أسباب تأخر الدورة الشهرية - دليلكِ الشامل لفهمها وعلاجها

إن الدورة الشهرية المنتظمة لَتُعدُّ بحقٍّ شاهد صدق على صحة المرأة وعافيتها؛ فهي في حقيقتها أجَلُّ من أن تكون مجرد وظيفةٍ بيولوجيةٍ، بل إنها لمؤشرٌ دقيقٌ يفصحُ عن توازن الهرمونات في الجسم وسلامة جهازه التناسلي. وتبعاً لذلك؛ فإن أي اختلالٍ يعتري هذا النظامَ الفطري – ومنه تأخر الدورة الشهرية عن أوانها – لمن شأنه أن يثير قلقاً مشروعاً، وأن يستدعي تساؤلاتٍ جمّةً حول الأسباب الدفينة التي تقبع خلفه.

أسباب تأخر الدورة الشهرية - دليلكِ الشامل لفهمها وعلاجها

وإن تأخر الدورة الشهرية عن ميعادها المألوف لهو من الأمور الذائعة التي تصادف كثيراً من النسوة في مختلف أطوار حياتهن. وفي حين أن طائفةً من حالات التأخر هذه قد تكون عارضةً لا تستوجب هلعاً أو فزعاً؛ فإن تكرارها أو طول مدتها قد يمثل نذير خطرٍ ينبه إلى وجوب التيقظ وضرورة التماس المشورة الطبية.

والغاية من هذه المقالة أن تكون بين يديكِ مرشداً وافياً؛ نستعرض فيه بأسلوبٍ علميٍّ يجمع بين التبسيط والتفصيل، أهم أسباب تأخر الدورة الشهرية، ونقدم من خلاله معلوماتٍ دقيقةً وموثوقةً، تعينكِ على إدراك أعمق لجسدكِ، مع وجوب التنويه على الدوام بأن استشارة الطبيب المختص تظل هي المنطلق الأوحد نحو التشخيص القويم، ومن ثم السبيل إلى العلاج الملائم إن اقتضى الحال ذلك.

ما هو تأخر الدورة الشهرية؟ ومتى يصبح الأمر مدعاة للقلق؟

إن تأخر الدورة الشهرية ليُعد تجربةً قد تمر بها معظم النساء في وقتٍ ما؛ بَيد أن التمييز بين التأخر العابر الذي قد لا ينطوي على دلالاتٍ مرضية، وذلك التأخر الذي يستوجب التقييم الطبي، لهو أمرٌ بالغ الأهمية. ولا شك في أن فهم طبيعة الدورة الشهرية المنتظمة وما يعنيه "التأخر" من منظورٍ طبي؛ هو الخطوة الأولى نحو التعامل الواعي مع أي تغييراتٍ تطرأ على هذا الإيقاع الحيوي في جسم المرأة.

وقد يُعزى تأخر الدورة الشهرية إلى أسبابٍ بسيطةٍ تتعلق بأسلوب العيش، أو إلى ظروفٍ فسيولوجيةٍ لا تخرج عن المألوف؛ وفي مثل هذه الحالات، فإن الدورة كثيراً ما تعود إلى سابق انتظامها دونما حاجةٍ إلى تدخلٍ علاجي. ولكن، إذا غدا التأخر متكرراً، أو صاحبتْه أعراضٌ أخرى؛ فقد يكون ذلك إشارةً إلى وجود حالةٍ صحيةٍ دفينةٍ تستدعي الانتباه. لذلك فإن معرفة الوقت الذي يصبح فيه هذا التأخر باعثاً حقيقياً على القلق؛ تكتسب أهميةً لا يُستهان بها.

ما هي الدورة الشهرية الطبيعية؟

تُعرف الدورة الشهرية بأنها تلك السلسلة المتتابعة من التغيرات الهرمونية والجسدية التي تطرأ على جسم المرأة كل شهرٍ، تهيئةً له لاحتمال حدوث الحمل. ويبدأ حساب أيام الدورة من اليوم الأول لنزول دم الحيض، ويستمر إلى اليوم الذي يسبق مباشرةً بدء الدورة التي تليها. ويتفاوت متوسط طول الدورة الشهرية الطبيعية في العادة ما بين واحدٍ وعشرين يوماً وخمسةٍ وثلاثين يوماً، على أن متوسط ثمانيةٍ وعشرين يوماً هو الأكثر مشاهدةً بين النساء. أما مدة نزول دم الحيض نفسه؛ فتمكث في الغالب من يومين إلى سبعة أيام.

ومن الجدير بالذكر أن هذه الأرقام لا تمثل سوى متوسطاتٍ عامة، وأن هناك فوارق فرديةً طبيعيةً ومشاهدةً بين النساء، بل ولدى المرأة الواحدة من شهرٍ إلى آخر ضمن هوامش معقولة. فبعض النساء تكون دورتهن أقصر قليلاً أو أطول قليلاً من المتوسط العام، ولا يستلزم هذا بالضرورة وجود معضلةٍ صحية. وإن تتبع كل امرأةٍ لسِمات دورتها الخاصة ومدى استقرارها على نسقٍ واحد؛ ليسهم في تمكينها من ملاحظة أي تغييراتٍ غير معهودةٍ قد تطرأ.

متى يُعتبر تأخر الدورة الشهرية غير طبيعي؟

يصبح تأخر الدورة الشهرية مدعاةً للانتباه والتقصي الطبي حينما يتجاوز المدى المقبول للتغيرات الطبيعية. وبصفةٍ عامة، يمكن القول إن الدورة الشهرية تُعدُّ متأخرةً إذا انقطعت لمدةٍ تزيد على خمسةٍ وثلاثين يوماً لدى المرأة التي عُرفت دورتها بالانتظام فيما مضى، أو إذا تباطأت عن موعدها المعتاد والمتوقع لأكثر من سبعة أيامٍ إلى تسعة أيامٍ، وذلك بالنسبة للمرأة ذات الدورة الشهرية المنتظمة.

كما يُعتبر غياب ثلاث دوراتٍ شهريةٍ متوالياتٍ لدى امرأةٍ كانت دورتها منتظمةً من قبل؛ حالةً تستوجب الاستشارة الطبية، وتُعرف هذه الحالة طبياً بـ انقطاع الطمث الثانوي. ومن الأهمية بمكانٍ التمييز بين "تأخر الدورة" العارض – والذي قد لا يتعدى يوماً أو يومين ولا يكون في العادة مصدراً للقلق إذا كان حدثاً فردياً – وبين "انقطاع الطمث" (Amenorrhea) الذي يدل على غياب الدورة لفترةٍ زمنيةٍ أطول (تكون في الغالب ثلاثة أشهرٍ أو تزيد)، ويحمل دلالاتٍ طبيةً أشد عمقاً تستوجب البحث الجاد عن أسبابه الكامنة.

إن الوعي بالتباين الطبيعي في الدورات الشهرية بين مختلف النساء، بل ولدى المرأة الواحدة عبر الزمن؛ يساعد في الحد من القلق الذي لا داعي له تجاه التغيرات الطفيفة. ومع هذا؛ فإن إدراك اللحظة التي يتخطى فيها هذا التباين الحدود الطبيعية ليصبح "تأخراً" حقيقياً يستدعي النظر؛ هو المفتاح لطلب المشورة الطبية في أوانها.

وختاماً لهذا الفصل؛ فإن فهم الدورة الشهرية على طبيعتها، وإدراك المعنى الحقيقي للتأخر؛ هو الأساس المتين الذي ننطلق منه لاستكشاف الأسباب المتنوعة التي قد تؤدي إلى هذا التأخر، وهي الأسباب التي سنتناولها بمزيدٍ من التفصيل في النصوص التالية من هذه المقال.

هل يمكن أن أكون حاملاً؟ الاحتمال الأول عند تأخر الدورة

عندما تتأخر الدورة الشهرية عن موعدها المألوف لدى المرأة التي بلغت سن الإنجاب وتكون ناشطةً من الناحية الجنسية؛ فإن أول ما يسبق إلى الذهن في غالب الأحوال هو احتمالية أن تكون قد حملت. ويُعد هذا التفكير منطقياً وطبيعياً للغاية؛ إذ إن الحمل هو في واقع الأمر أحد أكثر أسباب تأخر الدورة الشهرية انتشاراً، إن لم يكن هو السبب الأبرز بينها جميعاً.

لهذا السبب، وقبل الشروع في البحث عن أي أسبابٍ أخرى؛ يُنصح على الدوام باستبعاد أو إثبات وجود الحمل كخطوةٍ أولى لا غنى عنها. فهذا الإجراء لا يقتصر على تقديم إجابةٍ سريعةٍ لأحد أهم ما يشغل البال من تساؤلات؛ بل إنه يوجه كذلك نحو المسار الصحيح الذي ينبغي سلوكه للرعاية والمتابعة في حال تأكد الحمل، أو يفسح المجال للبحث في الأسباب الأخرى المحتملة إذا ما تم استبعاده.

لماذا الحمل هو السبب الأول الذي تفكرين فيه؟

إن الجواب عن هذا السؤال ليكمن في الآلية الفسيولوجية الطبيعية التي يعمل بها جسم المرأة. فما إن يتم الإخصاب وتستقر البويضة بعد تلقيحها في بطانة الرحم؛ حتى يبدأ الجسم في إفراز هرمونات الحمل، ويأتي في مقدمتها هرمون موجهة الغدد التناسلية المشيمائية البشرية (hCG). وهذا الهرمون – بالإضافة إلى هرموناتٍ أخرى كالإستروجين والبروجستيرون التي ترتفع مستوياتها في هذه الفترة – يعمل على الحفاظ على استمرارية الحمل ودعم نمو الجنين وتطوره.

ونتيجةً لهذه التحولات الهرمونية الجوهرية؛ يكفّ المبيضان عن إطلاق بويضاتٍ جديدة، وتتوقف كذلك عملية انسلاخ بطانة الرحم التي تحدث شهرياً وتظهر على هيئة دم الحيض. وهذا الانقطاع في نزول دم الدورة الشهرية هو أمرٌ طبيعيٌّ تماماً وضروريٌّ لتهيئة بيئةٍ مناسبةٍ لاستمرار الحمل ونمائه. ومن أجل ذلك؛ يُعتبر تأخر الدورة الشهرية أو غيابها علامةً مبكرةً وواضحةً على احتمالية وقوع الحمل.

كيف ومتى يتم إجراء اختبارات الحمل؟

تتوافر في وقتنا الحاضر طرائق متعددة للكشف عن الحمل، وتعتمد جميعها بشكلٍ رئيسيٍّ على استكشاف وجود هرمون الحمل (hCG) في جسم المرأة. أما النوعان الأساسيان لاختبارات الحمل؛ فهما اختبارات البول التي تجرى في المنزل، واختبارات الدم التي تتم في المختبرات الطبية. وتتميز اختبارات الحمل المنزلية بسهولة استخدامها وتوافرها في الصيدليات، وهي تعتمد في عملها على الكشف عن وجود هرمون hCG في عينةٍ من البول.

وتُعتبر هذه الاختبارات ذات دقةٍ عاليةٍ بشكلٍ عام إذا ما تم اتباع التعليمات المرفقة بها بحذافيرها، وإذا أُجريت في التوقيت المناسب. ويُفضل عادةً إجراء اختبار الحمل المنزلي بعد انقضاء يومٍ واحدٍ على الأقل من الموعد المتوقع للدورة الشهرية التي تأخرت؛ وللحصول على نتيجةٍ يمكن الركون إليها بقدرٍ أكبر من الثقة، يُنصح بالانتظار لمدة أسبوعٍ بعد تأخر الدورة، وخصوصاً إذا كانت الدورة الشهرية للمرأة غير منتظمةٍ في طبيعتها، الأمر الذي قد يجعل تحديد موعد الإباضة، وبالتالي موعد الدورة المتوقع، أقل يقيناً.

وفيما يلي بيانٌ لأنواع اختبارات الحمل الرئيسية:

  1. اختبار البول المنزلي.
  2. اختبار الدم في المختبر (وهو أشد دقةً وقدرةً على كشف الحمل في مراحله المبكرة).

وتُعد اختبارات الدم أكثر حساسيةً ودقةً من اختبارات البول؛ إذ يمكنها أن تكشف عن وجود هرمون hCG في الدم حتى لو كانت مستوياته ضئيلة، وفي وقتٍ أبكر بعد حدوث الحمل، بل وأحياناً حتى قبل الموعد الفعلي للدورة الشهرية المتأخرة. كما أن بوسع اختبارات الدم الكمية أن تقيس مستوى الهرمون بدقةٍ متناهية؛ مما قد يساعد في تقدير عمر الحمل أو في متابعة تطوره في بعض الحالات التي تستدعي ذلك.

وحتى بعد الحصول على نتيجةٍ إيجابيةٍ من اختبار الحمل المنزلي؛ فإنه يُنصح دائماً بمراجعة الطبيب لتأكيد الحمل بشكلٍ رسميٍّ، وذلك من خلال الفحص السريري أو إجراء اختباراتٍ إضافيةٍ إذا ما دعت الحاجة، وكذلك للبدء في متابعة الحمل متابعةً سليمةً تضمن صحة الأم والجنين معاً.

أعراض الحمل المبكرة الأخرى المصاحبة لتأخر الدورة

إضافةً إلى تأخر الدورة الشهرية – الذي يمثل العرض الأوضح والأكثر دلالة – قد تلاحظ المرأة ظهور مجموعةٍ من الأعراض الأخرى التي تُعدُّ من العلامات المبكرة التي يُحتمل معها وجود الحمل. وهذه الأعراض تختلف في شدتها وفي توقيت ظهورها من امرأةٍ إلى أخرى، وقد لا تمر بها جميع النساء بالكيفية ذاتها؛ بل إن بعض النساء قد لا يشعرن بأيٍّ من هذه الأعراض المبكرة على الإطلاق.

