجوء إلى السونار المهبلي إذا كان ذلك مناسبًا للحالة وبعلم وموافقة المراهقة وولي أمرها، حيث يوفر صورًا أكثر وضوحًا وتفصيلاً. يساعد فحص السونار في الكشف عن العديد من الحالات التي قد تكون من بين أسباب عدم انتظام الدورة الشهرية عند المراهقات، ومنها:

  • تشوهات هيكلية أو خلقية في الرحم أو المبيضين مثل وجود رحم ذي شكل غير طبيعي، أو غياب أحد المبيضين.
  • وجود تكيسات على المبايض، وهو ما يُلاحظ في حالات متلازمة تكيس المبايض (PCOS) حيث تظهر المبايض عادةً بحجم أكبر من الطبيعي وتحتوي على العديد من البصيلات (الجريبات) الصغيرة غير الناضجة.
  • تقييم سماكة بطانة الرحم، وهو أمر مهم في تقييم حالات النزيف غير الطبيعي أو غياب الدورة لفترات طويلة.
  • الكشف عن وجود أورام ليفية (Fibroids) أو زوائد لحمية (Polyps) في الرحم: على الرغم من أنها أقل شيوعًا في سن المراهقة مقارنة بالنساء الأكبر سنًا، إلا أن السونار يمكن أن يساعد في اكتشافها إذا كانت موجودة وتسبب أعراضًا.

من المهم الإشارة إلى أن فحص السونار ليس ضروريًا دائمًا في جميع حالات عدم انتظام الدورة الشهرية لدى المراهقات. يلجأ إليه الطبيب عادةً إذا كانت هناك أعراض معينة تستدعي ذلك (مثل الألم الشديد في الحوض، أو الاشتباه في وجود كتلة)، أو إذا كانت نتائج الفحوصات الهرمونية غير طبيعية وتشير إلى احتمال وجود حالة مثل متلازمة تكيس المبايض، أو لاستبعاد وجود أسباب هيكلية لعدم انتظام الدورة. يُعتبر السونار أداة "تأكيدية" لبعض التشخيصات أو "استبعادية" لأسباب أخرى، وهو جزء من تقييم شامل ومتكامل.

التشخيص الدقيق لسبب عدم انتظام الدورة الشهرية هو الخطوة الأولى والأساسية نحو وضع خطة علاجية فعالة ومناسبة لكل حالة على حدة. ويتطلب ذلك تعاونًا وثيقًا بين المراهقة وأسرتها والطبيب المعالج.

خيارات التعامل مع عدم انتظام الدورة الشهرية لدى المراهقات

تختلف طريقة التعامل مع عدم انتظام الدورة الشهرية لدى المراهقات اختلافًا جذريًا بناءً على السبب الأساسي الذي تم تشخيصه من خلال التقييم الطبي الشامل. فالهدف من العلاج لا يقتصر فقط على محاولة تنظيم مواعيد الدورة الشهرية، بل يمتد ليشمل معالجة أي مشكلة صحية كامنة قد تكون هي المسببة لهذا الاضطراب، بالإضافة إلى تحسين جودة حياة المراهقة وتخفيف أي أعراض مزعجة قد تعاني منها.

تغييرات في نمط الحياة

في كثير من حالات عدم انتظام الدورة الشهرية لدى المراهقات خاصة تلك المرتبطة بعوامل نمط الحياة أو التوتر، يمكن أن تكون التغييرات الإيجابية في العادات اليومية هي الخط الأول للعلاج، أو على الأقل جزءًا أساسيًا ومكملًا لأي خطة علاجية أخرى. تتطلب هذه التغييرات التزامًا وصبرًا من المراهقة ودعمًا من أسرتها، ولكن نتائجها غالبًا ما تكون إيجابية ومستدامة على المدى الطويل.