ومن المهم أن يتم التأكيد على أن هذه الأعراض ليست وقفاً على الحمل وحده؛ فقد تتشابه مع أعراض حالاتٍ أخرى، أو حتى مع الأعراض التي تسبق مجيء الدورة الشهرية لدى بعض النساء. ورغم ذلك؛ فإن ظهور عددٍ منها بالتزامن مع تأخر الدورة الشهرية ليعزز من احتمالية قيام الحمل.

ومن بين هذه الأعراض التي يشيع ظهورها ما يأتي:

  • الغثيان الذي يغلب حدوثه في الصباح (مع أنه قد يقع في أي وقتٍ من اليوم، ولا يقتصر على فترة الصباح).
  • الشعور بالتعب والإرهاق دون وجود سبب ظاهر لذلك.
  • كثرة الحاجة إلى التبول على غير المعتاد.
  • حدوث تورم وشعور بالألم والحساسية في الثديين.
  • ظهور تقلبات حادة في الحالة المزاجية.
  • الرغبة الشديدة في تناول أطعمة معينة (وهو ما يُعرف بالوحم)، أو الشعور بنفور مفاجئ من أطعمة كانت محببةً للمرأة فيما سبق.
  • نزول بقع دم خفيفة أو ظهور إفرازاتٍ بنية اللون (وهو ما يُعرف أحياناً بنزيف الانغراس، ويحدث نتيجةً لانغراس البويضة الملقحة في جدار الرحم).

وتُعزى معظم هذه الأعراض إلى التغيرات الهرمونية الكبيرة التي يشهدها جسم المرأة في بداية الحمل؛ مثل ارتفاع مستويات هرمون البروجستيرون وهرمون الإستروجين وهرمون الحمل (hCG). فعلى سبيل المثال؛ يُعتقد أن ارتفاع هذه الهرمونات يؤدي دوراً في الشعور بالغثيان والإعياء، كما أن زيادة تدفق الدم الوارد إلى الكليتين هي ما يؤدي إلى كثرة التبول.

وعلى الرغم من أن وجود هذه الأعراض مترافقاً مع تأخر الدورة الشهرية يزيد من احتمالية الحمل؛ إلا أن اختبار الحمل يبقى هو الوسيلة الفاصلة والنهائية لتأكيد هذا الاحتمال أو لاستبعاده.

وفي حال تم استبعاد الحمل كسببٍ لتأخر الدورة الشهرية؛ فإنه يصبح من اللازم النظر في طائفةٍ واسعةٍ من الأسباب الأخرى المحتملة التي قد تكون هي المسؤولة عن هذا التأخر، وهو الأمر الذي سنتناوله بمزيدٍ من التفصيل في الأجزاء التالية من هذه المقالة.

أسباب تأخر الدورة الشهرية الشائعة (في حال عدم وجود حمل)

إن جسم المرأة ليمثلُ نظاماً بيولوجياً بالغ الدقة والتكامل، يتأثر توازنه الهرموني بالعديد من العوامل، سواء أكانت داخلية المصدر أم خارجية. وعندما يُستبعد الحمل كسببٍ لتأخر الدورة الشهرية؛ فإن قائمة الأسباب المحتملة الأخرى تتسع رحابها لتشمل طائفةً متنوعةً من هذه العوامل.

ومن المهم أن ندرك أن تأخر الدورة الشهرية ليس مرضاً في حد ذاته؛ بل هو عرضٌ قد ينبئ عن وجود تغيراتٍ فسيولوجيةٍ طبيعية، أو عن تأثيراتٍ معينةٍ لنمط الحياة، أو حتى عن وجود حالاتٍ طبيةٍ غير ظاهرةٍ تستدعي الانتباه. وهنا سنسعى إلى إلقاء الضوء على أبرز أسباب تأخر الدورة الشهرية الشائعة لدى النساء في حال التأكد من عدم وجود حمل.

عوامل مرتبطة بنمط الحياة

قد لا تفطن الكثيرات إلى أن العادات اليومية والضغوط الحياتية التي نمر بها يمكن أن تلعب دوراً محورياً في مدى انتظام الدورة الشهرية. فالجسم البشري – وبخاصةٍ النظام الهرموني الدقيق الذي تتميز به المرأة – يستجيب لهذه العوامل بتغيراتٍ قد لا تكون ظاهرةً للعيان في بادئ الأمر، ولكنها تتراكم بمرور الوقت لتؤثر في إيقاع الساعة البيولوجية الداخلية لديه.

وإن فهم الكيفية التي تؤثر بها هذه الجوانب من نمط حياتنا على الدورة الشهرية؛ لهو الخطوة الأولى التي تمهد السبيل نحو اتخاذ إجراءاتٍ تصحيحيةٍ بسيطةٍ قد تكون وحدها كافيةً لاستعادة الانتظام الطبيعي الذي فُطر عليه الجسم. وسنتناول الآن بعض أبرز هذه العوامل بشيءٍ من التفصيل:

1. التوتر والضغوط النفسية

يُعد التوتر النفسي – سواء أكان حاداً طارئاً نتيجة لحدثٍ معينٍ كفقدان شخصٍ عزيزٍ أو بسبب ضغوط الامتحانات، أم كان مزمناً ناجماً عن متطلبات العمل وأعباء الحياة اليومية – واحداً من أبرز العوامل التي يمكن أن تؤثر تأثيراً سلبياً على انتظام الدورة الشهرية. إذ يؤثر التوتر بشكلٍ مباشرٍ على منطقة ما تحت المهاد (Hypothalamus) في الدماغ، وهي الغدة الرئيسية التي تتولى مسؤولية تنظيم العديد من وظائف الجسم الحيوية، بما في ذلك إنتاج الهرمون المطلق لموجهة الغدد التناسلية (GnRH).

وهذا الهرمون (GnRH) يقوم بدوره بتحفيز الغدة النخامية على إفراز الهرمون المنبه للجريب (FSH) والهرمون الملوتن (LH)، وهما الهرمونان الأساسيان اللذان يضبطان عملية نضوج البويضة وحدوث الإباضة. وعندما تتعرض المرأة لضغطٍ نفسيٍّ شديد؛ يرتفع مستوى هرمون الكورتيزول (المعروف بهرمون التوتر)، الأمر الذي يثبط إفراز الهرمون المطلق لموجهة الغدد التناسلية (GnRH)، وبالتالي يعطل ذلك التسلسل الهرموني الطبيعي اللازم لحدوث الإباضة.

وهذا الاضطراب في عملية الإباضة هو ما يؤدي في نهاية المطاف إلى تأخر الدورة الشهرية أو حتى غيابها بالكلية، فيما يُعرف بـ انقطاع الطمث الوظيفي المرتبط بالتوتر.

2. تغيرات الوزن المفاجئة

إنّ الحفاظ على وزنٍ صحيٍّ ومستقرٍ هو أمر له أهميته البالغة في تحقيق التوازن الهرموني وضمان انتظام الدورة الشهرية. فالزيادة الكبيرة أو النقصان الكبير والمفاجئ في وزن الجسم يمكن أن يؤدي إلى حدوث خللٍ في مستويات الهرمونات التي تتولى تنظيم الدورة. وإن الجسم ليحتاج إلى نسبةٍ معينةٍ من الدهون حتى يتمكن من الحفاظ على وظائف الإنجاب الطبيعية، وأي تغييرٍ حادٍ يطرأ على هذه النسبة يؤثر على إنتاج هرمون الإستروجين بشكلٍ خاص.

ففقدان الوزن الشديد – كما قد يحدث في حالات اضطرابات الأكل مثل فقدان الشهية العصبي، أو نتيجةً لاتباع أنظمةٍ غذائيةٍ قاسيةٍ للغاية، أو حتى بسبب الإفراط في ممارسة التمارين الرياضية دون تعويضٍ كافٍ لما يُفقد من سعراتٍ حرارية – يمكن أن يؤدي إلى انخفاضٍ كبيرٍ في نسبة الدهون الموجودة في الجسم. وهذا الانخفاض بدوره يقلل من إنتاج هرمون الإستروجين، وهو الهرمون الضروري لتحفيز عملية الإباضة ونمو بطانة الرحم. ونتيجةً لذلك؛ قد تتأخر الدورة الشهرية أو تنقطع تماماً، وهي الحالة المعروفة بانقطاع الطمث.

ومن ناحيةٍ أخرى؛ فإن الزيادة المفرطة في الوزن وبلوغ حد السمنة يمكن أن يؤديا إلى نتائج عكسية. فالأنسجة الدهنية الزائدة في الجسم تساهم في إنتاج كمياتٍ إضافيةٍ من هرمون الإستروجين. وهذا الارتفاع غير الطبيعي في مستويات الإستروجين يمكن أن يتسبب في حدوث خللٍ في التوازن الهرموني الطبيعي؛ مما يؤدي إلى اضطرابٍ في عملية الإباضة، وبالتالي تأخر الدورة الشهرية أو عدم انتظامها بشكلٍ عام.

3. ممارسة التمارين الرياضية المفرطة

لا جدال في أن ممارسة التمارين الرياضية بانتظامٍ تمثل ركناً أساسياً في نمط الحياة الصحي؛ فهي تعزز صحة القلب والأوعية الدموية، وتحسن الحالة المزاجية، وتساعد في الحفاظ على وزنٍ مثالي. ولكن – وكما هو الشأن في العديد من الأمور النافعة – فإن الإفراط في ممارسة الرياضة، وخصوصاً عندما لا يكون ذلك مصحوباً بتناول كميةٍ كافيةٍ من السعرات الحرارية لتعويض الطاقة الهائلة التي يتم صرفها؛ يمكن أن يضع عبئاً كبيراً على الجسم ويؤدي إلى نتائج عكسية على صعيد الصحة الإنجابية.

وهذا الإجهاد البدني الشديد – الذي يُعرف أحياناً بـ "متلازمة الأنثى الرياضية" في حالاتها المتقدمة – يمكن أن يفضي إلى حالةٍ تُسمى "انقطاع الطمث الرياضي" (Exercise-induced amenorrhea). وهذه الحالة يشيع حدوثها بشكلٍ خاصٍ بين الرياضيات المحترفات أو النساء اللواتي ينخرطن في برامج تدريبيةٍ رياضيةٍ شاقةٍ ومكثفةٍ لساعاتٍ طويلةٍ كل يوم، مثل راقصات الباليه أو عداءات المسافات الطويلة (الماراثون).

والآلية التي تفسر ذلك هنا تشبه تأثير فقدان الوزن الشديد؛ فالجسم - تحت ضغط النقص المزمن في الطاقة - يبدأ في "تعطيل" الوظائف التي يعتبرها "ثانويةً" أو "غير أساسيةٍ" للحفاظ على مقومات البقاء، ومن بين هذه الوظائف تأتي الوظائف التناسلية. ويؤدي ذلك إلى تثبيط إفراز الهرمونات من منطقة ما تحت المهاد والغدة النخامية؛ مما يعطل عملية الإباضة وينتهي به الأمر إلى تأخر الدورة الشهرية أو غيابها.

4. اضطراب الرحلات الجوية الطويلة وتغيير الروتين (Jet Lag)

إن السفر لمسافاتٍ شاسعةٍ عبر مناطق زمنيةٍ متعددة، وما يصاحبه عادةً من اضطرابٍ في مواعيد النوم والاستيقاظ، وهو ما يُعرف بـ "اضطراب الرحلات الجوية الطويلة" أو "جيت لاغ"؛ يمكن أن يكون له تأثيرٌ ملحوظٌ على نظام الساعة البيولوجية الداخلية في الجسم. وهذه الساعة البيولوجية – أو ما يُعرف بالإيقاع اليومي – لا تقتصر وظيفتها على تنظيم دورات النوم واليقظة فحسب؛ بل إنها تلعب أيضاً دوراً هاماً في تنظيم إفراز العديد من الهرمونات، بما في ذلك تلك الهرمونات التي تتحكم في الدورة الشهرية.

وعندما يتعرض الجسم لهذا النوع من الاضطراب، بالإضافة إلى التوتر الذي قد يصاحب عملية السفر في حد ذاتها، والتغيرات المفاجئة التي قد تطرأ على النظام الغذائي والبيئة المحيطة؛ فإن مجموع هذه العوامل يمكن أن يؤدي إلى حدوث خللٍ مؤقتٍ في التوازن الهرموني. وهذا الخلل بدوره قد يتسبب في تأخر الدورة الشهرية عن موعدها المعتاد. وفي العادة؛ يكون هذا التأثير مؤقتاً، وتعود الدورة إلى طبيعتها بمجرد أن يتأقلم الجسم مع متطلبات المنطقة الزمنية الجديدة ويستعيد روتين حياته المعهود.

إن هذه العوامل المرتبطة بنمط الحياة – على الرغم من أنها تبدو في ظاهرها بسيطةً أو جزءاً طبيعياً من تفاصيل حياتنا اليومية – إلا أن لها تأثيراً عميقاً ومباشراً على ذلك التوازن الهرموني الدقيق الذي يحكم جسم المرأة. لذلك فالانتباه إلى ضرورة الحفاظ على نمط حياةٍ صحيٍّ ومتوازن، يتضمن إدارة التوتر والضغوط النفسية بشكلٍ فعال، والحفاظ على وزنٍ صحي، وممارسة الرياضة باعتدالٍ وتوازن، والحصول على قسطٍ وافٍ من الراحة والنوم؛ يُعد أمراً لا غنى عنه، ليس فقط من أجل الصحة العامة، بل أيضاً من أجل ضمان انتظام الدورة الشهرية وسلامة وظائفها.

حالات طبية كامنة

في بعض الأوقات؛ لا يكون تأخر الدورة الشهرية مجرد استجابةٍ عابرةٍ لتغيراتٍ طارئةٍ في نمط الحياة، بل يكون بمثابة إنذارٍ يرسله الجسم للتنبيه إلى وجود حالةٍ طبيةٍ غير ظاهرةٍ تحتاج إلى تشخيصٍ دقيقٍ وعلاجٍ متخصص. ومن الضروري جداً عدم إهمال تأخر الدورة الشهرية إذا كان متكرراً أو طالت مدته، أو إذا كان مصحوباً بأعراضٍ أخرى غير مألوفة.

وإن السبيل إلى التعامل مع هذه الحالات ليبدأ بفهم طبيعتها الدقيقة وتأثيرها على النظام الهرموني في الجسم. وسنستعرض الآن بعضاً من أبرز الحالات الطبية التي يمكن أن تكون سبباً كامناً وراء تأخر الدورة الشهرية:

1. متلازمة تكيس المبايض (PCOS)

تُعد متلازمة تكيس المبايض (Polycystic Ovary Syndrome - PCOS) واحدةً من أكثر الاضطرابات الهرمونية شيوعاً وانتشاراً بين النساء في سن الإنجاب؛ وهي تُعتبر سبباً رئيسياً لعدم انتظام الدورة الشهرية وتأخرها، بل وفي بعض الأحيان لغيابها بصورةٍ تامة.

وتتميز هذه المتلازمة بوجود خللٍ واضحٍ في التوازن الهرموني داخل الجسم؛ حيث ترتفع مستويات هرمونات الأندروجين (وهي الهرمونات الذكرية التي توجد بشكلٍ طبيعيٍّ ولكن بكمياتٍ قليلةٍ لدى النساء)، وقد تكون هناك أيضاً مقاومةٌ من خلايا الجسم لعمل هرمون الأنسولين.

وهذا الخلل الهرموني يؤثر بشكلٍ مباشرٍ وفوريٍّ على وظيفة المبيضين؛ مما يؤدي إلى حدوث اضطرابٍ في عملية نضوج البويضات وإطلاقها من المبيض (وهي عملية الإباضة). ونتيجةً لعدم حدوث الإباضة بانتظام، أو لعدم حدوثها على الإطلاق في بعض الحالات؛ فإن الدورة الشهرية تتأخر أو تصبح غير منتظمة، وقد يصاحب ذلك ظهور تكيساتٍ صغيرةٍ متعددةٍ على سطح المبيضين، وهي التكيسات التي يمكن رؤيتها بوضوحٍ من خلال فحص الموجات فوق الصوتية (السونار).

ومن الأعراض الأخرى التي قد تكون مصاحبةً لمتلازمة تكيس المبايض ما يلي:

  • عدم انتظام أو غياب للدورة الشهرية بشكل ملحوظ.
  • ظهور حَبّ الشباب بكثرة، وخصوصاً في منطقة الذقن وأعلى الظهر.
  • نمو الشعر الزائد في أماكن غير مرغوب فيها عادةً لدى النساء، مثل منطقة الوجه والصدر والبطن (وهي الحالة المعروفة بالشعرانية).
  • زيادة ملحوظة في الوزن، أو مواجهة صعوبةٍ كبيرةٍ في محاولة إنقاص الوزن الزائد.
  • وجود تكيسات صغيرة ومتعددة على سطح المبيضين، والتي يتم الكشف عنها في العادة من خلال فحص السونار.

ومن المهم جداً التشخيص المبكر لمتلازمة تكيس المبايض؛ ليس فقط بهدف معالجة مشكلة تأخر الدورة الشهرية، بل أيضاً لأن هذه المتلازمة تحمل في طياتها تأثيراتٍ صحيةً بعيدة المدى تتجاوز مجرد اضطراب مواعيد الدورة. فالنساء المصابات بمتلازمة تكيس المبايض يَكُنَّ أكثر عرضةً من غيرهن للإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، وكذلك بأمراض القلب والأوعية الدموية، وارتفاع ضغط الدم، وبعض أنواع سرطانات بطانة الرحم، بالإضافة إلى ما قد يواجهنه من مشاكل تتعلق بالخصوبة.

ويهدف العلاج عادةً إلى السيطرة على الأعراض الظاهرة، وتنظيم الدورة الشهرية، وتقليل المخاطر الصحية المقترنة بهذه المتلازمة؛ وقد يشمل ذلك إجراء تغييراتٍ في نمط الحياة، وتناول أدويةٍ لتنظيم مستويات الهرمونات أو السكر في الدم، وفي بعض الحالات التي تكون فيها الرغبة في الحمل قائمة، قد يتم اللجوء إلى أدويةٍ لتحفيز عملية الإباضة.

أعراض متلازمة تكيس المبايض الشائعة
الأعراض الوصف
عدم انتظام أو غياب الدورة الشهرية تأخر الدورة بشكل متكرر، أو غيابها لعدة أشهر، أو نزيف غير منتظم.
ظهور حب الشباب بكثرة خاصة في منطقة الوجه (الذقن والفك السفلي) والظهر والصدر، ويكون أحياناً مقاوماً للعلاجات التقليدية.
نمو الشعر الزائد (الشعرانية) ظهور شعر داكن وخشن في مناطق عادة ما يكون فيها الشعر خفيفًا لدى النساء، كالشفتين العلوية والذقن والصدر والبطن والظهر.
زيادة الوزن أو صعوبة في فقدانه خاصة تراكم الدهون في منطقة البطن، وصعوبة في الاستجابة للحميات الغذائية التقليدية.
وجود تكيسات صغيرة على المبايض (بالسونار) ظهور أكياس صغيرة متعددة مملوءة بالسوائل على سطح المبيضين عند إجراء فحص الموجات فوق الصوتية، وهي ليست أكياساً مَرضية بالمعنى التقليدي.
ترقق الشعر أو تساقطه من فروة الرأس تلاحظ بعض النساء ترققاً في شعر الرأس يشبه نمط الصلع الذكوري.
بقع داكنة على الجلد (الشواك الأسود) ظهور بقع جلدية داكنة وسميكة ومخملية الملمس، غالباً في ثنايا الجلد كالعنق والإبطين وتحت الثديين.

ملاحظة مهمة: ليس من الضروري أن تظهر جميع هذه الأعراض مجتمعةً حتى يتم تشخيص المتلازمة، ويجب دائماً استشارة الطبيب المختص لإجراء التقييم الدقيق والوصول إلى التشخيص الصحيح.

2. اضطرابات الغدة الدرقية

تُعتبر الغدة الدرقية – تلك الغدة الصغيرة التي تشبه في شكلها الفراشة وتستقر في الجزء الأمامي من العنق – بمثابة القائد الذي ينظم العديد من العمليات الحيوية الأساسية في الجسم، بما في ذلك عمليات التمثيل الغذائي (الأيض أو حرق الطاقة) وكذلك إنتاج الهرمونات.

وأي خللٍ يعتري وظيفة هذه الغدة الحيوية – سواء تمثل هذا الخلل في فرط نشاطها (Hyperthyroidism) أو في قصور أدائها (Hypothyroidism) – يمكن أن يترك بصماته الواضحة على التوازن الهرموني العام في الجسم، وبالتالي يؤثر بشكلٍ مباشرٍ على انتظام الدورة الشهرية، وقد يؤدي إلى تأخرها أو حتى إلى غيابها بالكلية.

ويُعد قصور الغدة الدرقية (Hypothyroidism) هو الأكثر شيوعاً بين اضطرابات الغدة الدرقية في التسبب بمشاكل تتعلق بالدورة الشهرية. فعندما تعجز الغدة الدرقية عن إنتاج كميةٍ كافيةٍ من هرموناتها؛ يمكن أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع مستوى هرمون البرولاكتين (المعروف بهرمون الحليب) في الدم، وهو الأمر الذي قد يثبط بدوره عملية الإباضة الطبيعية ويؤدي بالتالي إلى تأخر الدورة.

أما فرط نشاط الغدة الدرقية؛ فيمكن أن يُحدث تسارعاً كبيراً في عمليات الأيض ويؤثر أيضاً على ذلك التوازن الهرموني الدقيق الذي لا غنى عنه لانتظام الدورة الشهرية. ومن الأعراض الأخرى التي قد تكون مصاحبةً لاضطرابات الغدة الدرقية ما يلي:

  • حدوث تغيرات غير مبررة في وزن الجسم (كزيادة ملحوظة في حالة قصور الغدة الدرقية، أو نقصان ملحوظ في حالة فرط نشاطها، وذلك على الرغم من عدم حدوث تغير يُذكر في الشهية أو في العادات الغذائية المتبعة).
  • الشعور بالتعب الشديد والخمول والإرهاق العام (في حالة القصور)، أو على النقيض من ذلك الشعور بالنشاط المفرط والتوتر والعصبية وصعوبة الاسترخاء (في حالة الفرط).
  • تساقط الشعر، أو ملاحظة جفافه وتقصفه، وكذلك جفاف الجلد وهشاشة الأظافر.
  • الشعور بالبرد بشكلٍ غير طبيعيٍّ وعدم القدرة على تحمل درجات الحرارة المنخفضة (في حالة القصور)، أو الشعور بالحرارة بشكل مفرط وعدم تحمل الطقس الدافئ (في حالة الفرط).
  • حدوث تقلبات في الحالة المزاجية، مثل الشعور بالاكتئاب أو مواجهة صعوبةٍ في التركيز (مع القصور)، أو الشعور بالقلق والتهيج والعصبية الزائدة (مع الفرط).

ولحسن الحظ؛ فإنه يمكن تشخيص اضطرابات الغدة الدرقية بسهولةٍ تامةٍ من خلال إجراء فحص دمٍ بسيطٍ يقيس مستويات الهرمون المنبه للغدة الدرقية (TSH) وكذلك مستويات هرمونات الغدة الدرقية نفسها (T3 و T4). وفي حال تم تشخيص وجود خللٍ ما؛ فإن العلاج المناسب – سواء كان ذلك من خلال تناول هرمون الغدة الدرقية التعويضي في حالات القصور، أو من خلال تناول أدويةٍ تعمل على تثبيط نشاط الغدة في حالات الفرط – يساعد بشكلٍ كبيرٍ وفعالٍ في استعادة التوازن الهرموني الطبيعي، وبالتالي عودة الدورة الشهرية إلى سابق انتظامها. لذلك من المهم جداً عدم إهمال هذه الأعراض والمسارعة إلى استشارة الطبيب لتقييم وظيفة الغدة الدرقية بشكلٍ دقيق.

3. ارتفاع هرمون البرولاكتين (هرمون الحليب)

يُفرز هرمون البرولاكتين – والذي يُعرف أيضاً بهرمون الحليب – بشكلٍ طبيعيٍّ من الغدة النخامية التي تقع في قاعدة الدماغ، وهو يلعب دوراً محورياً وأساسياً في تحفيز إنتاج الحليب في ثدي المرأة بعد عملية الولادة وخلال فترة الرضاعة الطبيعية. ومع ذلك؛ فإن ارتفاع مستويات هذا الهرمون في مجرى الدم خارج فترات الحمل والرضاعة – وهي حالةٌ تُعرف طبياً بـ "فرط برولاكتين الدم" (Hyperprolactinemia) – يكون له تأثيرٌ غير متوقع ومباشر على انتظام الدورة الشهرية، مما يؤدي إلى تأخرها أو حتى إلى انقطاعها بالكلية.

والآلية التي يتم بها ذلك التأثير تكمن في أن المستويات المرتفعة من هرمون البرولاكتين يمكن أن تقوم بتثبيط عملية إفراز الهرمون المطلق لموجهة الغدد التناسلية (GnRH) من منطقة ما تحت المهاد في الدماغ؛ وبالتالي، فإنها تقلل من إفراز كلٍّ من الهرمون المنبه للجريب (FSH) والهرمون الملوتن (LH) من الغدة النخامية.

وهذه الهرمونات تُعد ضروريةً وأساسيةً لتحفيز المبايض على إنتاج البويضات الناضجة ومن ثم حدوث عملية الإباضة. وعندما تتعطل هذه السلسلة من العمليات الحيوية؛ فإن الدورة الشهرية تتأخر أو تغيب. ومن بين الأسباب المحتملة لارتفاع مستوى هرمون البرولاكتين، يمكن ذكر وجود ورم حميد صغير في الغدة النخامية (يُطلق عليه اسم برولاكتينوما)، أو تناول أنواعٍ معينةٍ من الأدوية (مثل بعض مضادات الاكتئاب، ومضادات الذهان، وبعض الأدوية المستخدمة في علاج ارتفاع ضغط الدم)، أو حتى قد يكون ذلك نتيجةً لوجود قصور في وظيفة الغدة الدرقية.

أما الأعراض التي قد تكون مصاحبةً لارتفاع هرمون البرولاكتين فتشمل:

  • إفراز الحليب أو سائلٍ يشبه الحليب من أحد الثديين أو كليهما، وذلك في غير أوقات الحمل والرضاعة الطبيعية.
  • الشعور بصداعٍ أو حدوث مشاكل في الرؤية (وخاصةً إذا كان سبب ارتفاع البرولاكتين ناجماً عن وجود ورم نخاميّ كبير بدرجة كافية ليضغط على الأعصاب البصرية المجاورة).
  • انخفاض ملحوظ في الرغبة الجنسية لدى المرأة.
  • الشعور بجفاف في المهبل، الأمر الذي قد يتسبب في عدم الارتياح أثناء العلاقة الزوجية.

ويتم تشخيص حالة ارتفاع هرمون البرولاكتين عادةً عن طريق إجراء فحصٍ بسيطٍ لمستوى هذا الهرمون في الدم. وإذا ما تبين أن مستوياته مرتفعةٌ بالفعل؛ فقد يطلب الطبيب المعالج إجراء بعض الفحوصات الإضافية، مثل التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) لمنطقة الدماغ، وذلك بهدف استبعاد احتمالية وجود ورم في الغدة النخامية.

ويعتمد أسلوب العلاج المتبع على السبب الجذري الكامن وراء ارتفاع الهرمون؛ وقد يشمل ذلك تناول أدويةٍ تعمل على خفض مستويات البرولاكتين في الدم، أو معالجة الحالة الطبية الأساسية المسببة لهذا الارتفاع (مثل قصور الغدة الدرقية)، وفي حالاتٍ نادرة، قد يصبح التدخل الجراحي ضرورياً لإزالة الورم النخامي إذا كان حجمه كبيراً أو إذا لم يستجب للعلاج الدوائي المتبع.