تشمل هذه التغييرات الهامة في نمط الحياة ما يلي:

  1. التغذية المتوازنة والصحية: يُنصح بالتركيز على نظام غذائي غني بالفواكه الطازجة، والخضروات المتنوعة، والحبوب الكاملة، والبروتينات الخالية من الدهون (مثل الدجاج والسمك والبقوليات). من المهم تجنب الحميات الغذائية القاسية والمقيدة التي قد تؤدي إلى نقص في العناصر الغذائية الأساسية، والابتعاد قدر الإمكان عن الأطعمة المصنعة والسكريات المضافة والدهون غير الصحية.
  2. الحفاظ على وزن صحي: إذا كان عدم انتظام الدورة مرتبطًا بزيادة الوزن أو السمنة (خاصة في حالات متلازمة تكيس المبايض)، فإن فقدان الوزن بشكل تدريجي وصحي من خلال تحسين النظام الغذائي وزيادة النشاط البدني يمكن أن يساعد بشكل كبير في تنظيم الدورة وتحسين استجابة الجسم للهرمونات. وعلى العكس إذا كان عدم الانتظام ناتجًا عن نقص شديد في الوزن أو اضطرابات الأكل، فإن زيادة الوزن للوصول إلى المعدل الصحي تُعد خطوة ضرورية لاستعادة التوازن الهرموني وانتظام الدورة.
  3. ممارسة الرياضة باعتدال وانتظام: النشاط البدني المنتظم مفيد جدًا للصحة العامة ويساعد في الحفاظ على وزن صحي وتقليل التوتر. ولكن يجب تجنب الإفراط في ممارسة الرياضة أو التدريبات الشاقة جدًا، خاصة إذا كانت مرتبطة بانخفاض كبير في وزن الجسم أو أدت إلى انقطاع الدورة الشهرية، فالاعتدال هو السر.
  4. إدارة التوتر والقلق بفعالية: نظرًا لأن التوتر يمكن أن يكون من بين أسباب عدم انتظام الدورة الشهرية عند المراهقات، فإن تعلم تقنيات فعالة لإدارة التوتر يُعد أمرًا هامًا. يمكن أن يشمل ذلك ممارسة تقنيات الاسترخاء مثل التأمل، أو اليوجا، أو تمارين التنفس العميق. كما أن الحصول على قسط كافٍ من النوم الجيد كل ليلة، وتخصيص وقت لممارسة الهوايات والأنشطة الممتعة والمريحة، وطلب الدعم النفسي من الأهل أو الأصدقاء أو المتخصصين عند الحاجة، كلها أمور تساهم في تقليل مستويات التوتر وتحسين الصحة العامة.
  5. الحصول على قسط كافٍ من النوم: يُعد النوم الجيد والمنتظم ضروريًا للحفاظ على توازن الهرمونات في الجسم وللصحة الجسدية والنفسية بشكل عام. يُنصح المراهقات بالحصول على ما لا يقل عن 8-10 ساعات من النوم كل ليلة.

إن هذه التغييرات في نمط الحياة لا تُعتبر فقط نصائح عامة، بل هي تدخلات علاجية أساسية في كثير من الحالات. وتتطلب مشاركة فعالة من المراهقة نفسها، مما يمكّنها ويجعلها جزءًا من الحل ويساهم في بناء عادات صحية تستمر معها مدى الحياة.

العلاجات الدوائية

في بعض الحالات تكون تغييرات نمط الحياة وحدها غير كافية لتنظيم الدورة الشهرية، أو قد يكون السبب الكامن وراء عدم الانتظام يتطلب علاجًا دوائيًا محددًا. في هذه الحالة وبعد إجراء التقييم اللازم والوصول إلى التشخيص الدقيق يصف الطبيب المختص بعض الأدوية للمساعدة في التعامل مع المشكلة.

من المهم جدًا التأكيد على أن استخدام أي من هذه الأدوية يجب أن يتم حصريًا بوصفة طبية وتحت إشراف طبي دقيق، مع المتابعة المنتظمة لتقييم الفعالية ورصد أي آثار جانبية محتملة.