4. فترة ما قبل انقطاع الطمث (Perimenopause) وانقطاع الطمث المبكر

تُعتبر فترة ما قبل انقطاع الطمث (Perimenopause) بمثابة مرحلةٍ انتقاليةٍ طبيعيةٍ تمر بها المرأة في مسيرة حياتها، وهي تسبق مباشرةً الوصول إلى مرحلة انقطاع الطمث النهائي (أو ما يُعرف بسن اليأس). وعادةً ما تبدأ هذه الفترة في منتصف إلى أواخر العقد الرابع من عمر المرأة، على الرغم من أنها قد تبدأ في وقتٍ أبكر لدى بعض النساء.

وخلال هذه المرحلة الدقيقة؛ تبدأ وظيفة المبيضين في التراجع بشكلٍ تدريجي، ويقل تبعاً لذلك إنتاج هرموني الإستروجين والبروجستيرون بصورةٍ غير منتظمة. وهذا التقلب الملحوظ في مستويات الهرمونات هو ما يؤدي إلى أن تصبح عملية الإباضة أقل انتظاماً من ذي قبل؛ الأمر الذي ينعكس بشكلٍ مباشرٍ على طبيعة الدورة الشهرية. فقد تلاحظ المرأة أن دورتها قد أصبحت أطول أو أقصر مما كانت عليه في السابق، أو أن كمية النزيف أصبحت أخف أو أغزر، وقد تتأخر الدورة لعدة أسابيع متتالية أو حتى تغيب لبعض الأشهر ثم تعاود الظهور مرةً أخرى بشكلٍ مفاجئ.

أما بالنسبة لانقطاع الطمث المبكر (Premature Ovarian Insufficiency/Failure)؛ فهو حالةٌ طبيةٌ تحدث عندما تتوقف المبايض عن أداء وظيفتها بشكلٍ طبيعيٍّ قبل أن تبلغ المرأة سن الأربعين. ويؤدي ذلك إلى غياب الدورة الشهرية وظهور أعراضٍ تشبه إلى حدٍّ كبيرٍ أعراض سن اليأس المعتادة، مثل الشعور بالهبات الساخنة والإحساس بجفافٍ في المهبل. ويمكن أن يكون لانقطاع الطمث المبكر موجباتٌ وراثيةُ الأصل، أو أخرى مناعيةٌ ذاتية، أو قد ينشأ كذلك جراء الخضوع لعلاجاتٍ طبيةٍ معينةٍ كالعلاج الكيميائي أو الإشعاعي.

ومن الأعراض التي يشيع مصاحبتها لفترة ما قبل انقطاع الطمث أو لانقطاع الطمث المبكر ما يأتي:

  • هبات ساخنة تعتري المرأة فجأةً وشعورٌ بالحرارة اللافحة، وبخاصةٍ في الجزء العلوي من الجسم، وقد يصحب ذلك تعرق واحمرار في الجلد.
  • تعرق ليليّ غزير قد يكون من شدته سبباً في إيقاظ المرأة من نومها.
  • جفافٌ يطرأ على المهبل نتيجةً لانخفاض مستويات هرمون الإستروجين، الأمر الذي قد يتسبب في الشعور بالحكة أو الحرقة، أو الإحساس بألم أثناء العلاقة الزوجية.
  • اضطرابات في النوم، كأن تجد المرأة صعوبةً في الدخول إلى النوم، أو أن يتكرر استيقاظها خلال الليل.
  • تقلبات تطرأ على المزاج، كالشعور بالضيق، أو القلق، أو الكآبة، أو صعوبة في القدرة على التركيز.
  • انخفاض في الرغبة الجنسية.

وجديرٌ بالاعتبار أن هذه التغيرات تُعد جزءاً طبيعياً من مسيرة التقدم في العمر بالنسبة لغالبية النساء. ورغم ذلك؛ فإنه إذا ما حدثت هذه الأعراض في سنّ مبكرة (أي قبل بلوغ الأربعين)، أو إذا كانت الأعراض ذات شدةٍ بالغةٍ بحيث تؤثر على جودة الحياة اليومية للمرأة؛ فإنه يصبح من الضروري جداً استشارة الطبيب.

إذ يمكن للطبيب في هذه الحالة أن يؤكد التشخيص الصحيح، وأن يقدم النصح والإرشاد بشأن الخيارات العلاجية المتاحة لتخفيف حدة هذه الأعراض، والتي تشمل في بعض الحالات اللجوء إلى العلاج الهرموني التعويضي، بالإضافة إلى تقديم إرشاداتٍ قيمةٍ تتعلق بإجراء تعديلاتٍ مناسبةٍ على نمط الحياة.

5. الأمراض المزمنة غير المتحكم بها

إن صحة الدورة الشهرية وانتظامها كثيراً ما تكون بمثابة مرآةٍ صافيةٍ تعكس الحالة الصحية العامة لجسم المرأة. لذلك فإن وجود بعض الأمراض المزمنة – وخصوصاً إذا لم يتم التحكم بها على النحو الأمثل من خلال الالتزام بالعلاج والمتابعة الطبية المنتظمة – يمكن أن يؤثر تأثيراً سلبياً على التوازن الهرموني الدقيق في الجسم، وبالتالي على انتظام الدورة الشهرية.

ومن الأمثلة الشائعة على ذلك مرض السكري الذي لم يتم ضبط مستوياته بشكلٍ جيد؛ حيث إن الارتفاع المستمر في مستويات السكر في الدم يمكن أن يتداخل مع الوظيفة الطبيعية للهرمونات التناسلية. وكذلك الحال بالنسبة لأمراض الكلى المزمنة في مراحلها المتقدمة؛ إذ يمكن أن تؤثر على قدرة الجسم على التخلص من الفضلات الزائدة وتنظيم السوائل، مما قد يكون له تأثيرٌ غير مباشرٍ على الهرمونات.

وأيضاً؛ فإن مرض السيلياك (وهو حساسية القمح الشديدة) إذا لم يُشخص أو يُعالج كما ينبغي – وهو المرض الذي يؤدي إلى سوء امتصاص العناصر الغذائية الأساسية من الطعام – يمكن أن يتسبب في حالةٍ من سوء التغذية العام، مما يؤثر بدوره على إنتاج الهرمونات وانتظام الدورة. وبالمثل؛ فإن أمراض الكبد المزمنة التي تعيق وظائف الكبد الهامة في عمليات استقلاب الهرمونات يمكن أن تؤدي إلى حدوث خللٍ هرموني.

من بين هذه الأمراض التي يجدر ذكرها:

  1. مرض السكري الذي لا يتم التحكم به بشكل جيد.
  2. أمراض الكلى المزمنة، وبخاصة في مراحلها المتقدمة.
  3. مرض السيلياك (حساسية القمح الشديدة) الذي لم يُشخص أو لم يُعالج بصورة صحيحة.
  4. أمراض الكبد المزمنة التي لها تأثير مباشر على وظائف الكبد الحيوية.

وإن مفتاح التعامل مع هذه الحالات ليكمن في التحكم الجيد بهذه الأمراض المزمنة، وذلك من خلال الالتزام الدقيق بخطة العلاج التي يصفها الطبيب المعالج؛ والتي تشتمل على تناول الأدوية بانتظام، وإجراء تغييراتٍ ضروريةٍ في النظام الغذائي، وممارسة التمارين الرياضية بشكلٍ منتظم، بالإضافة إلى ضرورة المتابعة الدورية مع الطبيب. فعندما تكون هذه الحالات المرضية تحت السيطرة الفعالة؛ فإنه غالباً ما يتحسن انتظام الدورة الشهرية كجزءٍ لا يتجزأ من التحسن العام الذي تشهده صحة الجسم بأكمله.

6. بعض الأدوية وتأثيرها الجانبي

في بعض الحالات؛ قد يكون تأخر الدورة الشهرية أو عدم انتظامها ناجماً عن أثرٍ جانبيٍّ لتناول أنواعٍ معينةٍ من الأدوية. فالعديد من الأدوية – بحكم طبيعة تركيبها الكيميائي وتأثيرها على وظائف الجسم المختلفة – يمكن أن تتداخل مع ذلك النظام الهرموني البالغ الدقة الذي يتحكم في تنظيم الدورة الشهرية لدى المرأة.

لذلك فإنه من المهم جداً عند ملاحظة أي تغيرٍ غير مبررٍ في نمط الدورة الشهرية المعتاد، أن يتم مراجعة الطبيب المعالج أو الصيدلي، وإطلاعهم على جميع الأدوية والمكملات الغذائية التي يتم تناولها في تلك الفترة، حتى تلك التي لا تحتاج إلى وصفةٍ طبيةٍ لشرائها. فالطبيب هو الشخص الأقدر على تقييم الحالة بشكلٍ دقيق، وتحديد ما إذا كان أحد هذه الأدوية هو السبب المحتمل وراء هذا التغير، وما إذا كان الأمر يتطلب تعديل الجرعة، أو تغيير الدواء إلى نوعٍ آخر، أو البحث عن بديل علاجيّ مناسب.

ومن بين الأدوية التي من المحتمل أن تؤثر على انتظام الدورة الشهرية ما يلي:

  • وسائل منع الحمل الهرمونية (مثل حبوب منع الحمل المعروفة، أو اللاصقات الجلدية، أو الحلقات المهبلية، أو الحقن الهرمونية، أو حتى اللولب الهرموني)، ويكون هذا التأثير ملحوظاً بشكل خاص عند البدء في استخدام هذه الوسائل، أو عند تغيير نوعها، أو عند التوقف عن استخدامها بشكلٍ مفاجئ.
  • بعض أنواع الأدوية المضادة للاكتئاب وكذلك الأدوية المضادة للذهان؛ حيث إن بعضاً منها يؤدي إلى ارتفاع مستوى هرمون البرولاكتين في الجسم، الأمر الذي يعمل على تثبيط عملية الإباضة.
  • العلاج الكيميائي الذي يُستخدم في معالجة حالات السرطان المختلفة، والذي يمكن أن يؤثر بشكل مباشر وقويٍ على وظيفة المبيضين وقدرتهما على إنتاج الهرمونات.
  • بعض أنواع الأدوية التي تُستخدم في علاج حالات ارتفاع ضغط الدم.
  • الكورتيكوستيرويدات (مثل دواء البريدنيزون)، ويكون تأثيرها أكثر وضوحاً خاصةً عند استخدامها بجرعاتٍ عالية أو لفترات زمنية طويلة.

ومن الضروري جداً التأكيد على أنه لا ينبغي للمرأة على الإطلاق أن تقوم بإيقاف أي دواءٍ موصوفٍ لها من قبل الطبيب دون استشارته أولاً وأخذ موافقته، حتى لو كان لديها شكٌّ في أن هذا الدواء هو سبب تأخر الدورة الشهرية. فالطبيب سيقوم بتقييم الحالة من جميع جوانبها، وقد يرى أن الفوائد المرجوة من الاستمرار في تناول الدواء تفوق تأثيره الجانبي المؤقت على الدورة، أو قد يقترح بدائل علاجية أخرى إذا كان ذلك ممكناً وآمناً بالنسبة لحالة المريضة.

7. مشاكل هيكلية أو تشريحية في الجهاز التناسلي

في حالاتٍ تُعد أقل شيوعاً من غيرها؛ قد يكون سبب تأخر الدورة الشهرية أو حتى غيابها بصورةٍ تامةٍ ناجماً عن وجود مشكلةٍ هيكليةٍ أو تشريحيةٍ في أحد أعضاء الجهاز التناسلي الأنثوي، مثل الرحم، أو عنق الرحم، أو المهبل. وهذه المشاكل قد تكون ذات طبيعةٍ خلقيةٍ (أي أنها موجودةٌ منذ الولادة) أو قد تكون مكتسبةً، أي أنها حدثت نتيجة لعملياتٍ جراحيةٍ سابقةٍ، أو بسبب التهاباتٍ شديدةٍ، أو حتى نتيجة التعرض لبعض الإصابات.

ومن الأمثلة على هذه الحالات ما يُعرف بـ متلازمة أشرمان (Asherman's syndrome)؛ وهي حالةٌ تتميز بوجود التصاقاتٍ أو تكوّن نسيجٍ ندبيٍّ داخل تجويف الرحم، وغالباً ما تحدث هذه الحالة بعد إجراء عمليات كحتٍ للرحم (D&C) أو بعد التعرض لالتهاباتٍ شديدةٍ في بطانة الرحم.

وهذه الالتصاقات يمكن أن تمنع نمو بطانة الرحم بشكلٍ طبيعيٍّ كما هو معتاد، أو قد تسد مخرج الدم، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى قلة دم الطمث أو انقطاعه بالكلية. وكذلك؛ فإن وجود حاجزٍ مهبليٍّ كاملٍ أو حدوث تضيقٍ شديدٍ في عنق الرحم يمكن أن يمنع تدفق دم الحيض إلى خارج الجسم، على الرغم من حدوث التغيرات الهرمونية الطبيعية المصاحبة للدورة الشهرية.

من بين هذه المشاكل الهيكلية التي قد تطرأ:

  • متلازمة أشرمان (والتي تعني وجود التصاقاتٍ أو ندباتٍ داخل تجويف الرحم).
  • انسداد أو تضيق شديد في قناة عنق الرحم.
  • وجود تشوهات خلقية في الرحم أو المهبل (مثل عدم اكتمال نمو الرحم بالشكل الطبيعي أو وجود حاجزٍ مهبليٍّ يعيق مسار الدم).
  • وجود أورام ليفية رحمية ذات حجم كبير جداً بحيث تسد تجويف الرحم أو قناة عنق الرحم (وهذا السبب نادراً ما يؤدي إلى انقطاع الطمث بشكلٍ كامل، ولكنه قد يكون سبباً في حدوث نزيفٍ غير منتظم).

وتستدعي هذه الحالات عادةً تشخيصاً دقيقاً من قبل طبيبٍ متخصصٍ في أمراض النساء والتوليد؛ وقد يشمل هذا التشخيص إجراء فحوصاتٍ تصويرية متقدمة مثل التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) أو اللجوء إلى تنظير الرحم (Hysteroscopy) الذي يتيح رؤية تجويف الرحم بشكلٍ مباشر. وفي كثيرٍ من هذه الحالات يكون التدخل الجراحي هو الحل الضروري لتصحيح المشكلة الهيكلية القائمة واستعادة المسار الطبيعي لتدفق دم الحيض، وبالتالي ضمان عودة الدورة الشهرية إلى طبيعتها وانتظامها.

هذه ليست سوى أمثلةٍ قليلةٍ على الحالات الطبية المتعددة التي قد تكون سبباً في تأخر الدورة الشهرية. ومن المهم التأكيد مرةً أخرى على أن الوصول إلى التشخيص الدقيق والصحيح يتطلب تقييماً طبياً شاملاً ومتكاملاً يجريه طبيبٌ متخصص؛ والذي سيأخذ في اعتباره بالضرورة التاريخ المرضي الكامل للمرأة، والأعراض المصاحبة التي تشكو منها، بالإضافة إلى نتائج الفحوصات والتحاليل اللازمة.

أسباب خاصة بتأخر الدورة الشهرية لدى الفتيات (غير المتزوجات)

قد تجد الفتيات في مرحلة المراهقة – وبخاصةٍ غير المتزوجات منهن – أنفسهن في مواجهة مجموعةٍ من الأسباب الخاصة التي قد تؤدي إلى تأخر الدورة الشهرية لديهن، وذلك بالإضافة إلى العديد من الأسباب العامة التي تم التطرق إليها سابقاً والتي يمكن أن تؤثر في انتظام الدورة الشهرية لدى النساء في مختلف مراحل أعمارهن.

ومن الأهمية بمكانٍ فهم هذه العوامل الخاصة التي تتعلق بهذه الفئة العمرية، وذلك بهدف تقديم الدعم والتوجيه المناسبين لهن، وكذلك للتمكن من التفريق بين ما يُعتبر طبيعياً ومتوقعاً في هذه المرحلة العمرية الحساسة، وما قد يستدعي المزيد من الاهتمام والمتابعة الطبية.

1. عدم انتظام الدورة في السنوات الأولى بعد البلوغ

من الأمور الشائعة جداً، بل والطبيعية تماماً، أن تكون الدورة الشهرية غير منتظمةٍ خلال السنوات القليلة الأولى التي تعقب بدء الحيض لأول مرة (وهي مرحلة البلوغ أو ما يُعرف بالطمث الأول). فخلال هذه الفترة الزمنية؛ يكون المحور الهرموني الذي يمثل حلقة الوصل بين الدماغ (وتحديداً منطقة ما تحت المهاد والغدة النخامية) وبين المبيضين – وهو المحور المعروف طبياً بالمحور الوطائي-النخامي-المبيضي (HPO axis) – لا يزال في مرحلة النضوج والتطور ولم يصل بعد إلى تمام اكتماله الوظيفي.

ونتيجةً لعدم اكتمال نضج هذا المحور الحيوي بشكلٍ كامل؛ فقد لا تحدث عملية الإباضة (وهي عملية إطلاق البويضة من المبيض) بانتظام وثبات في كل دورةٍ شهرية. وهذه الدورات التي لا تصاحبها عملية إباضةٍ (والتي تُعرف بالدورات اللاإباضية أو Anovulatory cycles) هي السبب الرئيسي الكامن وراء عدم انتظام الدورة الشهرية لدى الفتيات حديثات البلوغ؛ مما قد يؤدي إلى تأخر الدورة عن موعدها، أو إلى تقارب مواعيدها بشكلٍ لافت، أو إلى حدوث اختلافٍ ملحوظٍ في كمية النزيف المصاحب لها.

وعادةً ما تستغرق الدورة الشهرية فترة زمنية تتراوح بين سنتين إلى ثلاث سنوات حتى تبلغ درجة الانتظام الكامل بعد بدء الحيض. لذلك فإن تأخر الدورة في هذه المرحلة العمرية غالباً ما لا يكون مدعاةً للقلق المفرط، ولكنه يستدعي بطبيعة الحال المتابعة للتأكد من أن الانتظام المطلوب يحدث بشكل تدريجي مع مرور الوقت.

2. اضطرابات الأكل (مثل فقدان الشهية العصبي أو الشره المرضي)

تُعتبر اضطرابات الأكل – ومن أشهرها فقدان الشهية العصبي (Anorexia Nervosa) والشره المرضي (Bulimia Nervosa) – من المشاكل الصحية الخطيرة التي يمكن أن تبدأ في الظهور خلال فترة المراهقة، ويكون لها تأثير وخيم على الصحة العامة للفتاة، بما في ذلك التأثير المباشر على انتظام الدورة الشهرية.

إن السعي المفرط والدؤوب نحو تحقيق النحافة، والخوف الشديد من أي زيادةٍ في الوزن، بالإضافة إلى السلوكيات الغذائية غير الصحية التي تكون مصاحبةً لهذه الاضطرابات؛ كل ذلك يؤدي إلى حدوث نقص حاد في الطاقة التي يحتاجها الجسم وفي العناصر الغذائية الأساسية، كما يؤدي إلى انخفاض كبير في نسبة الدهون المخزنة في الجسم.

وهذا النقص الحاد في الطاقة ونسبة الدهون يُعتبر بمثابة إشارة خطرٍ يتلقاها الجسم؛ مما يدفعه إلى اتخاذ إجراءاتٍ دفاعيةٍ تتمثل في إيقاف الوظائف التي يعتبرها "غير ضروريةٍ" أو "ثانويةً" وذلك للحفاظ على مقومات البقاء الأساسية، ومن أهم هذه الوظائف التي يتم تعطيلها تأتي الوظائف التناسلية.

ونتيجةً لذلك؛ يتم تثبيط عملية إنتاج الهرمونات التناسلية من منطقة ما تحت المهاد والغدة النخامية، وتتوقف تبعاً لذلك عملية الإباضة، الأمر الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى تأخر الدورة الشهرية أو حتى انقطاعها بشكلٍ كامل (وهو ما يُعرف بانقطاع الطمث الوظيفي).

إن تأخر الدورة الشهرية لدى فتاةٍ مراهقة، خاصةً إذا كان ذلك مصحوباً بفقدانٍ ملحوظٍ في الوزن أو بهوسٍ شديدٍ بالطعام والسعي نحو الرشاقة؛ قد يكون بمثابة علامة تحذير حمراء تشير إلى وجود اضطراب أكل يستوجب تدخلاً علاجياً متخصصاً وفورياً يشمل الدعم النفسي والتغذوي والطبي.

ومن الضروري جداً التأكيد على أهمية المتابعة مع طبيبٍ متخصصٍ إذا ما استمر عدم انتظام الدورة الشهرية لفترةٍ طويلةٍ بعد بدء مرحلة البلوغ، أو إذا كانت هناك أعراضٌ أخرى مقلقةٌ مصاحبةٌ لتأخر الدورة؛ وذلك لضمان الوصول إلى التشخيص الصحيح وتقديم الرعاية المناسبة والفعالة.

أسباب خاصة بتأخر الدورة الشهرية لدى المتزوجات (بالإضافة للأسباب العامة)

بالنسبة للسيدات المتزوجات؛ فإن هناك عوامل إضافيةً خاصةً بهن قد يكون لها تأثيرٌ على مدى انتظام الدورة الشهرية لديهن، وذلك بالإضافة إلى جميع الأسباب العامة التي تم تناولها فيما سبق والتي يمكن أن تصيب أي امرأةٍ بلغت سن الإنجاب.

ويأتي كل من الحمل والرضاعة الطبيعية في صدارة هذه الأسباب الخاصة التي تميز هذه الفئة من النساء؛ نظراً للتغيرات الهرمونية الكبيرة التي تكون مصاحبةً لهما، وتأثير تلك التغيرات المباشر على وظيفة المبيضين وعلى الدورة الشهرية برمتها.

1. الرضاعة الطبيعية

تُعتبر الرضاعة الطبيعية – وخصوصاً إذا كانت رضاعةً حصرية (أي أن الطفل يعتمد بشكلٍ كليٍّ على حليب الأم فقط كمصدرٍ للغذاء دون أي إضافاتٍ أخرى) ومكثفة (أي أن عملية الرضاعة تتم بشكلٍ متكررٍ ومنتظمٍ ليلاً ونهاراً) – سبباً شائعاً وطبيعياً تماماً لغياب الدورة الشهرية لفترةٍ قد تطول لعدة أشهر بعد الولادة. وتُعرف هذه الحالة الطبية بـ "انقطاع الطمث الإرضاعي" (Lactational Amenorrhea).

والسبب الرئيسي الكامن وراء هذه الظاهرة هو أن عملية الرضاعة في حد ذاتها تحفز إفراز هرمون البرولاكتين (المعروف بهرمون الحليب) من الغدة النخامية. وهذا الهرمون – بالإضافة إلى دوره الأساسي في عملية إنتاج الحليب وإدراره – يعمل أيضاً على تثبيط إفراز الهرمونات المسؤولة عن تحفيز عملية الإباضة، وهي الهرمون المطلق لموجهة الغدد التناسلية (GnRH) الذي يُفرز من منطقة ما تحت المهاد، وبالتالي يقل إفراز كلٍّ من الهرمون المنبه للجريب (FSH) والهرمون الملوتن (LH) من الغدة النخامية.

وهذا التثبيط الهرموني هو ما يمنع حدوث عملية الإباضة، وبالتالي يؤدي إلى غياب الدورة الشهرية. وتختلف مدة غياب الدورة بشكلٍ كبيرٍ من امرأةٍ لأخرى، وتعتمد في ذلك على عدة عوامل، من أهمها مدى كثافة الرضاعة الطبيعية ومدى انتظامها وتكرارها، وكذلك ما إذا كان الطفل يتلقى أطعمةً تكميليةً أخرى إلى جانب حليب الأم أم لا.

2. التهاب الحوض (PID)

يُعد التهاب الحوض (Pelvic Inflammatory Disease - PID) نوعاً من أنواع العدوى التي تصيب الأعضاء التناسلية الأنثوية العلوية؛ وتشمل هذه الأعضاء الرحم، وقناتي فالوب، والمبيضين. وفي أغلب الأحيان؛ يكون هذا الالتهاب ناجماً عن عدوى بكتيريةٍ تم انتقالها عن طريق الاتصال الجنسي ولم يتم علاجها بشكلٍ كاملٍ وفعال، مثل عدوى الكلاميديا أو عدوى السيلان، حيث تنتقل الجراثيم المسببة للمرض من منطقة المهبل وعنق الرحم صاعدةً إلى الأعلى لتصيب هذه الأعضاء الداخلية.

ويمكن أن يتسبب التهاب الحوض في ظهور مجموعةٍ من الأعراض المختلفة؛ مثل الشعور بألمٍ في منطقة أسفل البطن والحوض، وظهور إفرازاتٍ مهبليةٍ غير طبيعيةٍ قد تكون ذات رائحةٍ كريهة، وارتفاع درجة حرارة الجسم (الحمى)، والشعور بألمٍ أثناء عملية التبول أو أثناء ممارسة العلاقة الزوجية، بالإضافة إلى حدوث نزيفٍ بين الدورات الشهرية.

وفي بعض الحالات؛ يمكن أن يؤثر التهاب الحوض على انتظام الدورة الشهرية فيؤدي إلى تأخرها أو إلى حدوث نزيفٍ غير منتظم. والأمر الأكثر خطورةً من ذلك؛ هو أن التهاب الحوض إذا لم يُعالج بشكلٍ فوريٍّ وناجع، يمكن أن يؤدي إلى حدوث مضاعفاتٍ خطيرةٍ وطويلة الأمد، مثل تكون نسيجٍ ندبيٍّ وحدوث التصاقاتٍ في قناتي فالوب، مما قد يتسبب في الشعور بألمٍ حوضيٍّ مزمن، ويزيد من خطر حدوث الحمل خارج الرحم، وقد ينتهي الأمر في بعض الحالات إلى الإصابة بالعقم.

لذلك فإن ظهور أي أعراضٍ قد تشير إلى احتمالية وجود التهابٍ في الحوض يستدعي بالضرورة مراجعة الطبيب فوراً دون تأخير، وذلك للحصول على التشخيص الصحيح والعلاج المناسب في أسرع وقتٍ ممكن.

ومن المهم أن تدرك السيدة المتزوجة أن الحمل والرضاعة الطبيعية هما السببان الأكثر خصوصيةً وتمييزاً لهذه الفئة من النساء عندما يتعلق الأمر بتأخر الدورة الشهرية. ومع ذلك؛ فلا ينبغي أبداً إغفال الأسباب الأخرى المشتركة التي يمكن أن تؤثر على أي امرأة، والتي تم تفصيل القول فيها سابقاً.

إن أسباب تأخر الدورة الشهرية لَمتنوعةٌ جداً، وهي تتراوح ما بين تغييراتٍ بسيطةٍ ومؤقتةٍ تطرأ على نمط الحياة، مروراً بحالاتٍ فسيولوجيةٍ طبيعيةٍ لا تستدعي القلق، ووصولاً إلى حالاتٍ طبيةٍ قد تستلزم اهتماماً خاصاً وعلاجاً متخصصاً. والمفتاح الحقيقي للتعامل مع هذا الأمر يكمن في فهم طبيعة جسمكِ، وملاحظة أي تغييراتٍ غير طبيعيةٍ أو مستمرةٍ تطرأ على دورتكِ الشهرية، وعدم التردد أبداً في طلب المشورة الطبية عند الإحساس بالحاجة إلى ذلك.

متى يجب القلق واستشارة الطبيب بشأن تأخر الدورة الشهرية؟

بينما قد يكون تأخر الدورة الشهرية أمراً عارضاً وغير باعثٍ على القلق في بعض الأحيان – خاصةً إذا كان التأخر طفيفاً في مدته أو حدث بصورة منفردة لمرةٍ واحدة – إلا أن هناك حالات معينةً تستدعي اليقظة والتوجه دون إبطاءٍ لاستشارة الطبيب. وإن التقييم الطبي المتخصص لهو السبيل الوحيد لتحديد السبب الحقيقي الكامن وراء تأخر الدورة، ولاستبعاد أي مشاكل صحيةٍ غير ظاهرةٍ قد تستلزم علاجاً.