تشمل الخيارات الدوائية التي قد تُستخدم ما يلي:

  • حبوب منع الحمل الهرمونية المركبة: وهي تحتوي عادةً على مزيج من هرموني الإستروجين والبروجستين. تُستخدم هذه الحبوب بشكل شائع لتنظيم الدورة الشهرية، وتقليل غزارة النزيف والألم المصاحب للدورة، كما يمكن أن تساعد في تحسين بعض الأعراض المرتبطة بارتفاع الأندروجينات مثل حب الشباب ونمو الشعر الزائد (خاصة في حالات متلازمة تكيس المبايض).
  • العلاج بهرمون البروجستين فقط: يمكن إعطاء هرمون البروجستين بمفرده (بدون إستروجين) على شكل حبوب، أو حقن، أو لولب رحمي هرموني. يُستخدم هذا النوع من العلاج أحيانًا لتنظيم الدورة الشهرية أو للمساعدة في إيقاف النزيف الغزير أو المطول في بعض الحالات المحددة.
  • أدوية لعلاج السبب الأساسي الكامن:
    1. الميتفورمين (Metformin): وهو دواء يُستخدم عادةً لعلاج مرض السكري من النوع الثاني، وقد يُوصف للمراهقات المصابات بمتلازمة تكيس المبايض اللاتي يعانين من مقاومة الإنسولين أو لديهن استعداد للإصابة بالسكري، حيث يمكن أن يساعد في تحسين استجابة الجسم للإنسولين وقد يساهم في تنظيم الدورة الشهرية.
    2. أدوية علاج اضطرابات الغدة الدرقية: إذا كان سبب عدم انتظام الدورة هو قصور في وظيفة الغدة الدرقية، يتم وصف هرمون الغدة الدرقية التعويضي (ليفوثيروكسين). أما في حالات فرط نشاط الغدة الدرقية، فقد تُستخدم أدوية لتثبيط إنتاج هرمونات الغدة الدرقية.
    3. مضادات الأندروجين: مثل دواء سبيرونولاكتون (Spironolactone)، والذي يمكن أن يُستخدم لعلاج الأعراض الناتجة عن ارتفاع مستويات الأندروجينات، مثل الشعرانية وحب الشباب الشديد، خاصة في حالات متلازمة تكيس المبايض. غالبًا ما يُستخدم هذا الدواء بالتزامن مع حبوب منع الحمل الهرمونية.
    4. أدوية لعلاج ارتفاع مستوى هرمون البرولاكتين: إذا كان سبب غياب الدورة هو ارتفاع البرولاكتين، تُستخدم أدوية لخفض مستوياته.
  • مكملات الحديد: إذا كانت المراهقة تعاني من فقر الدم نتيجة للنزيف الحيضي الغزير أو المطول، فقد يصف الطبيب مكملات الحديد لتعويض النقص.

من المهم أن نفهم أن بعض هذه الأدوية (مثل أدوية الغدة الدرقية) تهدف إلى علاج السبب الأساسي للمشكلة، بينما أدوية أخرى (مثل حبوب منع الحمل في كثير من حالات متلازمة تكيس المبايض) تهدف بشكل رئيسي إلى تنظيم الدورة ومعالجة الأعراض المصاحبة، ولكنها قد لا تعالج المشكلة الأيضية الأساسية إذا لم تصاحبها تغييرات ضرورية في نمط الحياة. إن مناقشة أهداف العلاج والخيارات المتاحة مع الطبيب تساعد المريضة وأسرتها على فهم الخطة العلاجية وأهمية الالتزام بجميع جوانبها.

المتابعة الطبية الدورية

بعد البدء في أي خطة علاجية لعدم انتظام الدورة الشهرية سواء كانت تعتمد على تغييرات في نمط الحياة أو على استخدام الأدوية، فالمتابعة الطبية الدورية مع الطبيب المختص مهمة جداً. هذه المتابعة هي أكثر من مجرد "فحص روتيني"، وهي جزء لا يتجزأ من الرعاية الصحية الشاملة للمراهقة.

تساعد زيارات المتابعة المنتظمة في تحقيق عدة أهداف هامة، منها:

  • تقييم مدى فعالية الخطة العلاجية المتبعة، وما إذا كانت قد أدت إلى تحسن في انتظام الدورة الشهرية أو تخفيف الأعراض المصاحبة.
  • إجراء أي تعديلات ضرورية على جرعات الأدوية الموصوفة، أو تغيير نوع الدواء إذا لزم الأمر، بناءً على استجابة المراهقة للعلاج.
  • مراقبة ظهور أي آثار جانبية محتملة للأدوية، والتعامل معها بشكل مناسب.
  • التأكد من عدم ظهور أي مشاكل صحية جديدة أو تطور أي مضاعفات للحالة الأساسية.
  • توفير فرصة للمراهقة وولي أمرها لطرح أي أسئلة أو استفسارات قد تكون لديهم، وتقديم الدعم النفسي والتثقيف الصحي المستمر.