ومن المهم جداً عدم الاعتماد على التشخيص الذاتي أو تأجيل زيارة الطبيب إذا كان تأخر الدورة مصحوباً بعلامات أو أعراض أخرى تثير الريبة أو القلق. فالكشف المبكر عن بعض الحالات المرضية يمكن أن يحدث فارقاً كبيراً في مدى فعالية العلاج وفي الوقاية من المضاعفات المحتملة التي قد تترتب على إهمال الحالة.

ما هي علامات الخطر التي تستدعي التقييم الطبي؟

يتوجب على كل امرأةٍ أن تكون واعيةً تمام الوعي بالتغيرات التي تطرأ على جسدها وعلى دورتها الشهرية، وألا تتردد في طلب المشورة الطبية عند ملاحظة أيٍّ من العلامات التالية التي تشير إلى أن تأخر الدورة الشهرية يتطلب تقييماً متخصصاً ودقيقاً. إن الاعتماد على التشخيص الذاتي أو تجاهل الأعراض الظاهرة قد يكون أمراً مضللاً، وقد يؤخر الحصول على الرعاية الطبية المناسبة في وقتها.

فالطبيب هو الشخص الأقدر على تقييم الحالة بصورةٍ شاملة، وعلى تحديد ما إذا كان تأخر الدورة أمراً طبيعياً لا يستدعي القلق، أم أنه يستوجب إجراء فحوصاتٍ إضافيةٍ للوقوف على حقيقة الأمر.

ومن بين العلامات التي تستوجب زيارة الطبيب ما يلي:

  • تأخر الدورة الشهرية لثلاثة أشهر متتالية أو أكثر – فيما يُعرف طبياً بانقطاع الطمث الثانوي – خاصةً إذا كانت الدورة الشهرية منتظمة في السابق.
  • إذا لم تبدأ الدورة الشهرية على الإطلاق بحلول سن الخامسة عشرة أو السادسة عشرة عاماً، وهي الحالة المعروفة بانقطاع الطمث الأولي.
  • حدوث تغير مفاجئ وكبيرٍ في النمط المعتاد للدورة الشهرية، كأن تصبح الدورة غير منتظمة بشكل ملحوظ بعد أن كانت تتسم بالانتظام لفترة طويلة.
  • تأخر الدورة الشهرية مع وجود أعراضٍ أخرى مقلقة؛ مثل الشعور بألمٍ شديدٍ ومستمرٍ في منطقة الحوض أو أسفل البطن، أو ارتفاعٍ في درجة حرارة الجسم (الحمى)، أو ظهور إفرازاتٍ مهبليةٍ غير طبيعيةٍ ذات لونٍ غريبٍ أو رائحةٍ منفرة، أو ملاحظة نمو شعرٍ زائدٍ بشكل لافتٍ في منطقة الوجه والجسم، أو تساقطٍ شديدٍ في شعر الرأس، أو حدوث تغيرات كبيرة وغير مبررة في الوزن (سواء بالزيادة أو النقصان)، أو إفراز مادة تشبه الحليب من الثديين خارج فترات الحمل والرضاعة.
  • حدوث نزيف مهبليّ شديد جداً وغزير عند عودة الدورة الشهرية بعد فترة من الانقطاع أو التأخر.
  • استمرار تأخر الدورة الشهرية لمدة تزيد على ثلاثة أشهر بعد التوقف عن استخدام حبوب منع الحمل أو أي وسيلة أخرى من وسائل منع الحمل الهرمونية.
  • وجود شكٍّ قويّ لدى المرأة بحدوث حمل، مع عدم قدرتها على تأكيد هذا الشك أو نفيه بشكل قاطع من خلال إجراء اختبارات الحمل المنزلية المتاحة.

وإن كل نقطةٍ من هذه النقاط الآنفة الذكر لتحمل دلالةً مهمةً ينبغي أخذها في الحسبان. فعلى سبيل المثال؛ إن انقطاع الطمث الأولي أو الثانوي ليستدعي بالضرورة تقييماً طبياً متخصصاً، وذلك لاستبعاد أي مشاكل تطوريةٍ قد تكون حدثت في الجهاز التناسلي، أو أي اضطراباتٍ هرمونيةٍ عميقة.

كما أن الأعراض المصاحبة الأخرى – مثل نمو الشعر الزائد بشكل غير طبيعي، أو إفراز الحليب من الثدي في غير أوانه – قد تشير إلى وجود حالات مرضية معينة مثل متلازمة تكيس المبايض، أو بعض الاضطرابات التي تصيب الغدة النخامية.

علامات الخطر التي تستدعي زيارة الطبيب فوراً بشأن تأخر الدورة الشهرية
العلامات أو الأعراض التوضيح والأهمية
غياب الدورة لثلاثة أشهر متتالية أو أكثر (انقطاع الطمث الثانوي) من الممكن أن يكون ذلك مؤشراً على وجود اضطراب هرموني مستمر، أو حالة طبية كامنة تتطلب تشخيصاً دقيقاً وعلاجاً مناسباً.
عدم بدء الدورة الشهرية بحلول سن ١٥-١٦ عاماً (انقطاع الطمث الأولي) يستدعي هذا الأمر تقييماً طبياً لاستبعاد وجود أي مشاكل تطوريةٍ أو جينيةٍ أو هرمونيةٍ قد تكون هي السبب في تأخر البلوغ وعدم بدء الدورة.
حدوث تغير مفاجئ وكبير في نمط الدورة المعتاد إذا أصبحت الدورة الشهرية غير منتظمة بشكل ملحوظ بعد أن كانت تتسم بالانتظام لفترة طويلة من الزمن، فقد يكون ذلك دليلاً على بدء مشكلة صحية جديدة تستوجب النظر.
تأخر الدورة مع ظهور أعراضٍ مقلقةٍ أخرى (مثل ألم حوضيّ شديد، أو حمى، أو إفرازات مهبلية غير طبيعية، أو نمو شعر زائد، أو تساقط شعر الرأس، أو تغيرات كبيرةٍ في الوزن، أو إفراز حليبٍ من الثدي) إن هذه الأعراض المصاحبة هي بمثابة مفاتيح هامة تساعد في تشخيص حالات معينة مثل التهاب الحوض، أو متلازمة تكيس المبايض، أو اضطرابات الغدة الدرقية أو الغدة النخامية، أو حتى بعض اضطرابات الأكل.
حدوث نزيفٍ شديد جداً عند عودة الدورة بعد فترة من التأخر يشير ذلك إلى حدوث تراكم كبير لبطانة الرحم خلال فترة الانقطاع، أو إلى وجود مشكلة أخرى تستدعي تقييماً طبياً فورياً لتحديد السبب.
استمرار تأخر الدورة لأكثر من ثلاثة أشهر بعد التوقف عن استخدام حبوب منع الحمل بينما قد يحتاج الجسم بعض الوقت ليعود إلى طبيعته الهرمونية بعد إيقاف وسائل منع الحمل، فإن التأخر الطويل الذي يتجاوز هذه المدة يستدعي التحقق من عدم وجود سببٍ آخر لهذا التأخر.
وجود شكٍّ قويٍّ بحدوث حمل مع عدم القدرة على تأكيده أو نفيه يجب في هذه الحالة تأكيد الحمل أو نفيه بشكلٍ قاطعٍ من خلال الطبيب، وذلك للبدء في اتخاذ إجراءات الرعاية المناسبة في حال وجود حمل، أو للبحث عن الأسباب الأخرى الكامنة وراء التأخر في حال عدم وجوده.

ملاحظة مهمة: يقدم هذا الجدول إرشادات عامة، وتبقى استشارة الطبيب هي الخطوة المثلى والأكثر أماناً لتقييم أي حالة بشكل فردي ودقيق.

الفحوصات والتحاليل المتوقعة لتشخيص السبب

عندما تقوم المرأة بزيارة الطبيب بسبب مشكلة تأخر الدورة الشهرية؛ فإن الطبيب عادةً ما يبدأ بأخذ تاريخ مرضي مفصل وشاملٍ للحالة. وسيقوم بطرح أسئلةٍ تتعلق بطبيعة الدورة الشهرية المعتادة للمرأة، وتاريخ آخر دورةٍ شهريةٍ مرت بها، وأي تغيراتٍ حديثةٍ قد تكون طرأت على نمط حياتها (مثل التعرض للتوتر، أو إجراء تغييراتٍ في النظام الغذائي، أو البدء في ممارسة الرياضة أو تغيير وتيرتها)، وكذلك الأدوية التي يتم تناولها حالياً، والتاريخ العائلي لأي مشاكل صحيةٍ قد تكون ذات صلةٍ بالموضوع، بالإضافة إلى الاستفسار عن أي أعراضٍ أخرى قد تكون مصاحبةً لتأخر الدورة. وبعد ذلك سيقوم الطبيب بإجراء فحصٍ سريريٍّ عام، يليه فحصٌ لمنطقة الحوض.

وبناءً على المعلومات التي يتم جمعها من خلال أخذ التاريخ المرضي وإجراء الفحص السريري؛ قد يقرر الطبيب طلب مجموعةٍ من الفحوصات والتحاليل المخبرية للمساعدة في تحديد السبب الحقيقي الكامن وراء تأخر الدورة الشهرية. وتهدف هذه الفحوصات بشكلٍ أساسيٍّ إلى تقييم مدى التوازن الهرموني في الجسم، والتحقق من سلامة وظيفة الأعضاء التناسلية، واستبعاد أي حالاتٍ طبيةٍ أخرى قد تكون محتملة.

ومن بين الفحوصات والتحاليل التي قد يطلبها الطبيب في هذا السياق ما يلي:

  1. إجراء اختبار الحمل (سواء كان ذلك عن طريق اختبار البول أو اختبار الدم)، وذلك بهدف استبعاده بشكل نهائي وحاسم كسبب لتأخر الدورة الشهرية.
  2. إجراء تحاليل دم لقياس مستويات الهرمونات المختلفة في الجسم، مثل الهرمون المنبه للجريب (FSH)، والهرمون الملوتن (LH)، والهرمون المنبه للغدة الدرقية (TSH)، وهرمون البرولاكتين (المعروف بهرمون الحليب)، وهرمون الإستروجين، وهرمون التستوستيرون.
  3. إجراء تصويرٍ لمنطقة الحوض باستخدام الموجات فوق الصوتية (السونار)، وذلك لتقييم حجم وشكل كلٍّ من الرحم والمبيضين، وللكشف عن وجود أي تكيساتٍ على المبايض، أو أي أورام ليفية، أو أي تشوهاتٍ هيكليةٍ أخرى قد تكون موجودة.
  4. إجراء ما يُعرف باختبار تحدي البروجستين؛ حيث يتم في هذا الاختبار إعطاء المرأة هرمون البروجستين لبضعة أيامٍ ثم يتم إيقافه. فإذا حدث نزيفٌ بعد ذلك؛ فإن هذا يشير إلى أن الجسم ينتج كميةً كافيةً من الإستروجين، وأن المشكلة قد تكمن في عدم حدوث عملية الإباضة بشكلٍ طبيعي.
  5. في بعض الحالات التي تستدعي المزيد من التقصي؛ قد يلجأ الطبيب إلى طلب إجراء فحوصاتٍ أكثر تخصصاً، مثل التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) لمنطقة الدماغ (وذلك إذا كان هناك اشتباهٌ في وجود مشكلةٍ ما في الغدة النخامية، مثل وجود ورم مفرز لهرمون البرولاكتين)، أو إجراء تنظيرٍ للرحم (Hysteroscopy) وهو فحص يسمح برؤية تجويف الرحم من الداخل بشكل مباشر للبحث عن أي التصاقات أو تشوهاتٍ قد تكون موجودة.

وإن الغرض الأساسي من إجراء هذه الفحوصات المتنوعة هو الوصول إلى تشخيصٍ دقيقٍ للحالة. فعلى سبيل المثال؛ تساعد تحاليل الهرمونات في الكشف عن وجود أي خللٍ في وظيفة الغدة الدرقية أو الغدة النخامية أو المبايض، وهي جميعها أعضاءٌ يمكن أن يؤثر أي اضطرابٍ فيها على انتظام الدورة الشهرية. أما فحص السونار؛ فيمكنه أن يحدد بدقة وجود حالات مرضية مثل متلازمة تكيس المبايض أو الأورام الليفية الرحمية.

ولا شك في أن التشخيص الدقيق يمثل حجر الزاوية الذي يُبنى عليه أي علاجٍ ناجحٍ ومناسب. فمعرفة السبب الحقيقي الكامن وراء تأخر الدورة الشهرية تمكن الطبيب من وضع خطة علاجية فعالة لا تهدف فقط إلى استعادة انتظام الدورة، بل تهدف أيضاً وبشكلٍ أساسي إلى معالجة أي حالة صحية كامنة قد تكون هي المسبب لهذا التأخر، وبالتالي ضمان صحة المرأة ورفاهيتها على المدى الطويل.

طرق التعامل مع تأخر الدورة الشهرية وعلاجها

إن أسلوب التعامل مع مشكلة تأخر الدورة الشهرية وطرق علاجها ليعتمد بشكلٍ أساسيٍّ وكليٍّ على تحديد السبب الدقيق الكامن وراء هذا التأخر. فكما قد رأينا سابقاً؛ تتعدد الأسباب وتتنوع بشكلٍ كبير، وبالتالي فإنه لا يوجد علاجٌ واحدٌ يمكن أن يناسب جميع الحالات. وإن التشخيص الدقيق الذي يجريه الطبيب المتخصص لهو الخطوة الأولى والجوهرية التي لا بد منها لوضع خطةٍ علاجيةٍ فعالةٍ ومناسبةٍ لكل حالةٍ على حدة.

وتهدف الخطة العلاجية الموضوعة ليس فقط إلى مجرد استعادة انتظام الدورة الشهرية؛ بل تهدف أيضاً - وبشكلٍ أعمق - إلى معالجة أي مشكلةٍ صحيةٍ أساسيةٍ قد تكون هي العامل المسبب لهذا التأخر، وكذلك إلى تحسين جودة حياة المرأة بشكلٍ عام. وسنتناول الآن بشيءٍ من التفصيل أبرز طرق التعامل المتاحة والعلاجات المتوفرة:

أولاً: تغييرات نمط الحياة

في كثيرٍ من الحالات – وخاصةً عندما يكون سبب تأخر الدورة الشهرية مرتبطاً بعوامل تتعلق بنمط الحياة المتبع، مثل التعرض للتوتر الشديد، أو حدوث تغيراتٍ مفاجئةٍ في الوزن، أو الإفراط في ممارسة التمارين الرياضية – فإن إجراء بعض التعديلات والتغييرات البسيطة في الروتين اليومي يمكن أن يُحدث تأثيراً كبيراً وملموساً، وأن يساعد في استعادة انتظام الدورة الشهرية بشكلٍ طبيعي، دونما حاجةٍ إلى اللجوء لتدخلاتٍ طبيةٍ معقدة.

وتهدف هذه التغييرات في نمط الحياة بشكلٍ أساسيٍّ إلى إعادة التوازن الفسيولوجي والهرموني إلى الجسم، وإلى تقليل تأثير العوامل التي قد تضع ضغطاً إضافياً عليه وتؤثر سلباً على وظائفه الطبيعية. ومن أهم هذه التغييرات التي يمكن للمرأة أن تتبناها في حياتها اليومية ما يلي:

  • الحرص على الحفاظ على وزنٍ صحيٍّ ومستقر، وتجنب الوصول إلى مرحلة النحافة المفرطة أو السمنة الزائدة، وذلك من خلال اتباع نظامٍ غذائيٍّ متوازنٍ وممارسة التمارين الرياضية بانتظام.
  • اتباع نظامٍ غذائيٍّ صحيٍّ ومتوازنٍ يكون غنياً بالفواكه والخضروات والحبوب الكاملة والبروتينات الخالية من الدهون، مع ضرورة تجنب الإفراط في تناول الأطعمة المصنعة والسكريات بكمياتٍ كبيرة.
  • ممارسة التمارين الرياضية بانتظامٍ ولكن مع مراعاة الاعتدال، وتجنب الإفراط في ممارسة التدريبات الشاقة والمكثفة التي قد تؤدي إلى إرهاق الجسم بشكلٍ كبير.
  • الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم الجيد والمريح، وكذلك نيل قسطٍ من الراحة خلال اليوم؛ حيث يلعب النوم دوراً هاماً في تنظيم إفراز الهرمونات في الجسم.
  • تطبيق تقنياتٍ فعالةٍ ومثبتةٍ لإدارة التوتر والضغوط النفسية التي قد تتعرض لها المرأة، مثل ممارسة تمارين التأمل أو اليوجا أو تمارين التنفس العميق، أو حتى تخصيص وقتٍ لممارسة الهوايات والأنشطة التي تبعث على الاسترخاء والراحة.

إن الحفاظ على وزنٍ صحيٍّ يساعد بشكلٍ كبيرٍ على تحقيق توازنٍ في مستويات هرمون الإستروجين ونسبة الدهون في الجسم، الأمر الذي يدعم بدوره انتظام عملية الإباضة. كما أن ممارسة الرياضة المعتدلة لا تقتصر فائدتها على تحسين الصحة البدنية العامة فحسب؛ بل إنها تساهم أيضاً في تقليل مستويات التوتر وتحسين الحالة المزاجية.

أما بالنسبة لتقنيات الاسترخاء والتأمل؛ فإنها تلعب دوراً هاماً في المساعدة على خفض مستويات هرمون الكورتيزول (المعروف بهرمون التوتر)، والذي يمكن أن يتداخل بشكلٍ سلبيٍّ مع عمل الهرمونات التناسلية. وإن التركيز على هذه الجوانب من نمط الحياة كخط دفاعٍ أولٍّ وكعلاجٍ أساسيٍّ للعديد من حالات تأخر الدورة الشهرية؛ ليعزز من دور المرأة الفعال في التحكم بصحتها الإنجابية وسلامتها.

ثانياً: العلاجات الطبية المتاحة

عندما يكون السبب الكامن وراء تأخر الدورة الشهرية ناجماً عن حالةٍ طبيةٍ محددةٍ ومعروفة – مثل متلازمة تكيس المبايض، أو بعض اضطرابات الغدة الدرقية، أو ارتفاع مستوى هرمون البرولاكتين في الدم – فإن اللجوء إلى العلاج الطبي الموجه يصبح أمراً ضرورياً وحاسماً. ففي هذه الحالات؛ لا تكون تغييرات نمط الحياة وحدها كافيةً لاستعادة انتظام الدورة الشهرية، بل يجب بالإضافة إلى ذلك معالجة المشكلة الصحية الأساسية التي أدت إلى هذا الخلل.

وسيقوم الطبيب المعالج – بعد إجراء التشخيص الدقيق وتحديد السبب الحقيقي للتأخر – بوضع خطةٍ علاجيةٍ مخصصةٍ تتناسب مع حالة كل امرأةٍ على حدة. وقد تشمل هذه الخطة العلاجية تناول أدويةٍ معينة، وفي بعض الحالات النادرة قد يتطلب الأمر اللجوء إلى تدخلاتٍ علاجيةٍ أخرى.

ومن بين العلاجات الطبية الشائعة التي قد يتم اللجوء إليها في مثل هذه الحالات ما يلي:

  • أدوية تنظيم الهرمونات؛ مثل حبوب منع الحمل المركبة (التي تحتوي على مزيجٍ من هرموني الإستروجين والبروجستين) أو أقراص البروجستين التي تحتوي على هذا الهرمون وحده. وتساعد هذه الأدوية في تنظيم الدورة الشهرية، كما أنها تعمل على حماية بطانة الرحم من حدوث أي تغيراتٍ غير طبيعيةٍ فيها.
  • علاج متلازمة تكيس المبايض؛ والذي يشمل تناول أدوية لتنظيم مستويات السكر في الدم مثل دواء الميتفورمين (وخاصةً إذا كانت هناك مقاومةٌ لعمل هرمون الأنسولين)، أو أدوية لخفض مستويات هرمونات الأندروجين، أو أدوية أخرى تعمل على تحفيز عملية الإباضة إذا كانت المرأة ترغب في حدوث الحمل.
  • أدوية علاج اضطرابات الغدة الدرقية؛ مثل تناول هرمون الثيروكسين التعويضي في حالات قصور وظيفة الغدة الدرقية، أو تناول أدويةٍ تعمل على تثبيط نشاط الغدة الدرقية في حالات فرط نشاطها.
  • أدوية لخفض مستوى هرمون البرولاكتين في الدم؛ مثل دواء البروموكريبتين أو دواء الكابيرغولين، وذلك في حالات ارتفاع مستوى هذا الهرمون بسبب وجود ورمٍ حميدٍ في الغدة النخامية أو لأسبابٍ أخرى غير ورمية.
  • اللجوء إلى التدخل الجراحي؛ والذي لا يتم اللجوء إليه إلا في حالاتٍ نادرة، مثل وجود أورامٍ كبيرةٍ في منطقة المبيض أو الرحم، أو بهدف تصحيح بعض الانسدادات الهيكلية الموجودة في الجهاز التناسلي (مثلما يحدث في حالة متلازمة أشرمان).

ومن الأهمية بمكانٍ التأكيد على ضرورة الالتزام التام بتعليمات الطبيب المعالج فيما يتعلق بتناول الأدوية الموصوفة، بما في ذلك التقيد بالجرعات المحددة ومدة العلاج المقررة. ويجب على المرأة عدم إيقاف أي علاجٍ أو تعديل جرعته من تلقاء نفسها دون استشارةٍ طبيةٍ مسبقة، حتى لو شعرت بتحسنٍ ملحوظٍ أو لاحظت عودة الدورة الشهرية إلى طبيعتها. فالطبيب هو الشخص الأقدر على تقييم مدى استجابة الجسم للعلاج، وهو الذي يحدد الخطوات التالية المناسبة بناءً على هذا التقييم.

هل هناك علاجات طبيعية أو منزلية فعالة؟

يثير موضوع العلاجات الطبيعية أو تلك التي يمكن تحضيرها في المنزل – مثل استخدام بعض أنواع الأعشاب أو تناول بعض المكملات الغذائية – اهتمام الكثير من النساء اللواتي يبحثن عن طرقٍ بديلةٍ قد تساعد في تنظيم الدورة الشهرية أو في علاج تأخرها.

وفي حين أن بعض التغييرات في نمط الحياة التي تم ذكرها سابقاً – كاتباع نظامٍ غذائيٍّ صحي، وممارسة الرياضة المعتدلة، وإدارة التوتر والضغوط النفسية – تُعتبر بالفعل تدخلاتٍ "طبيعيةً" وذات فائدةٍ مثبتة؛ إلا أن فعالية العديد من الأعشاب والمكملات الغذائية المحددة التي يُروج لها أحياناً لعلاج تأخر الدورة لم يتم إثباتها علمياً بشكلٍ قاطعٍ من خلال دراساتٍ بحثيةٍ واسعة النطاق وموثوقة النتائج.

ومن المهم جداً التعامل مع هذا الموضوع بكثيرٍ من الحذر والوعي. فكلمة "طبيعي" لا تعني بالضرورة أن المنتج الذي يوصف بها هو "آمن" تماماً أو "فعال" لجميع الأشخاص وفي جميع الحالات. فبعض الأعشاب والمكملات الغذائية يكون لها آثار جانبية غير مرغوبٍ فيها، أو قد تتفاعل بشكلٍ سلبيٍّ مع بعض الأدوية الأخرى التي تتناولها المرأة، أو قد لا تكون مناسبةً لبعض الحالات الصحية المعينة التي قد تعاني منها المرأة.

ومن بين العلاجات الطبيعية التي قد يُسمع عنها أحياناً ما يلي:

  • بعض الأعشاب مثل القرفة أو الزنجبيل أو الشمر؛ والتي يُعتقد أن لها بعض الخصائص التي قد تساعد في تحفيز نزول الدورة الشهرية، ولكن الأدلة العلمية المتاحة حالياً حول مدى فعاليتها في علاج تأخر الدورة لا تزال محدودةً وتحتاج إلى مزيدٍ من البحث والدراسة المتعمقة.
  • بعض الفيتامينات والمعادن مثل فيتامين د أو فيتامينات ب المركبة أو عنصر المغنيسيوم؛ والتي قد تكون مفيدةً بالفعل في حال وجود نقص مثبت في هذه العناصر لدى المرأة، حيث إن نقصها قد يؤثر سلباً على التوازن الهرموني في الجسم.
  • بعض الممارسات مثل العلاج بالوخز بالإبر أو ممارسة تمارين اليوجا؛ والتي قد تُستخدم أحياناً كعلاجاتٍ تكميليةٍ للمساعدة في إدارة التوتر وتحسين حالة التوازن العام في الجسم، مما قد ينعكس بشكلٍ إيجابيٍّ على انتظام الدورة الشهرية.

ويجب التشديد بقوة متناهية على ضرورة استشارة الطبيب المعالج قبل تجربة أي نوع من أنواع العلاجات الطبيعية أو المكملات الغذائية، وخاصةً إذا كانت المرأة تتناول أدويةً أخرى موصوفةً لها لعلاج حالات صحيةٍ مزمنة، أو إذا كانت تعاني بالفعل من أي مشاكل صحيةٍ معروفة.

فالطبيب هو الشخص المؤهل لتقديم النصيحة الآمنة والمبنية على الأدلة العلمية الموثوقة، وهو القادر على تقييم ما إذا كان هذا العلاج الطبيعي المقترح مناسباً للحالة الفردية للمرأة، وما إذا كان يتعارض مع أي علاجاتٍ أخرى قد تكون تتلقاها في نفس الوقت.

إن الهدف الأساسي من أي تدخلٍ علاجي – سواء كان ذلك تغييراً في نمط الحياة، أو علاجاً طبياً تقليدياً، أو حتى علاجاً طبيعياً تكميلياً – ليس فقط مجرد استعادة انتظام الدورة الشهرية، بل الأهم من ذلك هو معالجة السبب الجذري الكامن وراء هذا التأخر، وضمان صحة المرأة ورفاهيتها على المدى الطويل. وإن التعاون الوثيق والتواصل المفتوح والصريح بين المرأة وطبيبها لهو مفتاح النجاح في تحقيق هذا الهدف المنشود.

الوقاية من تأخر الدورة الشهرية غير الطبيعي

بينما لا يمكن الجزم بإمكانية منع جميع أسباب تأخر الدورة الشهرية بشكلٍ كامل – وخاصةً تلك الأسباب المتعلقة بحالاتٍ طبيةٍ معقدةٍ أو بعوامل وراثيةٍ لا يد للمرأة فيها – إلا أن هناك العديد من الخطوات الاستباقية التي يمكن للمرأة أن تتخذها لتقليل خطر حدوث تأخر الدورة المرتبط بعوامل نمط الحياة، وللحفاظ على صحةٍ إنجابيةٍ جيدةٍ بشكلٍ عام.

وترتكز هذه الخطوات الوقائية بشكلٍ أساسيٍّ على تعزيز حالة التوازن العام في الجسم، وعلى تجنب الممارسات التي قد تضع ضغطاً إضافياً على النظام الهرموني الدقيق الذي يحكم وظائف الجسم. وإن تبني نمط حياةٍ صحيٍّ ومتوازنٍ لهو حجر الزاوية في عملية الوقاية هذه.