قد يتطلب الأمر متابعة طبية طويلة الأمد في بعض الحالات مثل متلازمة تكيس المبايض، وذلك بسبب المخاطر الصحية المحتملة المرتبطة بهذه المتلازمة على المدى الطويل (مثل زيادة خطر الإصابة بالسكري وأمراض القلب). والالتزام بزيارات المتابعة المجدولة يساهم بشكل كبير في ضمان تحقيق أفضل النتائج الصحية الممكنة للمراهقة والحفاظ على صحتها وسلامتها على المدى الطويل.

نصائح للمراهقات للتعامل مع الدورة الشهرية غير المنتظمة

أحياناً يكون التعامل مع دورة شهرية غير منتظمة مربكاً ومقلقاً للمراهقات، ولكن هناك بعض النصائح العملية التي يمكن أن تساعد في التأقلم مع هذا الوضع وتقليل الشعور بالقلق أو الإحراج المصاحب له. الهدف من هذه النصائح هو تمكين المراهقة وتزويدها بالأدوات اللازمة لفهم جسدها بشكل أفضل والتعامل مع التغيرات التي قد تطرأ على دورتها الشهرية.

تتبع الدورة الشهرية

تتبع الدورة الشهرية هو خطوة أولى هامة ومفيدة جدًا للمراهقة التي تعاني من عدم انتظام في دورتها. يُنصح بتشجيع المراهقات على تسجيل بعض المعلومات الأساسية المتعلقة بكل دورة شهرية، مثل تاريخ بدء وانتهاء النزيف، وتقدير كمية الدم المفقودة (خفيف، متوسط، غزير)، بالإضافة إلى تدوين أي أعراض أخرى مصاحبة للدورة (مثل الألم، أو التقلبات المزاجية، أو ظهور حب الشباب).

يمكن القيام بذلك بسهولة باستخدام تقويم ورقي بسيط، أو من خلال العديد من تطبيقات الهواتف الذكية المصممة خصيصًا لتتبع الدورة الشهرية، والتي توفر ميزات إضافية مثل التنبيهات والتذكيرات.

وعملية التتبع هذه تساعد في عدة جوانب، فهي تمكن المراهقة من:

  • محاولة تحديد ما إذا كان هناك أي نمط معين لعدم انتظام دورتها، حتى لو لم تكن منتظمة تمامًا.
  • توفير معلومات دقيقة ومفصلة للطبيب عند الحاجة إلى استشارته، مما يساعد في عملية التشخيص.
  • محاولة التنبؤ بموعد الدورة الشهرية التالية بشكل أفضل، مما يقلل من عنصر المفاجأة.
  • زيادة وعي المراهقة بجسدها والتغيرات التي تحدث فيه، مما يمنحها شعورًا أكبر بالسيطرة والمعرفة ويقلل من القلق.
  • الاستعداد للطوارئ (حمل فوط صحية إضافية)

نظراً لأن الدورة الشهرية غير المنتظمة قد تأتي في أي وقت وبشكل غير متوقع، فمن الحكمة دائمًا أن تكون المراهقة مستعدة لمواجهة هذا الاحتمال، خاصة عندما تكون خارج المنزل. والاستعداد المسبق يقلل بشكل كبير من الشعور بالإحراج أو القلق إذا فاجأتها الدورة في المدرسة أو أثناء ممارسة أي نشاط آخر.

من النصائح العملية في هذا الصدد أن تحتفظ المراهقة دائمًا ببعض الفوط الصحية أو السدادات القطنية (التامبون) في حقيبة مدرستها أو حقيبة يدها أو حتى في خزانتها في المدرسة. ومن المفيد أيضًا الاحتفاظ بملابس داخلية إضافية ونظيفة في حال حدوث أي تسرب غير متوقع. هذه الإجراءات البسيطة يمكن أن تحدث فرقًا كبيرًا في شعور المراهقة بالراحة والثقة، وتساعدها على التعامل مع "عامل المفاجأة" السلبي الذي قد يصاحب عدم انتظام الدورة.