ومن أهم هذه الخطوات التي يمكن اتباعها ما يلي:

  • الحفاظ على وزنٍ صحيٍّ ومستقر، وتجنب حدوث التقلبات الكبيرة والمفاجئة في الوزن، سواء كانت تلك التقلبات زيادةً مفرطةً أو نقصاناً شديداً.
  • اتباع نظامٍ غذائيٍّ متوازنٍ ومتنوعٍ يكون غنياً بالفواكه والخضروات والحبوب الكاملة والبروتينات الصحية والدهون المفيدة، مع ضرورة تجنب الإفراط في تناول الأطعمة المصنعة والسكريات والدهون المشبعة.
  • ممارسة التمارين الرياضية بانتظامٍ واعتدال، واختيار الأنشطة البدنية التي تستمتع بها المرأة وتناسب قدراتها البدنية، مع الحرص على تجنب الإفراط في التدريب الذي قد يؤدي إلى إرهاق الجسم وإجهاده.
  • تعلم وتطبيق تقنياتٍ فعالةٍ ومثبتةٍ لإدارة التوتر والقلق بشكلٍ يومي، مثل ممارسة تمارين التنفس العميق، أو التأمل، أو اليوجا، أو قضاء بعض الوقت في أحضان الطبيعة، أو ممارسة الهوايات التي تبعث على الاسترخاء والراحة.
  • الحرص على الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم الجيد والمنتظم كل ليلة؛ حيث يلعب النوم دوراً حيوياً لا غنى عنه في تنظيم إفراز الهرمونات وفي عمليات إصلاح خلايا الجسم وتجديدها.
  • تجنب إجراء التغيرات المفاجئة والشديدة في النظام الغذائي المتبع أو في روتين التمرين المعتاد، ومحاولة إدخال أي تغييراتٍ جديدةٍ بشكلٍ تدريجيٍّ للسماح للجسم بالتكيف معها بمرور الوقت.
  • إجراء المتابعة الطبية الدورية والقيام بالفحوصات النسائية اللازمة بانتظام؛ وذلك بهدف الكشف المبكر عن أي مشاكل صحيةٍ محتملةٍ ومعالجتها في الوقت المناسب قبل أن تتفاقم.

وإن كل نقطةٍ من هذه النقاط الآنفة الذكر لتساهم بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشرٍ في الحفاظ على توازن الهرمونات في الجسم، وبالتالي على انتظام الدورة الشهرية. فالوقاية دائماً وأبداً خيرٌ من العلاج، والاهتمام بالصحة العامة للجسم – بما في ذلك الصحة النفسية والتغذوية والبدنية – ينعكس بشكلٍ إيجابيٍّ ومباشرٍ على صحة الجهاز التناسلي وعلى انتظام وظائفه الحيوية.

ونشجع بقوةٍ على تبني هذه العادات الصحية ليس فقط كإجراءاتٍ وقائيةٍ تهدف إلى تجنب تأخر الدورة الشهرية؛ بل كجزءٍ لا يتجزأ من نمط حياةٍ شاملٍ ومتكاملٍ يهدف إلى تعزيز صحة المرأة ورفاهيتها على جميع المستويات وفي مختلف مراحل حياتها.

الخاتمة

إن تأخر الدورة الشهرية – كما قد استعرضنا بشيء من التفصيل – قد ينجم عن طيف واسعٍ من الأسباب والعوامل، التي تتراوح بين الحمل كاحتمالٍ أولٍّ يتبادر إلى الذهن، مروراً بتأثيرات نمط الحياة اليومي وما يشتمل عليه من توترٍ وتغيراتٍ في الوزن وممارسة الرياضة، ووصولاً إلى بعض الحالات الطبية الكامنة كمتلازمة تكيس المبايض وبعض اضطرابات الغدة الدرقية.

وفي حين أن بعض حالات التأخر قد تكون طبيعيةً وعابرةً لا تستدعي القلق – خاصةً في مراحل معينةٍ من عمر المرأة كبداية فترة البلوغ أو عند الاقتراب من سن اليأس – إلا أن تكرار هذا التأخر أو طول مدته أو كونه مصحوباً بأعراضٍ أخرى مقلقةٍ؛ ليستدعي دائماً الانتباه والبحث عن المشورة الطبية المتخصصة دون تأخير.

وإن فهمكِ لطبيعة جسمكِ، وقيامكِ بتتبع دورتكِ الشهرية بانتظام، وملاحظة أي تغيراتٍ غير معتادةٍ تطرأ عليها؛ هي خطواتٌ أساسيةٌ نحو الحفاظ على صحتكِ الإنجابية. فلا تترددي أبداً في استشارة طبيبكِ عند الشعور بالحاجة إلى ذلك؛ فهو الشخص الأقدر على تقديم التشخيص الدقيق والعلاج المناسب، وعلى تزويدكِ بالمعرفة والثقة اللازمتين للعناية بصحتكِ بشكلٍ كلي. فصحتكِ الإنجابية هي جزءٌ لا يتجزأ من صحتكِ العامة ومن رفاهيتكِ الشاملة.

إخلاء المسؤولية الطبية

إن المعلومات المقدمة في هذا المقال إنما هي لأغراض تثقيفية وتوعوية فقط لا غير، ولا ينبغي اعتبارها بأي حال من الأحوال بديلاً عن الاستشارة الطبية المتخصصة أو عن التشخيص الدقيق أو عن العلاج الذي يصفه الطبيب. ويجب على القارئات الكريمات مراجعة الطبيب المختص أو مقدم الرعاية الصحية المؤهل في حال وجود أي مخاوف صحيةٍ لديهن، أو قبل اتخاذ أي قراراتٍ تتعلق بصحتهن وسلامتهن.

وإن الاعتماد على المعلومات الواردة في هذا المقال دون الحصول على استشارة طبية مباشرة قد تكون له عواقب صحية غير محمودة؛ والموقع والكاتب لا يتحملان أي مسؤولية قانونية عن أي استخدام لهذه المعلومات خارج نطاقها التثقيفي والتوعوي المحدد.

الأسئلة الشائعة عن اسباب تأخر الدورة الشهرية

نجيب في هذا القسم على بعض الأسئلة الأكثر شيوعاً وتكراراً التي تصلنا حول أسباب تأخر الدورة الشهرية؛ وذلك بهدف مساعدتكِ في الحصول على إجاباتٍ سريعةٍ وموثوقةٍ قدر الإمكان.

ما هو المعدل الطبيعي لتأخر الدورة الشهرية؟

إن الدورة الشهرية الطبيعية تتراوح مدتها عادةً ما بين أربعةٍ وعشرين يوماً وثمانيةٍ وثلاثين يوماً. ويمكن اعتبار تأخر الدورة لمدةٍ تصل إلى سبعة أيام عن الموعد المعتاد أمراً يقع ضمن النطاق الذي لا يثير القلق بشكلٍ مباشر، وخاصةً إذا كان هذا التأخر عرضياً ولم يتكرر. ولكن إذا كان التأخر مستمراً أو تجاوز هذه المدة بشكلٍ ملحوظ، أو إذا غابت الدورة الشهرية لثلاث دورات متتالية؛ فإنه يُنصح في هذه الحالة باستشارة الطبيب.

دورتي متأخرة واختبار الحمل سلبي، ماذا يعني ذلك وماذا أفعل؟

إذا كان اختبار الحمل الذي أجريتِه سلبياً على الرغم من تأخر الدورة الشهرية عن موعدها؛ فقد يكون ذلك راجعاً إلى أن الاختبار قد أُجري في وقتٍ مبكرٍ جداً بحيث لم يتمكن من الكشف عن وجود هرمون الحمل في الجسم، أو قد يكون هناك أسبابٌ أخرى لتأخر الدورة غير الحمل، كتلك التي تم تفصيلها في سياق هذا المقال (مثل التعرض للتوتر، أو حدوث تغيراتٍ في الوزن، أو وجود حالاتٍ طبيةٍ أخرى). وفي هذه الحالة؛ فإنه يُفضل إعادة إجراء اختبار الحمل بعد مرور بضعة أيامٍ أو أسبوع، وإذا استمر التأخر وكانت النتيجة لا تزال سلبية؛ فإنه من الضروري جداً استشارة الطبيب لتقييم الحالة بشكلٍ دقيقٍ وتحديد السبب الحقيقي وراء هذا التأخر.

هل يمكن أن تتأخر الدورة بسبب تغيير النظام الغذائي أو الرجيم القاسي؟

نعم، يمكن أن تؤثر التغيرات الحادة والمفاجئة التي تطرأ على النظام الغذائي – وخاصةً تلك التغيرات التي تؤدي إلى فقدانٍ سريعٍ وكبيرٍ في الوزن أو إلى حالةٍ من سوء التغذية الحاد – على التوازن الهرموني الدقيق في الجسم. وهذا الخلل الهرموني بدوره يمكن أن يعطل عملية الإباضة الطبيعية، وبالتالي يتسبب في تأخر الدورة الشهرية أو حتى انقطاعها بالكلية.

هل حبوب منع الحمل تؤثر على انتظام الدورة بعد إيقافها؟

نعم، فبعد التوقف عن استخدام وسائل منع الحمل الهرمونية – ومن أشهرها حبوب منع الحمل – قد يستغرق الجسم بعض الوقت حتى يتمكن من العودة إلى نمطه الطبيعي في إنتاج الهرمونات وفي حدوث عملية الإباضة. ومن الشائع جداً أن تكون الدورات الشهرية غير منتظمةٍ أو متأخرةً لبضعة أشهرٍ بعد إيقاف استخدام حبوب منع الحمل، وعادةً ما تعود الدورة إلى طبيعتها المعهودة في غضون ثلاثة أشهرٍ تقريباً. أما إذا استمر عدم الانتظام لفترةٍ أطول من ذلك؛ فإنه يُنصح بمراجعة الطبيب.

هل يؤثر تكيس المبايض على فرص الحمل؟

نعم، تُعتبر متلازمة تكيس المبايض (PCOS) من بين الأسباب الشائعة التي تؤدي إلى حدوث مشاكل في الخصوبة لدى النساء؛ وذلك لأنها في الغالب تتسبب في عدم انتظام عملية الإباضة أو حتى في انعدامها في بعض الحالات. وبدون حدوث إباضةٍ منتظمة؛ فإن فرص حدوث الحمل بشكلٍ طبيعيٍّ تقل بشكلٍ ملحوظ. ومع ذلك؛ فإنه مع التشخيص الصحيح والمتابعة الطبية الدقيقة والعلاجات المناسبة (والتي تشمل إجراء تغييراتٍ في نمط الحياة، وتناول أدويةٍ لتنظيم الدورة أو لتحفيز عملية الإباضة)؛ يمكن للعديد من النساء المصابات بمتلازمة تكيس المبايض أن يحملن بنجاح.

ما هي التحاليل الهرمونية التي قد يطلبها الطبيب عند تأخر الدورة؟

عند الشروع في تقييم سبب تأخر الدورة الشهرية، قد يطلب الطبيب المعالج إجراء مجموعةٍ من تحاليل الدم الهرمونية بهدف تقييم وظيفة المبايض والغدد الأخرى التي لها تأثير على انتظام الدورة. وقد تشمل هذه التحاليل قياس مستويات كلٍّ من الهرمون المنبه للجريب (FSH)، والهرمون الملوتن (LH)، وهرمون الإستروجين (E2)، والهرمون المنبه للغدة الدرقية (TSH)، وهرمون البرولاكتين، وهرمون التستوستيرون، والهرمون المضاد للمولر (AMH)، وغيرها من الهرمونات حسب ما تقتضيه الحالة الفردية لكل مريضة.

متى يعتبر تأخر الدورة الشهرية خطيراً ويستدعي القلق الفوري؟

يُعتبر تأخر الدورة الشهرية أمراً مدعاةً للقلق الفوري ويستدعي ضرورة مراجعة الطبيب دون إبطاءٍ إذا كان مصحوباً بأعراضٍ حادةٍ مثل الشعور بألمٍ شديدٍ ومفاجئٍ في منطقة الحوض أو البطن، أو حدوث نزيفٍ مهبليٍّ غزيرٍ جداً وغير معتاد، أو ارتفاعٍ في درجة حرارة الجسم (الحمى)، أو الشعور بدوخةٍ شديدةٍ أو حدوث إغماء. وكذلك؛ إذا تكرر غياب الدورة الشهرية لثلاثة أشهرٍ متتاليةٍ أو أكثر، أو إذا لم تبدأ الدورة الشهرية على الإطلاق بحلول سن السادسة عشرة؛ فإن هذه الحالات تستدعي بالضرورة تقييماً طبياً عاجلاً.

المراجع:

Mayo Clinic. (2022, November 19). Missed period: When is it a concern? Mayo Foundation for Medical Education and Research. Retrieved May 27, 2025, from https://www.mayoclinic.org/healthy-lifestyle/womens-health/in-depth/menstruation/art-20047186

National Health Service (NHS). (2023, March 16). Missed or late periods. NHS.UK. Retrieved May 27, 2025, from https://www.nhs.uk/conditions/missed-or-late-periods/

American College of Obstetricians and Gynecologists (ACOG). (2021, December). Amenorrhea: Absence of Menstruation. ACOG. Retrieved May 27, 2025, from https://www.acog.org/womens-health/faqs/amenorrhea-absence-of-menstruation

Cleveland Clinic. (2023, September 02). Amenorrhea: Types, Causes, Symptoms, Diagnosis & Treatment. Cleveland Clinic. Retrieved May 27, 2025, from https://my.clevelandclinic.org/health/diseases/3924-amenorrhea

Eunice Kennedy Shriver National Institute of Child Health and Human Development (NICHD). (n.d.). Amenorrhea: Condition Information. NICHD. Retrieved May 27, 2025, from https://www.nichd.nih.gov/health/topics/amenorrhea/conditioninfo

Johns Hopkins Medicine. (n.d.). Amenorrhea. Johns Hopkins Medicine. Retrieved May 27, 2025, from https://www.hopkinsmedicine.org/health/conditions-and-diseases/amenorrhea

ليلى الفارس
ليلى الفارس
ليلى حاصلة على درجة البكالوريوس في الصيدلة من الجامعة الأردنية، وتشغل حالياً منصب صيدلاني مسؤول في إحدى صيدليات المجتمع، تتميز بشغفها الكبير في مجال البحث العلمي وكتابة المقالات الطبية في موقع نبض طب، مع تركيز خاص على مجالات الأدوية والأشكال الصيدلانية والصناعة الدوائية.
تعليقات