الحديث بصراحة مع شخص بالغ موثوق به (الأم أو الطبيبة)

من المهم جدًا تشجيع المراهقات على عدم الشعور بالخجل أو الخوف من التحدث بصراحة عن أي مخاوف أو أسئلة قد تكون لديهن بخصوص الدورة الشهرية أو أي تغيرات تطرأ عليها. فالدورة الشهرية - على الرغم من أنها جزء طبيعي من حياة كل أنثى - إلا أنها لا تزال من الموضوعات التي تحاط ببعض التحفظ أو الخجل.

يمكن للمراهقة أن تختار شخصًا بالغًا تثق به وتشعر بالراحة في الحديث معه، سواء كانت الأم، أو أخت كبرى، أو عمة، أو حتى معلمة موثوق بها في المدرسة. وبالطبع يُعد الطبيب أو الطبيبة المختصة مصدرًا هامًا للمعلومات الموثوقة والمشورة الطبية المتخصصة. والحصول على معلومات صحيحة ودقيقة، بالإضافة إلى الدعم العاطفي والتفهم من الأشخاص المحيطين، يمكن أن يساعد المراهقة كثيرًا في التعامل مع هذه المرحلة وتجاوز أي قلق قد تشعر به.

يجب توضيح أن ما تمر به هو تجربة شائعة بين العديد من الفتيات، وأن طلب المساعدة أو طرح الأسئلة ليس علامة ضعف، بل هو دليل على الوعي والاهتمام بالصحة. وإن التعامل مع دورة شهرية غير منتظمة يتطلب أحياناً بعض الصبر والفهم من المراهقة ومن حولها. ولكن من خلال اتباع هذه النصائح وزيادة الوعي والمعرفة وطلب المشورة الطبية عند الحاجة يمكن جعل هذه التجربة أسهل وأقل إرهاقًا.

الخاتمة

يعتبر عدم انتظام الدورة الشهرية لدى المراهقات ظاهرة شائعة، خاصة في السنوات الأولى بعد البلوغ، وغالبًا ما تكون نتيجة لعدم النضج الكامل للمحور الهرموني. ولكن يمكن أن تكون هناك أسباب متعددة لعدم انتظام الدورة الشهرية عند المراهقات تتراوح بين التغيرات الفسيولوجية الطبيعية، مرورًا بتأثيرات نمط الحياة والتغذية والضغوط النفسية، ووصولًا إلى حالات طبية كامنة مثل متلازمة تكيس المبايض أو اضطرابات الغدة الدرقية.

وإن التشخيص الدقيق من قِبل الطبيب المختص هو الخطوة الأساسية لتحديد السبب الكامن ووضع خطة التعامل المناسبة، والتي تشمل تغييرات في نمط الحياة، أو علاجات دوائية في بعض الحالات، مع التأكيد على أهمية المتابعة الطبية الدورية والتثقيف الذاتي للمراهقة وولي أمرها. وإن فهم هذه الجوانب المختلفة هو المفتاح نحو صحة إنجابية أفضل وراحة بال للمراهقة وأسرتها، ويؤثر بشكل إيجابي على جودة حياتها وصحتها الحالية والمستقبلية. كان هدفنا في هذا المقال هو تزويدكن بالمعرفة اللازمة لاتخاذ قرارات مستنيرة بشأن صحة بناتكن أو صحتكن الشخصية، وندعوكن إلى عدم التردد في استشارة الطبيب عند وجود أي من العلامات المقلقة التي تم تناولها، مع الحرص الدائم على تبني نمط حياة صحي ومتوازن.

إخلاء المسؤولية الطبية

المعلومات الواردة في هذا المقال هي لأغراض تثقيفية وتوعوية فقط، ولا تُعتبر بديلاً عن الاستشارة الطبية المتخصصة أو التشخيص أو العلاج. ويجب دائماً طلب المشورة من طبيب مؤهل أو مقدم رعاية صحية متخصص بشأن أي أسئلة لديكم بخصوص حالة طبية. لا تتجاهلوا أبداً المشورة الطبية المتخصصة أو تتأخروا في طلبها بسبب شيء قرأتموه في هذا المقال.

الأسئلة الشائعة عن أسباب عدم انتظام الدورة الشهرية عند المراهقات

سنجيب هنا على بعض الأسئلة الأكثر شيوعًا التي تطرحها المراهقات وأولياء أمورهن حول أسباب عدم انتظام الدورة الشهرية عند بناتهن المراهقات، بهدف تقديم إجابات سريعة وموثوقة تساعد في تبديد بعض المخاوف وتقديم التوجيه الصحيح.

هل عدم انتظام الدورة في بداية البلوغ يؤثر على الإنجاب مستقبلاً؟

لا يؤثر عدم انتظام الدورة الشهرية في السنوات الأولى بعد البلوغ - بشكل عام - على القدرة على الإنجاب في المستقبل، حيث يُعتبر هذا الأمر طبيعيًا في كثير من الأحيان نتيجة لعدم نضج المحور الهرموني. ولكن إذا استمر عدم الانتظام لفترة طويلة، أو كان مرتبطًا بحالات معينة مثل متلازمة تكيس المبايض (PCOS) ولم يتم التعامل معها بشكل صحيح، فحينها يتطلب الأمر متابعة طبية لضمان الحفاظ على الخصوبة في المستقبل.

ما هي الأطعمة التي تساعد على تنظيم الدورة الشهرية للمراهقات؟

عزيزتي القارئة، لا توجد أطعمة سحرية يمكنها تنظيم الدورة الشهرية بشكل مباشر وفوري، ولكن يمكنكِ اتباع نظام غذائي صحي ومتوازن بشكل عام للحفاظ على توازن الهرمونات وصحة الجهاز التناسلي. حيث ينصح الخبراء بالتركيز على تناول كميات كافية من الفواكه والخضروات، والحبوب الكاملة، والبروتينات الصحية، والدهون المفيدة (مثل تلك الموجودة في المكسرات والأفوكادو وزيت الزيتون)، كما أن الحصول على كميات كافية من الحديد (لتجنب فقر الدم) وفيتامين د يُعد مهماً للصحة العامة.

هل يمكن استخدام الأعشاب لعلاج عدم انتظام الدورة عند المراهقات؟

يجب توخي الحذر الشديد عند التفكير في استخدام الأعشاب لعلاج عدم انتظام الدورة الشهرية لدى المراهقات، حيث أنه لا توجد أدلة علمية كافية وقوية تثبت فعالية وسلامة معظم العلاجات العشبية في هذا الصدد. كما أن بعض الأعشاب قد تتفاعل مع أدوية أخرى، أو قد تخفي أعراض مشكلة صحية حقيقية تتطلب تشخيصًا وعلاجًا طبيًا. لذلك لا يُنصح باستخدام أي علاجات عشبية دون استشارة الطبيب المختص أولاً.

كم من الوقت يستغرق انتظام الدورة الشهرية بعد البلوغ عادةً؟

يختلف الأمر من فتاة لأخرى، ولكن بشكل عام تبدأ الدورة الشهرية في الانتظام تدريجياً خلال السنتين إلى الثلاث سنوات الأولى بعد بدء أول حيض (الـ Menarche). إذا استمر عدم انتظام الدورة الشهرية بشكل ملحوظ بعد مرور هذه الفترة، أو إذا كانت هناك أعراض أخرى مقلقة، فمن الأفضل استشارة الطبيب لتقييم الحالة.

هل حبوب منع الحمل آمنة للمراهقات لتنظيم الدورة؟ وما هي آثارها الجانبية المحتملة؟

تُعتبر حبوب منع الحمل الهرمونية آمنة بشكل عام للمراهقات عند استخدامها تحت إشراف طبي دقيق ولأسباب طبية محددة (مثل تنظيم الدورة في حالات معينة كمتلازمة تكيس المبايض، أو علاج النزيف الغزير، أو حب الشباب الشديد)، حيث يقوم الطبيب بتقييم الحالة الصحية للمراهقة وموازنة الفوائد المرجوة مع المخاطر المحتملة قبل وصفها.

وقد تكون هناك بعض الآثار الجانبية الشائعة في بداية الاستخدام مثل الغثيان، أو الصداع، أو تغيرات في المزاج، أو تنقيط دموي بين الدورات، وغالبًا ما تختفي هذه الأعراض بعد فترة قصيرة. كما لابد أن نعلم أنه من الضروري مناقشة أي مخاوف بشأن الآثار الجانبية مع الطبيب.

ابنتي دورتها تأتي كل 15 يومًا، هل هذا طبيعي وهي تبلغ 14 عامًا؟

لا، إذا كانت الدورة الشهرية تأتي كل 15 يوماً (أي أن طول الدورة أقل من 21 يوماً، وهو ما يُعرف طبياً بـ "تعدد الطمث" Polymenorrhea) فهي لا تُعتبر طبيعية حتى في سن المراهقة، ولابد هنا من التقييم الطبي لمعرفة السبب الكامن وراء هذا التكرار الزائد للدورة. قد يكون ذلك ناتجًا عن اضطرابات هرمونية أو حالات أخرى تتطلب التشخيص والعلاج.

هل التوتر بسبب الامتحانات يمكن أن يؤخر الدورة الشهرية لابنتي المراهقة؟

نعم، التوتر النفسي الشديد بما في ذلك الضغط المصاحب للامتحانات من شأنه أن يؤثر على التوازن الهرموني في الجسم ويؤدي إلى تأخر الدورة الشهرية أو عدم انتظامها بشكل مؤقت لدى بعض المراهقات. وفي هذا الموقف ننصح بمساعدة المراهقة على تخفيف حدة التوتر من خلال تقنيات الاسترخاء والدعم النفسي، ومراقبة الحالة. وإذا استمر التأخير أو عدم الانتظام بشكل متكرر فمن الأفضل استشارة الطبيب.

المراجع:

Mayo Clinic. (2022, March 26). Amenorrhea. Retrieved June 02, 2025, from https://www.mayoclinic.org/diseases-conditions/amenorrhea/symptoms-causes/syc-20369299

Eunice Kennedy Shriver National Institute of Child Health and Human Development (NICHD). (2021, May 11). Polycystic Ovary Syndrome (PCOS). Retrieved June 02, 2025, from https://www.nichd.nih.gov/health/topics/factsheets/pcos

American College of Obstetricians and Gynecologists (ACOG). (2015). Committee Opinion No. 651: Menstruation in Girls and Adolescents: Using the Menstrual Cycle as a Vital Sign. Obstetrics & Gynecology, 126(6), e143-e146. (PMID: 26595586)

KidsHealth from Nemours. (2022, August). Irregular Periods. Retrieved June 02, 2025, from https://kidshealth.org/en/teens/irregular-periods.html

Hillard, P. J. A. (2008). Menstruation in adolescents: what's normal, what's not. Annals of the New York Academy of Sciences, 1135, 29–35. (Available at: https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC2644006/)

Mount Sinai. (n.d.). Menstrual Disorders. Retrieved June 02, 2025, from https://www.mountsinai.org/health-library/report/menstrual-disorders

Witchel, S. F. (2018). Polycystic Ovary Syndrome During Adolescence. Endocrinology and Metabolism Clinics of North America, 47(1), 53–65. https://doi.org/10.1016/j.ecl.2017.10.001

World Health Organization (WHO). (22 June 2022). Statement on Menstrual Health and Rights. Retrieved June 02, 2025, from https://www.who.int/news/item/22-06-2022-who-statement-on-menstrual-health-and-rights

ليلى الفارس
ليلى الفارس
ليلى حاصلة على درجة البكالوريوس في الصيدلة من الجامعة الأردنية، وتشغل حالياً منصب صيدلاني مسؤول في إحدى صيدليات المجتمع، تتميز بشغفها الكبير في مجال البحث العلمي وكتابة المقالات الطبية في موقع نبض طب، مع تركيز خاص على مجالات الأدوية والأشكال الصيدلانية والصناعة الدوائية.
تعليقات